كيف سيؤدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى ضغط ميزانيات الحكومات؟
قالت مجلة “الإيكونيميست” إن التركيز على ديون الحكومات لم يشكل أهمية كبيرة خلال السنوات الأخيرة، حيث أدى انخفاض أسعار الفائدة إلى الاستدانة بتكلفة منخفضة، لكن أدى تفشى وباء كورونا إلى تفاقم الأمور بشكل كبير، فقد اقترضت دول العالم الغنية 10.5% من إجمالي الناتج المحلى خلال عام 2020 وبنسبة 7.3% في عام 2021، في حين انخفضت عائدات السندات طويلة الأجل.
وتقوم البنوك المركزية حالياً برفع أسعار الفائدة لمواجهة معدلات التضخم المتزايدة، ليتحول الدين إلى عبء إضافي، وتشير الحسابات إلى أن ميزانيات الحكومات ستتأثر بشكل سلبي وبوتيرة أسرع مما هو معتاد.
وفى منطقة اليورو، ومع ارتفاع أسعار الفائدة، ستواجه المواقع الدولية المثقلة بالديون مثل إيطاليا ارتفاعا في المبلغ المدفوع للاقتراض، ما يعكس الخطر الذي قد يتحول أخيرًا إلى أن أموالهم المستحقة عليهم ستكون مرهقة للغاية، وتوقع المسؤولون البريطانيون في مارس الماضي إنفاق 3.3% من إجمالي الناتج المحلى في خدمة ديونها على مستوى البلاد في 2022-2023، وهي أفضل حصة منذ 1988-1989.
وبالنسبة لتحديد قيمة معينة للاقتراض، تحدد مكونات مهمة سعر خدمة الأموال المستحقة، والتي تشمل مقدار الدين، ونسبة قيمته المرتبطة بمعدل التضخم أو أسعار الفائدة السائدة، ولقد ارتفعت أسعار خدمة الدين في بريطانيا بشكل حاد، نتيجة لربع مذهل من ديونها مرتبط بمعدلات التضخم المتصاعدة.
وتأتى المسألة الثالثة وهي، أجل استحقاق الدين، فعندما تواجه الحكومات صعوبة في إصدار السندات طويلة الأجل، فإنها تقيد سعر الفائدة السائد، وأصدرت وزارة الخزانة الأمريكية، في عام 2020 ما قيمته نحو 200 مليار دولار من ديون مدتها 30 عامًا بعوائد تقل عن 1.5%.
والدين الإضافي طويل الأجل، هو الوقت الذي تستغرقه الميزانيات لتحقيق النجاح عند ارتفاع التكاليف، والمقياس الأكثر شيوعًا لهذه السلامة، هو الاستحقاق المشترك المرجح للديون المعروف باسم “وام”، وتمتلك بريطانيا، على وجه التحديد، عددًا كبيرًا من السندات طويلة الأجل.
ولكن مقاييس الاستحقاق هذه يمكن أن تكون مضللة، وسوف ينحرف الوأم” إلى أعلى بواسطة مجموعة صغيرة متنوعة من السندات طويلة الأجل، كما أن إصدار ديون لمدة 40 عامًا كبديل للديون لمدة 20 عامًا يرفع الوأم” ولكن لا يغير وتيرة ارتفاع أسعار الفائدة التي يكون لها تأثير على الميزانيات على مدى السنوات القليلة اللاحقة.
وطبقت البنوك المركزية في العالم المتقدم برامج هائلة للتيسير الكمي، اشترت بموجبها تريليونات من السندات، ولتحقيق ذلك، قاموا بصك النقد الرقمي المعاصر، المعروف عمومًا باسم احتياطيات البنك المركزي، وتحمل هذه الاحتياطيات رسومًا عائمة، يعد تعديلها هو البرنامج الأساسي للتغطية المالية، ويتطابق أثر سياسة التيسير الكمي كما لو كانت الحكومات قد غيرت كميات ضخمة من الديون التي كان سعر الفائدة عليها مقيد بالديون التي تحمل رسوما عائمة.
وكانت عملية إعادة التمويل هذه جديرة بالاهتمام بشكل كبير لفترة طويلة من الزمن، نتيجة لتوقع أسواق السندات مرارًا وتكرارًا أن أسعار الفائدة سترتفع في وقت أبكر مما كانت عليه، وقام بنك الاحتياطي الفيدرالي بتحويل ما يتجاوز تريليون دولار إلى الخزانة الأمريكية في الفترة ما بين عام 2010 إلى عام 2021.
وكانت سياسة التيسير الكمي مربحة بشكل خاص للبنوك المركزية في المواقع الدولية في منطقة اليورو، والتي تعتبر ديونها طويلة الأجل خطيرة وبالتالي تحمل عائدًا كبيراً للغاية.
ومع ارتفاع الرسوم قصيرة الأجل، سوف يتقلص الدخل الناتج من سياسات التيسير الكمي بشكل منتظم، بل سينقلب بشكل سلبي، وفى مايو الماضي، توقع بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، الذي يدير المحفظة الخاصة بالاحتياطي الفيدرالي، أن أسعار الفائدة على مستوى سهم واحد أعلى مما كان متوقعًا من قبل أعضاء السوق في مارس، كما أن مستوى آخر من أسعار الفائدة من شأنه أن يؤدى إلى عائدات سلبية لمدة تتراوح من 2 إلى 3 سنوات.
وبتجديد حسابات بنك إنجلترا، اتضح أن سياسة التيسير الكمي تقلل عمر سعر الفائدة في بريطانيا إلى النصف وذلك لمدة عامين، وهذا يعنى أن 50% من التزامات السلطات البريطانية ستنتقل إلى أسعار فائدة جديدة بحلول أواخر عام 2024.
وأوضحت “الإيكونيميست” أن البنوك المركزية المعنية تكشف عن كميات السندات التي تحتفظ بها، ولكنها لا تكشف عن كميات كبيرة من السندات التي اشترتها من كل إصدار للسندات، وتفترض حساباتنا أنها تحافظ على نسبة ثابتة من القيمة الممتازة لكل سند، والتي تنتج في كل ظرف من الظروف محفظة تعادل أرباحها تقريباً مع الإفصاح.
وفى كل حالة، فإن نصف عمر أسعار الفائدة هو تناقص كبير مقارنة بالمقياس “وام”، وتأتى معظم النتائج بالنسبة لليابان وإيطاليا، اللتين لديهما أعلى أموال مستحقة، ونظرًا لأن بنك اليابان قد غيّر عمليًا نصف سوق السندات اليابانية باحتياطاته، فإن نصف العمر لسعر الفائدة يتلاشى سريعًا، ولحسن الحظ، يبلغ معدل التضخم في اليابان بالكاد نحو 2.5% ومن المتوقع أن ينخفض، وهناك القليل من الضغط لزيادة أسعار الفائدة.
ويصعب ذكر الشيء نفسه بالنسبة لمنطقة اليورو، حيث من المتوقع أن يقوم البنك المركزي الأوروبي بزيادة الرسوم بسرعة من أجل السيطرة على معدلات التضخم المرتفعة، ومن الشائع عادة أن أموال إيطاليا الهائلة المستحقة بما يتجاوز 150% من إجمالي الناتج المحلى لا تقل عما يزيد عن سبع سنوات، لكن إيطاليا في الواقع سترث زيادة أسعار التمويل بسرعة نتيجة أن نصف عمر سعر الفائدة فيها أكبر بقليل من عامين.
وقالت “الإيكونيميست” إنه قد يبدو الأمر مغريًا للتخلص بشكل أسرع من الديون من خلال الترويج للسندات كما يفعل عدد من البنوك المركزية حاليًا، لكن الترويج للسندات من شأنه أن يدفع البنوك المركزية إلى تسجيل خسائر في رأس المال، نتيجة ارتفاع العوائد التي أدت إلى تآكل قيمة سنداتها.
والخيار الآخر هو تحمل معدلات التضخم المفرط، بشكل طفيف بدلاً من زيادة التكاليف، ومن المتوقع أن تنخفض نسب الدين إلى إجمالي الناتج المحلى في العديد من الدول خلال العام الجاري، حيث يستهلك التضخم القيمة الحقيقية للأموال المستحقة.
وسواء كانت البنوك أو دافعي الضرائب أو حاملي السندات، يتعين على الجميع سداد المدفوعات المستحقة بالفعل مع زيادة الفائدة التي تمثل ضغطا إضافيا على ميزانيات الحكومات التي تتراجع بسبب الضغط الناتج عن زيادة أسعار الطاقة، وزيادة الإنفاق الدفاعي، وشيخوخة السكان، وتباطؤ التقدم وضرورة إزالة الكربون، وفى ظل معدلات التضخم المتزايدة، عادة ما يكون وقتًا سيئًا للسماح للعجز بالتطور، وهو المسار الذي قد يضغط على البنوك المركزية لزيادة التكاليف.
أسعار الفائدة المرتفعة تزيد من تكاليف الفوائد على الدين القومي الأمريكي