الدولار يبقى خيارا مفضلا للمستثمرين النافرين من المخاطر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدولار يبقى خيارا مفضلا للمستثمرين النافرين من المخاطر

    المخاوف بشأن اليونان أثبتت مرة أخرى هذا الشهر أن الدولار الأمريكي ما زال ملاذاً بالنسبة للمستثمرين الذين ينفرون من المخاطر. فقد أدت المخاوف من احتمال اضطرار اليونان إلى مغادرة الاتحاد النقدي، أو إلى إعادة هيكلة ديونها في ظل غياب مساعدات خارجية جديدة إلى حدوث رد فعل عنيف في أسواق صرف العملات، ما أدى إلى انخفاض قيمة اليورو من 1.49 إلى 1.43 دولار. ورغم أن اليورو انخفض هو الآخر مقابل عملات تتخذ ملاذاً، كالفرنك السويسري والين الياباني، عمل تعافي الدولار على تقويض الإجماع الضعيف للسوق على العملة الأمريكية. تمكن المتخوفون من الدولار هذا العام من دفع العملة الأمريكية إلى أدنى مستوى لها في 16 شهراً مقابل اليورو والجنيه الاسترليني، وإلى أدنى مستوى لها قاطبة ضد الفرنك والين، ما دفع إلى طرح أسئلة حول ما إذا كانت قد فقدت وضعها ملاذا آمنا. وما زالت الولايات المتحدة تدير عجزاً مالياً من خانتين عشريتين كحصة من الناتج المحلي الإجمالي. ويبدو أن الكونجرس عاجز عن الاتفاق على ميزانية، ما يثير المخاوف من أن تغلق الحكومة الفيدرالية أبوابها بعد أن تلامس سقف دينها صيف هذا العام.

    وما زال بنك الاحتياطي الفيدرالي منهمكاً في جولة ثانية من التسهيل الكمي، بينما بدأت البنوك المركزية المهمة الأخرى، ومن ضمنها البنك المركزي الأوروبي، برفع أسعار الفائدة. وما زال تعافي الولايات المتحدة الاقتصادي بطيئاً، مع كون البطالة عند مستوى 9 في المائة من القوة العاملة. ورغم اعترافات رئيس الاحتياطي الفيدرالي، بن برنانكي، بأن طباعة الأموال في الولايات المتحدة ليست مسؤولة عن ارتفاع عملات السلع، يبدو أن المستثمرين بدأوا يتخلون عن الدولار، مع قيام أصحاب المراكز الدائنة ببيع مراكزهم الأخيرة. لكن الاستسلام يعتبر في العادة إشارة على اقتراب الأسواق من نقطة تحول، مع تخلص المستثمرين مما تبقى لديهم من أموال، غير تاركين وراءهم أي باعة في السوق. ويبدو أن تلك هي الحال في أسواق العملات حالياً، مع احتفاظ الدولار بتوجهه النزولي جراء عودة المخاوف بشأن اليونان. إن التعافي الذي يشهده الدولار يؤكد خصائصه عملة ملاذ آمن. فأولاً، تظل سوق سندات الخزانة الأمريكية الوجهة التي يختارها المستثمرون الذين ينفرون من المخاطر. وكان معنى عمقها وسيولتها أنها السوق المالية الكبيرة الوحيدة التي عملت بسلاسة خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008. وحتى في الوقت الحالي، وسط المخاوف بشأن تنامي ديون الولايات المتحدة، ما زالت عوائد السندات متدنية. ثانياً، تبرهن متاعب اليورو أنه لا يوجد حتى الآن متحد للدولار باعتباره عملة الاحتياطي في العالم. فالين مصاب بالعجز جراء ديون اليابان الثقيلة. كما أن أسواق السندات السويسرية أصغر من أن تستوعب تدفقات احتياطيات البنوك المركزية. وما زالت القيود الصينية المفروضة على رؤوس الأموال تعيق التدفقات الداخلة إلى الرنمينبي. ثالثاً، يظل الدولار مدعوماً بالعلاقات السياسية القوية التي تقيمها الولايات المتحدة مع البلدان التي تحتفظ بأكبر احتياطي من العملات الأجنبية في العالم. إن اليابان، وكوريا الجنوبية، والمملكة العربية السعودية، والكويت، وقطر، والإمارات ترتبط بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة. ومن مصلحة هذه البلدان أن تضمن عدم تعرض الدولار لضغوط لا لزوم لها في أسواق العملات. رابعاً، لدى الولايات المتحدة سياسات مرنة تمكنها من التعامل مع نقاط ضعفها الاقتصادي. فالاحتياطي الفيدرالي يستطيع أن يضع السياسة النقدية على نحو مستقل، بينما يستطيع الدولار أن يتكيف مع الاقتصاد المحلي. وفي المقابل، ليس بمقدور البلدان الفردية الأعضاء في منطقة اليورو أن تحدد أسعار الفائدة وتطبق سياسات مستقلة خاصة بأسعار الصرف لدعم اقتصاداتها. وهكذا، فإن المتخوفين من الدولار يتجاهلون خصائص الملاذ الهيكلية للدولار، ما يعود عليهم بالخطر. وزيادة على ذلك، الآفاق الدورية التي كانت تؤثر في الدولار في النصف الأول، مع استمرار الاحتياطي الفيدرالي في طباعة الأموال، بدأت تتحول لصالح العملة الأمريكية. سينتهي الاحتياطي الفيدرالي من عملية التسهيل الكمي في الشهر المقبل. وربما يتبين أن ذلك ينطوي على تحديات بالنسبة إلى المستثمرين الذين يستخدمون الدولار عملة تمويل للاستثمار في تجارة المناقلات، والأسواق الناشئة، والأسهم والسلع. ومن غير المرجح أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة حتى العام المقبل. لكن عبر وقف جولته الحالية من شراء سندات الخزينة الأمريكية، لن يضيف البنك المركزي إلى سيولة الدولار في الأسواق المالية. وفي الوقت نفسه، يتعين على المستثمرين أن يخفضوا توقعاتهم بارتفاع أسعار الفائدة في بقية أنحاء العالم. ويظهر قرار رئيس البنك المركزي الأوروبي، جان كلود تريشيه، عدم إعطاء إشارة على رفع سعر الفائدة مرة أخرى في حزيران (يونيو) أن من غير المرجح أن يقوم محافظو البنوك المركزية الأجنبية بتشديد السياسة النقدية بشكل كبير بينما عملاتهم المحلية مقيمة بأعلى من قيمتها الحقيقية بكثير مقابل الدولار. وفي المملكة المتحدة يبين تصويت لجنة السياسة النقدية بإبقاء السياسة النقدية من دون تغيير في أيار (مايو) أن بنك إنجلترا ما زال حذراً من رفع أسعار الفائدة في ظل تقشف مالي قوي في المملكة المتحدة. وفي آسيا لا يتوقع أحد أن يقوم بنك اليابان برفع أسعار الفائدة في المستقبل المنظور. لكن احتمال اضطرار بنك اليابان المركزي إلى اللجوء إلى مزيد من التسهيل الكمي في أعقاب الزلزال الذي ضرب البلد، سيقدم مزيداً من الدعم للدولار. باختصار، تبدو آفاق الدولار بناءة لما تبقى من عام 2011. ولن تعمل مكانته إلا على تعزيز الإقبال عليه خلال أية نوبات نفور من المخاطر.


    الكاتب مدير عام استراتيجية أسعار الصرف في بنك يو بي إس.
يعمل...
X