مصادرة حرية المرأة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مصادرة حرية المرأة

    من بين كثير من التداعيات محل الترحيب، التي لا تزال الثورات في العالم العربي تنتجها، إمكانية تغيير المفاهيم الغربية المسبقة عن الإسلام والمسلمين. لكن من المحزن أنه لا توجد حتى الآن سوى إشارة صغيرة إلى رغبة أوروبا في استخلاص دروس من مشهد ملايين المسلمين المطالبين، ليس بالحكم الثيوقراطي، وإنما بالحقوق الديمقراطية والحريات السياسية التي يعتبرها الغربيون حقوقاً لهم بالميلاد.

    هذا الأسبوع دخل إلى حيز التنفيذ الحظر الفرنسي على ارتداء النقاب في الأماكن العامة، وهو غطاء لا يستخدمه إلا عدد ضئيل من المسلمات المتشددات في فرنسا. ومنذ يوم الإثنين الماضي بات في الإمكان أن تعتقل الشرطة أية امرأة تضع النقاب، أو البرقع خارج منزلها، أو سيارتها، وأن تقتادها إلى مركز الشرطة وتغرمها 150 يورو. وبالفعل تم احتجاز بضع نساء، وهناك كثيرات مستعدات للانخراط في عصيان مدني وتحدي الحظر.


    دُعاة الحظر الذين ينتشرون عبر الطيف السياسي الفرنسي، يزعمون أن الحجاب مهدد لقيم الجمهورية الفرنسية. لكن هذا التعصب الجمهوري الأعمى هو في الواقع خدعة شعبوية رخيصة مملاة في جزء كبير منها بالجدول الانتخابي، في وقت تسجل فيه الجبهة الوطنية المعادية للأجانب مرة أخرى تقدماً في استطلاعات الرأي.


    وبعيدا عن المساس بكل الذين يرون في قطعة ملبس أنها في الغالب تعبر عن خيار شخصي وليست إذعانا للقمع، فإن مأساة الحظر تكمن في أنه يمكن أن يتسبب في انتكاسة النضال ضد التحدي الحقيقي لحقوق المرأة.


    ما من أحد يجادل بعدم الحاجة إلى إظهار الوجه لأغراض التعريف، ولا من يقول إن هناك وظائف ومهام لا يتناسب معها النقاب، لكن تحديد قواعد للبس في تشريع هو في أفضل الأحوال أمر انصرافي.


    ما ينتهك حقوق المرأة بالفعل ليس وضع حجاب، ولكن إجبارها على فعل ذلك. والقانون الفرنسي ينص على غرامات أكثر فداحة على أولئك الذين يجبرون زوجاتهم على تغطية أنفسهن. أما جعل النساء أنفسهن هدفا – بمن فيهن اللاتي يغطين وجوههن طواعيةً – فمن الصعب أن يكون وسيلة لكسب ثقتهن وحمايتهن من أولئك الذين يضطهدونهن. على العكس، من المرجح أن يدفع ذلك بالنساء المجبرات على الحجاب إلى مزيد من تفادي المرأى العام.


    إن مصادرة حرية المرأة مشكلة حقيقية، لكن من الصعب اعتبار الحجاب مثالها الفظيع. ولا يقتصر الأمر على السكان المسلمين. فالعنف الأسري وعدم تمكين المرأة وصمة للمجتمعات العلمانية الغربية كذلك.


    التضييق على الرموز الإسلامية في كثير من البلدان الأوروبية – هولندا، وبلجيكا، وسويسرا اتخذت خطوات مماثلة لخطوة فرنسا – له نتائج عكسية. إنه يعكس فشلا في إدراك ما أظهره ربيع العرب، وهو أن معظم المسلمين يريدون الحريات ''الغربية'' أيضاً. إن المرء لا يكافح أوهام المتشددين من الملالي في إيران بممارسة التضييق نفسه الذي يمارسونه على النساء باسم الفضيلة.
يعمل...
X