وراء حقل الألغام عالم أكثر أمنا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وراء حقل الألغام عالم أكثر أمنا

    سيكون باراك أوباما في أوروبا هذا الأسبوع. سيلقى استقبالاً حاراً، وليس أكثر من ذلك. فالبريق المحيط بالرئيس آخذ في التلاشى. ويبدي أوباما فهماً أفضل لمعظم الجيشان العنيف في العالم. ومع ذلك، أية رواية عادلة تقول إن القصد الذكي لم يعادله عزم ثابت.

    وتبدو الخطب التي ألقاها – أحدثها حول الثورات العربية – جيدة، وربما أفضل من جيدة في واقع الأمر. فهي تعترف بتعقيدات الخيارات المتاحة: المقايضة غير المرغوبة بين الأمن قصير الأجل والمصالح الاستراتيجية طويلة الأجل، وحدود وامتداد القوة الأمريكية.


    وبعد فترة من التردد المستمر والشديد، وجد أوباما الآن إطاراً لوضع الولايات المتحدة على الجانب الصحيح من الربيع العربي. وحتى فترة قريبة، كان من غير قصد، سجيناً لسلفه. وكان في غاية الاندفاع للإشارة إلى انفصاله عن مهمة إحلال الديمقراطية التي بدأها جورج دبليو بوش، بحيث أنه احتضن عالم المصالح الوطنية الضيقة المضغوط. ويضعه خطابه الأخيرة هذا إلى جانب القيم الديمقراطية.


    وتتمحور الشكوك الآن حول المتابعة حتى النهاية. فبعد أن حدد آماله، هل يستثمر النفوذ السياسي اللازم لدعمها؟ ويعتبر قرار إدارته هذا الأسبوع بفرض عقوبات على النظام السوري الذي يرأسه بشار الأسد إشارة مشجعة على ذلك. لكن وصلنا إلى هذه المرحلة سابقاً.


    حسنا، يمكنك أن تقول إنه اتضح أن أوباما أوروبي للغاية. وما من أحد هتف بصوت أعلى من نظرائه على الجانب الآخر من الأطلسي، حينما فاز برئاسة البيت الأبيض. والآن يرى أولئك القادة في الرئيس انعكاساً لهشاشتهم الفعلية.


    كان أوباما، حسبما اعتاد أولئك المعجبون البعيدون أن يقولوا، حذراً، ومفكراً بعمق، ومحجماً بشكل يدعو إلى الإعجاب، كي لا يندفع إلى شن الحروب. وماذا أكثر يمكنهم أن يطلبوا بعد السياسات المتهورة خلال سنوات بوش. والمشكلة هي أن الحذر الجدير بالثناء، والتفكير العلماني يمكن أن ينجرفا بسهولة نحو التردد.


    ترك الأمر إلى فرنسا وبريطانيا للتأكيد على قضية التدخل ضد زعيم ليبيا، معمر القذافي. وحتى في الوقت الحالي يقول المسؤولون الأمريكيون إن واشنطن ليست لديها مصلحة وطنية في ليبيا. لكن لا يمكن فصل النتيجة هنا عن إحراز التقدم في أي مكان آخر في المنطقة.


    كان الاعتقاد القائم منذ فترة طويلة هو أن التردد، وعصر الأيدي، سمة من سمات الأوروبيين. وأنا شخصياً أتعاطف كثيراً مع الأمريكيين الذين يقولون إن الوقت حان ليقبل الحلفاء حصة عادلة من المهام الأكثر مشقة. لكن القيادة تقع على عاتق الولايات المتحدة.


    ستتعرض القوة العظمى دائماً إلى انتقادات قاسية لأنها ألقت بثقلها في كافة الأرجاء، فقط كي يتم توبيخها لعدم قيامها بما يكفي لضمان الأمن العالمي. ويأتي ذلك مع الموضوع، فلا أحد يتهم الأوروبيين بالاتساق. ومع ذلك، فإن القلق بشأن تصميم أوباما يتجاوز نطاق مشاكسة الحلفاء.


    وأزال قتل أسامة بن لادن بعضاً من الشكوك في الولايات المتحدة حول القرار الرئاسي. وما زال من المبكر للغاية القول إلى أي حد سيدوم التأثير. ويأمل الداعمون، على نحو مفهوم، أن يمنحه تلميع صدقيته قائدا أعلى لهيئة الأركان فترة رئاسية ثانية. ويشير المتشككون إلى أن النصر في حرب الخليج 1991 لم ينقذ جورج. إتش. دبليو بوش. فالاقتصاد يشكل أهمية أكبر في النهاية.


    والأمر الذي لا يقبل الجدل هو أن أوباما حصل لنفسه على فضاء سياسي. فقبل شهر كانت سياسته الخارجية رهينة حملة إعادة انتخابه التي جادلت من أجل الأمن أولاً على جميع الجبهات. ولدى أوباما الآن حيز لاتخاذ المخاطر. وليس من الواضح بعد ما إذا كان سينتهز الفرصة.


    قبل عامين في القاهرة، تحدث بفصاحة حول استعادة السلطة الأخلاقية لأمريكا في العالم الإسلامي. وكان محقاً: أصبحت تهمة المعايير المزدوجة سلاحاً قوياً في أيدي الخصوم. وخلال فترة وجيزة، على أية حال، عاد الأمر إلى وضعه الاعتيادي من حيث دعم الأنظمة الاستبدادية في المنطقة. وكان الحديث عن الديمقراطية يشكل جانباً، لكن تحدي رئيس مصر في ذلك الوقت، حسنى مبارك، جانب آخر.


    وهناك بعض التناقضات التي لا يمكن تفاديها. ولا ينطوي دور الولايات المتحدة على إثارة العصيان المسلح، لكن من حيث العمل، فضلاً عن الكلمة، يجب على الولايات المتحدة أن تظهر أنها إلى جانب أولئك – في إيران، مثلما هو الحال في البلدان العربية – الذين يريدون احتضان القيم العالمية. فبعد حقل الألغام هناك عالم أكثر أمناً.


    والآن يواجه أوباما اختبارين فوريين. الأول في أفغانستان، وهنا وعدت إدارته بدفع دبلوماسي لتعزيز الشيء الوحيد الذي بإمكانه أن ينهي الحرب: تسوية سياسية. ومن دون مثل هذه المبادرة، فإن الالتزام بالبدء في انسحاب القوات الأمريكية هذا العام يبدو وكأنه اندفاع نحو المخرج.


    لكن إلى هذا الحد، فإن الحديث عن المصالحة مع طالبان وإجراء تعديلات على الدستور الأفغاني للاعتراف بعدم مركزية السلطة، ومشاركة جيران كابول، كان مجرد حديث فقط.


    وحتى الحديث حول الحوار مع طالبان كان يعتبر في بعض الأحيان محفوفاً بمخاطر جسيمة بالنسبة إلى رئيس متهم بكونه ليناً مع أعداء أمريكا. لكن قتل ابن لادن غير الديناميكيات لصالح أوباما. وما لم يستثمر سلطته الرئاسية في المشروع، فمن الأجدى أن يعترف الناتو بالهزيمة ويغادر الآن.


    وعلى الرغم من ذلك، الأمر الأكثر إلحاحاً هو ما اعتاد أن يطلق عليه عملية السلام في الشرق الأوسط. وخلال هذا الأسبوع كان بنيامين نيتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، في واشنطن ليضع شروطاً يعرف تماماً أن الفلسطينيين يرفضونها. وتبدو معارضة نيتنياهو العنيدة لإقامة دولة فلسطينية عنصراً ثابتاً نادراً في المنطقة. وساهم التوسع في إنشاء المستعمرات بشكل غير قانوني في الضفة الغربية في الاستهزاء بمحاولات الولايات المتحدة لتقديم أسلوب عادل. وكلف كذلك خسارة إسرائيل معظم أصدقائها.


    إن الخيار الباقي أمام أوباما هو الإعلان على الملأ، المعايير الأساسية لإجراء تسوية من شأنها أن تضمن أمن إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. وقد اتخذ خطوة واحدة في هذا الاتجاه بتأكيده مجددا أن حدود عام 1967 هي الأساس لأية اتفاقية.


    ويجادل مساعدون في البيت الأبيض بالقول إن تحديد باقي الإطار من شأنه أن يعرط مكانته للخطر. وهذا على الأرجح أمر صحيح، لكن الولايات المتحدة لا تسيطر على الأحداث. وعدم القيام بأي شيء يحمل أخطاره الخاصة به. إن أمام أوباما خيار استراتيجي: أن يساعد في تشكيل المستقبل، أو يكتفي بتحليله فقط.
يعمل...
X