لماذا ارتفع الذهب اليوم؟ 5 أسباب وراء الصعود المفاجئ

في صباح يوم 21 يوليو 2025، فُوجئ المستثمرون والمراقبون بارتفاع حاد في أسعار الذهب بعد فترة من التحركات العرضية والتذبذب. هذا الارتفاع السريع لم يكن صدفة، بل نتج عن تفاعل مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية والمالية التي دفعت المستثمرين نحو الأصول الآمنة مجددًا. في هذا المقال، نستعرض أبرز 5 أسباب جوهرية كانت خلف هذا الارتفاع، ونحلل سياق السوق الذي دفع الذهب إلى مقدمة المشهد.
1. ضعف الدولار الأميركي: الوقود الأول لصعود الذهب
الذهب والدولار يتمتعان بعلاقة عكسية شهيرة؛ فعندما يضعف الدولار، يصبح الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين الذين يستخدمون عملات أخرى. خلال الساعات الماضية، تراجع مؤشر الدولار أمام سلة العملات الرئيسية بشكل ملحوظ، بسبب:
- مؤشرات تباطؤ اقتصادي أميركي ظهرت في بيانات حديثة.
- توقعات بتثبيت أو خفض أسعار الفائدة.
- قلق المستثمرين من العجز المتزايد في الميزانية الأميركية.
هذا التراجع في الدولار شجّع على شراء الذهب بكثافة، وخصوصًا من طرف المؤسسات الكبرى التي تسعى لحماية محافظها من تقلبات سعر الصرف.
2. ترقّب الأسواق لمهلة 1 أغسطس التجارية
الولايات المتحدة كانت قد أعلنت في وقت سابق أن الأول من أغسطس سيكون موعدًا نهائيًا لاتخاذ إجراءات تجارية ضد بعض الشركاء الاقتصاديين، إذا لم يتم التوصل لاتفاقات واضحة. الأسواق باتت تستشعر أن هذه المهلة قد تنتهي دون نتائج إيجابية، وهو ما يرفع:
- درجة المخاطرة الجيوسياسية.
- احتمالية فرض تعريفات جديدة على الصين أو الاتحاد الأوروبي.
- عودة الحديث عن حرب تجارية جديدة قد تهزّ الأسواق العالمية.
ومع هذا الترقب القلق، يبحث المستثمرون دائمًا عن أدوات تحوّط تحفظ رأس المال، ولا توجد أداة أنسب من الذهب في مثل هذه الظروف.
3. احتمالات خفض الفائدة تعود للواجهة
التصريحات الأخيرة من بعض أعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أعادت إحياء توقعات السوق بشأن خفض أسعار الفائدة في الاجتماعات المقبلة. خفض الفائدة يؤدي إلى:
- انخفاض العائد على السندات الأميركية.
- تقليل تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب.
- دفع رؤوس الأموال نحو الأصول غير المُربِحة مثل الذهب، خاصة في ظل ضعف الدولار.
تتوقع الأسواق حاليًا بنسبة تفوق 60% أن يتم خفض الفائدة قبل نهاية الربع الثالث من 2025، وهو ما يفسر جزئيًا النشاط القوي في أسواق الذهب.
4. ضعف أداء السندات وزيادة تقلبات الأسهم
سوق السندات الأميركية، الذي يُعتبر بديلًا للذهب في حالات التوتر، سجل اليوم تراجعًا في العوائد، ما جعل الذهب أكثر جذبًا للمستثمرين الباحثين عن الاستقرار.
في الوقت نفسه، شهدت أسواق الأسهم العالمية تقلبات حادة، خاصة في أسهم التكنولوجيا التي واجهت ضغوطًا بسبب تقارير أرباح مخيبة وتخفيض توقعات النمو من شركات كبرى.
وهنا، يكون الذهب خيارًا مثاليًا لتحييد المخاطر وتنويع المحافظ الاستثمارية، خصوصًا عندما تكون أدوات الدخل الثابت غير جذابة.
5. تدفّقات مؤسسية متزايدة على صناديق الذهب
في الأسابيع الأخيرة، لوحظ تدفّق كبير من رؤوس الأموال نحو صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب (ETFs). ويعزى ذلك إلى:
- إقبال المستثمرين المؤسسيين على الذهب كتحوّط ضد التضخم.
- توقعات الركود الاقتصادي في مناطق متعددة، خاصة أوروبا.
- ارتفاع الحيازات الرسمية من الذهب في بعض البنوك المركزية.
هذا التدفق المؤسسي لا يؤدي فقط إلى رفع السعر، بل يرسل إشارة ثقة إلى السوق، ما يدفع المستثمرين الأفراد إلى تقليد هذه التحركات، فيبدأ السوق بحالة زخم صعودي ذاتي.
تحليل فني سريع (دون أرقام مباشرة)
من الناحية الفنية، يُظهر الذهب إشارات قوية على تجاوز مقاومة رئيسية، مما يعني فتح الباب أمام موجة صعود جديدة. المؤشرات مثل RSI وMACD تُظهر ميلًا إيجابيًا، ومستويات السيولة تدعم الاتجاه الصاعد.
طالما بقي الذهب فوق مستويات دعم فنية مهمة، فإن احتمالات استمراره في الصعود تظل قوية خلال الأسبوع الحالي، خاصة إذا لم يطرأ تغيير مفاجئ على السياسة النقدية الأميركية أو العلاقات التجارية الدولية.
هل يستمر الارتفاع؟
الإجابة تعتمد على تطورات الأيام القادمة. فإذا:
- استمر ضعف الدولار،
- وازدادت احتمالات خفض الفائدة،
- أو صدرت إشارات سلبية من المحادثات التجارية…
فمن المحتمل أن يواصل الذهب صعوده ويكسر مستويات أعلى. أما إذا جاءت المفاجآت إيجابية (مثل اتفاق تجاري أو تصريحات صارمة من الفيدرالي)، فقد يتعرض الذهب لتصحيح مؤقت.
لكن المؤكد هو أن الذهب استعاد وهجه، وعاد ليؤكد مكانته كأداة تحوّط أولى وقت الأزمات.
الخلاصة
ارتفاع الذهب اليوم لم يكن مجرد قفزة فنية، بل نتاج لبيئة اقتصادية ومالية وجيوسياسية متوترة. ضعف الدولار، والضبابية بشأن التجارة الدولية، وتوقعات خفض الفائدة، وتذبذب الأسواق، كلها اجتمعت لتمنح الذهب دفعة قوية نحو الأعلى.
على المتداولين متابعة الأخبار المالية بدقة، والاستفادة من هذه التقلبات بحكمة، لأن الأسواق الآن تسير في مرحلة “حساسة جدًا” يمكن أن تتغيّر فيها المعطيات خلال ساعات.