ماذا نتوقع من اقتصاد أوروبا في عام 2025؟ وما التحديات التي تواجهه؟

بعد خمسة أرباع متتالية من الركود، شهد اقتصاد منطقة اليورو نموًا متواضعًا في عام 2024 اتسم بالتقدم البطيء ولكن الثابت، ويتوقع الخبراء أن تظل حالة عدم اليقين قائمة في عام 2025، فالتوترات الجيوسياسية والحمائية المتزايدة والضغوط المتزايدة من السياسات الأمريكية تشكل مخاطر كبيرة تهدد بتعطيل التعافي الهش في أوروبا.

توقعات النمو أضعف من المتوقع

من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة 0.8% في عام 2024 مدفوعا بتراجع التضخم وانتعاش الاستهلاك والاستثمار، وفقا لأحدث توقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من المتوقع أن يتسارع النمو إلى 1.3%  في عام 2025 و 1.5% في عام 2026، في حين يظل البنك المركزي الأوروبي أكثر حذرا حيث يتوقع نموا بنسبة 1.1% في عام 2025 و 1.4% في 2026.

استمر التضخم في التراجع طوال العام الماضي ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الانخفاض الحاد في أسعار الطاقة، فبعد أن انخفض إلى 1.7% في سبتمبر انتعش التضخم إلى أكثر من 2% منذ أكتوبر، ومن المتوقع أن يبلغ التضخم السنوي 2.4% في عام 2024 (أي أكثر من النصف عن العام السابق) قبل أن يتباطأ تدريجيا إلى 2.1% في عام 2025، ومن المتوقع أن يقترب التضخم الأساسي (الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة) من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2% بحلول أواخر عام 2025 مع تباطؤ نمو الأجور وتخفيف التضخم في الخدمات.

وفي حين أدى انخفاض التضخم وأسواق العمل الأقوى إلى تعزيز الدخول المتاحة، حذر البنك المركزي الأوروبي من أن ضعف ثقة المستهلك وعدم اليقين الاقتصادي قد يؤديان إلى زيادة مدخرات الأسر مما أدى الى تراجع سعر اليورو في سوق تداول العملات ومما قد يؤدي إلى إضعاف النمو في الأمد القريب.

وقال المستشار الأول في مؤسسة بيرتلسمان “ثيس بيترسن”: إن عام 2025 سيكون عاما آخر من المخاطر الاقتصادية الكبيرة لأوروبا، مشيرا إلى أن النمو البطيء في ألمانيا لا يزال يثقل كاهل الكتلة الأوسع.

وتظل التحديات البنيوية وخاصة نقص الاستثمار تشكل عقبة رئيسية أمام ألمانيا، في ديسمبر الماضي خفضت مراكز الأبحاث الكبرى توقعاتها للنمو الاقتصادي، حيث توقع معهد إيفو انكماشًا بنسبة 0.1% في عام 2024، وقد يمثل هذا أول ركود سنوي في ألمانيا منذ أكثر من عقدين من الزمان.

تواجه مكابح الديون الألمانية أو Schuldenbremse (التي تحدد العجز السنوي عند 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي) تدقيقًا متزايدًا، ويقدر الخبراء أن البلاد بحاجة إلى استثمارات عامة إضافية تعادل 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا على مدى العقد المقبل للتعويض عن سنوات من نقص التمويل، وبدون مثل هذه التدابير، قد يستمر الركود حتى عام 2025 مما يزيد من إجهاد التعافي الاقتصادي في أوروبا.

مخاطر هبوطية تلقي بظلالها على التوقعات

على الرغم من النمو المتواضع في عام 2024، تظل التوقعات الاقتصادية لأوروبا محفوفة بالمخاطر، بدءًا من التوترات الجيوسياسية ونقاط الضعف المستمرة في مجال الطاقة إلى النزاعات التجارية المتصاعدة والاضطرابات السياسية.

كشف تقرير صادر عن المعهد الاقتصادي الألماني في ديسمبر أن 31 من أصل 49 جمعية تجارية أفادت بتدهور الأوضاع على مدار العام الماضي، مع الإشارة إلى ارتفاع تكاليف الطاقة باعتبارها مصدر قلق أساسي.

وقد أدى انتهاء صلاحية اتفاقية نقل الغاز بين الاتحاد الأوروبي وروسيا عبر أوكرانيا في الأول من يناير الجاري إلى زيادة حالة عدم اليقين، وتشير تقديرات مؤسسة بروغل البحثية التي تتخذ من بروكسل مقراً لها إلى أن منطقة اليورو تواجه الآن عجزاً سنوياً قدره 140 تيراواط/ساعة، وفي حين قد تساعد واردات الغاز الطبيعي المسال في سد الفجوة، فإن البديل الأكثر تكلفة والأقل موثوقية يخاطر بفرض ضغوط إضافية على المستهلكين والصناعات في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.

وإضافة إلى التحديات، يواجه الاقتصاد الأوروبي القائم على التصدير اضطرابات محتملة من الولايات المتحدة، حيث تعهد الرئيس المنتخب “دونالد ترامب” بفرض رسوم جمركية على جميع الواردات، وقد حدد استطلاع أجرته صحيفة فاينانشال تايمز لـ 72 خبيرا اقتصاديا التوترات التجارية العالمية والشلل السياسي الإقليمي باعتبارهما أكبر التهديدات التي تواجه منطقة اليورو في عام 2025.

وحذر التقرير من أن “حربا تجارية وشيكة بفرض تعريفات جمركية تتراوح بين 10% و 20% على السلع الأوروبية قد تدفع اقتصاد منطقة اليورو من النمو البطيء إلى الركود”.

إن عدم الاستقرار السياسي في فرنسا وألمانيا (المحركين الاقتصاديين للاتحاد الأوروبي) يعمق حالة عدم اليقين، حيث تواجه الحكومة الفرنسية الهشة بقيادة الرئيس “إيمانويل ماكرون” ديونًا متزايدة ومعارضة من اليمين المتطرف، في حين تعمل الانتخابات المبكرة في ألمانيا على زعزعة استقرار المشهد السياسي، مما يعوق الجهود الرامية إلى إنعاش اقتصاد منطقة اليورو، إن مثل هذه الاضطرابات السياسية في القوى الكبرى في أوروبا تشكل تهديدًا واضحًا لنمو منطقة اليورو.

التحفيز النقدي مقيد

في أول يوم تداول في عام 2025 واصل اليورو انخفاضه، حيث انخفض إلى ما دون 1.03 مقابل الدولار الأمريكي وهو أدنى مستوى له منذ أكثر من عامين، وقد انخفضت قيمة العملة بنسبة 8% منذ سبتمبر الماضي مما أدى إلى تعميق المخاوف بشأن تدهور التوقعات الاقتصادية لمنطقة اليورو.

وقد تسببت التوقعات بنمو أضعف في أوروبا، إلى جانب التأثيرات التضخمية المحتملة لسياسات ترامب التجارية والمالية والهجرة في الداخل، في انخفاض قيمة اليورو بشكل كبير منذ أكتوبر، وفي حين قدمت الأسواق توقعاتها بشأن تخفيف القيود النقدية من جانب البنك المركزي الأوروبي نتيجة لذلك، فإن المزيد من الانخفاض في العملة وارتفاع أسعار الطاقة المحتمل هذا الشتاء من شأنه أن يبطئ التضخم ويضعف قدرة البنك المركزي الأوروبي على خفض أسعار الفائدة، وقد يؤدي هذا بدوره إلى تفاقم التحديات المالية في بعض دول الاتحاد الأوروبي ذات الديون المرتفعة وخاصة في فرنسا، حيث أعاق الخلل البرلماني الجهود الرامية إلى استقرار المالية العامة.

تأخذ الأسواق بشكل متزايد في الاعتبار الفجوة المتزايدة بين السياسات النقدية للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي، ويتوقع المحللون في البنك التجاري الهولندي ABN Amro أن هذا من شأنه أن يدفع اليورو إلى التكافؤ مع الدولار على مدار عام 2025.

ومن بين المخاوف المتزايدة قدرة البنك المركزي الأوروبي على تحفيز الزخم الاقتصادي للمنطقة هذا العام، فقد خفض البنك المركزي بالفعل أسعار الفائدة الرئيسية أربع مرات خلال العام الماضي استجابة لتراجع التضخم وتباطؤ النمو، وفي خطاب ألقته مؤخرا، أكدت رئيسة البنك المركزي الأوروبي “كريستين لاجارد” أن الحفاظ على أسعار الفائدة المقيدة بما فيه الكفاية لم يعد ضروريا، مشيرة إلى تباطؤ النمو وتخفيف ضغوط الأسعار.

وتتزايد الدعوات إلى موقف نقدي أكثر تيسيراً، مع اقتراحات مفادها أن البنك المركزي الأوروبي قد يخفض أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس إضافية في عام 2025 لدعم التعافي المحتمل، ومع ذلك، ألمحت لاجارد إلى “سعر محايد” في العام المقبل وهو المستوى الذي لا يقيد ولا يحفز الاقتصاد.

قالت عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي ” إيزابيل شنابل”: إن قرارنا يعكس قناعتنا بأن النهج التدريجي المعتمد على البيانات يظل الاستراتيجية الأكثر ملاءمة، وتشير تصريحاتها إلى النهج الحذر الذي يتبناه البنك المركزي الأوروبي في سعيه نحو سعر محايد، مع ضمان استقرار التضخم حول هدف 2%.

لمشاهدة المزيد من الأخبار الإقتصادية

اقتصاد