حرب ترامب مع الصين: من الرسوم إلى اتفاق اكتوبر 2025
منذ انطلاق حرب ترامب مع الصين في عام 2017، والعلاقات بين البلدين تمرّ بواحدة من أكثر المراحل توتّرًا في التاريخ الحديث.
ما بدأ كخلاف تجاري بسيط حول الرسوم الجمركية سرعان ما تحوّل إلى صراع اقتصادي وسياسي شامل، يمتد إلى التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وسلاسل التوريد العالمية.
هذه الحرب لم تغيّر فقط شكل التجارة بين أكبر اقتصادين في العالم، بل أعادت رسم موازين القوة في النظام الدولي.
في هذا المقال، نستعرض مسار حرب ترامب مع الصين من بدايتها إلى التطورات الأخيرة في عام 2025، ونحلّل أسباب استمرارها رغم محاولات التهدئة.
البداية: شعار “أمريكا أولاً” واتهامات للصين (2017–2018)
مع بداية ولايته، اتهم ترامب الصين بأنها:
- تسرق الملكية الفكرية للشركات الأميركية.
- تتلاعب بسعر اليوان لتبقي صادراتها رخيصة.
- تجبر الشركات الأجنبية على نقل التكنولوجيا مقابل دخول السوق الصينية.
تحت شعار “Make America Great Again”، أعلن ترامب أنه سيعيد التوازن التجاري بين البلدين، إذ تجاوز العجز التجاري الأميركي مع الصين 375 مليار دولار في عام 2017، وهو رقم ضخم يراه ترامب دليلاً على “الاستغلال الصيني”.
اندلاع الحرب التجارية (2018)
في عام 2018، فرضت إدارة ترامب رسومًا جمركية بنسبة 25% على واردات صينية بقيمة 50 مليار دولار.
وردّت الصين بفرض ضرائب مماثلة على المنتجات الأميركية، خصوصًا فول الصويا والسيارات والطائرات.
وهكذا اندلعت أول حرب تجارية حقيقية بين أكبر اقتصادين في العالم، وأدت إلى اضطراب الأسواق العالمية وهبوط أسعار الأسهم.
التصعيد المتبادل (2019–2020)
لم يتوقف التصعيد عند التعريفات الجمركية، بل توسّع إلى ملفات أخرى:
- فرضت واشنطن عقوبات على شركات التكنولوجيا الصينية مثل Huawei و ZTE.
- منعت الحكومة الأميركية الشركات من التعامل مع بعض الموردين الصينيين بحجة “الأمن القومي”.
- ردّت الصين بتقييد صادرات المعادن النادرة التي تحتاجها الشركات الأميركية في التصنيع.
وفي عام 2019، وصلت الحرب التجارية إلى ذروتها، إذ أصبحت الرسوم تشمل أكثر من 360 مليار دولار من السلع الصينية.
اتفاق المرحلة الأولى (يناير 2020)
بعد مفاوضات طويلة، وُقّع ما سُمّي بـ”اتفاق المرحلة الأولى” في يناير 2020، والذي نصّ على أن:
- تشتري الصين بضائع أميركية إضافية بقيمة 200 مليار دولار خلال عامين.
- تتعهد بحماية الملكية الفكرية وتقليل الدعم الحكومي للشركات.
لكن سرعان ما انهار هذا الاتفاق مع جائحة كورونا، التي عطّلت التجارة العالمية وعمّقت الخلاف السياسي بين البلدين.
من التجارة إلى التكنولوجيا (2021–2023)
بعد مغادرة ترامب البيت الأبيض، حاولت إدارة جو بايدن تخفيف التوتر دون إلغاء الرسوم الجمركية، لكن المنافسة تحوّلت إلى مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
منعت واشنطن تصدير الرقائق الإلكترونية المتقدمة إلى الصين، وقيّدت وصولها إلى أدوات تصنيع المعالجات الدقيقة، في محاولة لإبطاء التطور التكنولوجي الصيني.
وردّت بكين بفرض قيود على تصدير عناصر أساسية مثل الغاليوم والجرمانيوم، وهي معادن حيوية لصناعة الشرائح الإلكترونية.
بهذا، لم تعد الحرب بين الجانبين اقتصادية فقط، بل تحوّلت إلى حرب تكنولوجية تهدف كل دولة فيها إلى ضمان تفوقها في صناعات المستقبل.

عودة ترامب وتصاعد التوتر من جديد (2025)
مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، عاد معه خطاب المواجهة مع الصين، لكن هذه المرة بشراسة أكبر.
في أبريل 2025، أعلن عن خطة جديدة تحت اسم “تعريفات يوم التحرير” (Liberation Day Tariffs)، تضمنت فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على معظم الواردات، مع رفعها بشكل خاص على السلع الصينية.
الهدف المعلن هو “تحرير الاقتصاد الأميركي من الاعتماد على الصين”، وإجبار بكين على تقديم تنازلات تجارية وتكنولوجية.
الصين من جهتها أعلنت عن احتمال فرض قيود إضافية على صادرات المعادن النادرة، ما زاد من حدة التوتر.
تصعيد منتصف 2025: الرقائق والموارد الحيوية
في منتصف عام 2025، هدّد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على السلع الصينية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد بحلول نوفمبر.
في المقابل، بدأت الصين دراسة خيارات رد تشمل تقليص صادراتها من المعادن الحرجة التي تحتاجها الشركات الأميركية في مجالات البطاريات والسيارات الكهربائية.
التوتر دفع الأسواق المالية إلى حالة من القلق، حيث ارتفعت أسعار الذهب والين الياباني كملاذين آمنين، وتراجع الدولار الأسترالي المرتبط بالصين، بينما شهدت مؤشرات الأسهم العالمية تقلبات حادة.
اتفاق أكتوبر 2025: تهدئة مؤقتة
في 26 أكتوبر 2025، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أن واشنطن وبكين توصلتا إلى “إطار عمل مبدئي” يهدف إلى تجنّب فرض تعريفات 100% على السلع الصينية وتأجيل قيود الصين على المعادن النادرة لمدة عام تقريبًا.
الاتفاق تضمن أيضًا:
- استئناف مشتريات الصين من فول الصويا والذرة الأميركية.
- تفاهم مبدئي بشأن شركة TikTok لتجنّب الحظر الأمني داخل الولايات المتحدة.
- فتح قنوات اتصال جديدة بين وزارتي التجارة في البلدين لمتابعة تنفيذ البنود.
الأسواق رحبت بالاتفاق فورًا، فارتفعت مؤشرات الأسهم الأميركية، وصعدت العملات الرقمية مثل بيتكوين وإيثريوم بنسبة تجاوزت 7% خلال أيام قليلة، بعد أن اعتبر المستثمرون الاتفاق خطوة نحو تهدئة التوتر التجاري.
أثر الصفقة على الأسواق العالمية
الذهب تراجع قليلًا بعد الاتفاق بسبب انخفاض المخاوف الجيوسياسية، بينما تحسّن اليوان الصيني بشكل طفيف.
أما الدولار الأميركي، فحافظ على قوته مدعومًا بتفاؤل المستثمرين، فيما انتعشت عملات مثل الدولار الأسترالي والنيوزيلندي المرتبطتين بتجارة الصين.
وفي سوق العملات الرقمية، ارتفعت الأسعار بعد إعلان الاتفاق مباشرة، في إشارة إلى عودة شهية المخاطرة لدى المستثمرين بعد عام من التوترات.
المستقبل: هدنة أم بداية فصل جديد؟
رغم التفاؤل الحذر، يدرك المحللون أن ما تم توقيعه ليس اتفاقًا نهائيًا بل هدنة مؤقتة.
فالقضايا الجوهرية — من هيمنة التكنولوجيا إلى أمن سلاسل الإمداد — ما زالت عالقة.
كما أن المنافسة بين واشنطن وبكين تتجاوز التجارة إلى النفوذ الجيوسياسي في آسيا وأفريقيا وأوروبا.
ومع اقتراب الانتخابات النصفية الأميركية في 2026، قد يعيد ترامب تصعيد لهجته تجاه الصين لتعزيز موقفه السياسي داخليًا، وهو ما يجعل التوترات قابلة للاشتعال في أي وقت.
الخلاصة
الخلاف بين الولايات المتحدة والصين لم يعد مجرد حرب تجارية، بل صراع طويل على قيادة الاقتصاد العالمي.
ومن الواضح أن اتفاق أكتوبر 2025 لم يُنهِ النزاع، بل أوقفه مؤقتًا.
لكن ما دامت المصالح الاستراتيجية والتكنولوجية متشابكة بهذا الشكل، فلن يكون السلام التجاري سوى هدنة قصيرة في حرب اقتصادية طويلة الأمد.
للمزيد من الأخبار الاقتصادية, انقر هنا.
