دومينيك ستراوس .. تاريخ من الشائعات والمحرمات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دومينيك ستراوس .. تاريخ من الشائعات والمحرمات

    في التاسع من تموز (يوليو) 2007، كتبت في مدونتي عن رجل كان في ذلك الوقت مرشح فرنسا الوحيد لرئاسة صندوق النقد الدولي، وذكرت أن ''المشكلة الفعلية الوحيدة التي يعاني منها ستراوس ـ كانْ هي موقفه تجاه النساء. ولأنه ثقيل الوطأة، فإنه غالباً ما يميل إلى المضايقة. وهذه سلبية تعرفها وسائل الإعلام، لكن لا أحد يتحدث عنها (نحن في فرنسا)، غير أن صندوق النقد الدولي مؤسسة دولية بقيم أنجلو - ساكسونية. وإذا حدثت إيماءة في غير مكانها، أو توهم غاية في الوضوح، فسيكون هناك جنون في وسائل الإعلام''. وكانت هذه التأكيدات مستندة إلى حقائق ومصادر حسنة الاطلاع.

    في الحال، تم اتهامي بتجاوز حدودي، وانتهاك حياة السياسيين الخاصة، واختلاس النظر إلى غرف نومهم – وباختصار، بالتصرف مثل أحد أولئك الصحافيين الأنجلو – سكسونيين المتطفلين الذين لا يحترمون قوانين ولا ديانة، وأنني توركمادا (شخصية شريرة من قادة محاكم التفتيش في إسبانيا خلال العصور الوسطى) بأخلاق جنسية. وبعيداً عن التحقق من الغرائز الجنسية لستراوس كانْ - التي من وجهة نظري الشخصية ورطته في مشكلة خطيرة عبر الأطلسي – اقتنعت وسائل الإعلام باقتباس ما كتبته في مدونتي دون إضافة أي شيء آخر. وكذلك لم يجر نقاش سوى على الإنترنت ولم يكن هناك شيء في الصحافة المكتوبة، أو على الراديو، أو التلفزيون. وبعد تعيينه فقط اقتبست بعض الصحف ملاحظتي وأوردتها على أنها مجرد حادثة في تقدم ستراوس ـ كانْ المظفر نحو الفوز برئاسة صندوق النقد الدولي.

    ومن الغريب أن ما كشفته صحيفة ''وول ستريت'' في تشرين الأول (أكتوبر)2008، حول علاقة وجيزة لستراوس ـ كان مع إحدى المرؤوسات لم تثر شهية الصحافة الفرنسية لحياته الخاصة. وفي فرنسا على وجه الخصوص لعب مستشاروه الصحافيون دورا كبيرا في الحد من الإضرار بسمعته.

    وكان تسامح وسائل الإعلام مع ستراوس ـ كانْ أكثر إذهالاً، بالنظر إلى مزاعم أخرى بالاعتداء الجنسي لوثت سمعته بشكل خطير – مزاعم الكاتبة تريستاني بانون، التي التقته عام 2002، حيث قابل الصحافيون قصتها التي تم بث جزء منها على كابل تلفزيوني عام 2007، بعدم المبالاة. ولم ترفع دعوى إلى المحكمة على الإطلاق – ليس أقله بسبب الضغوط من جانب والدتها، وهي سياسية اشتراكية مقربة من ستراوس ـ كانْ، لكنها قد تفعل الآن.

    يعكس كل ذلك لائحة الشرف التي لم يشكك فيها أحد حتى أحداث يوم السبت في نيويورك، التي وضعت الصحافة الفرنسية وجهاً لوجه مع إخفاقاتها.

    إن حظر التطفل ''على الحياة الخاصة'' ثابت بحزم في فرنسا: حالما يكون هناك تلميح للجنس تسدل الستائر. وبناءً عليه، بقيت وسائل الإعلام صامتة بشأن مازارين بينجوت، الابنة غير الشرعية لفرانسوا ميتران، على الرغم من أنها عاشت مع والدتها في قصر تابع للدولة تحت حماية الشرطة. وبالمثل، لم يرد شيء عام 2007، في وسط الحملة الرئاسية، حينما انفصلت سيجولين رويال، مرشحة الحزب الاشتراكي، عن فرانسوا هولاند، السكرتير الأول للحزب.

    ولهذا السبب كتبت في مدونتي حول حياة ستراوس ـ كانْ الجنسية. ولم أشأ أن تتهم الصحافة الفرنسية، إذا انزلق في الولايات المتحدة – وكنت متأكداً في الغالب من أنه سيفعل. وفي الولايات المتحدة ليس هناك مزاح بشأن حقوق المرأة. وما يثير في فرنسا المخطئين بالتواطؤ ـ تسمع الآن ملاحظات مفادها ''إنه حساس أمام سحر النساء''، أو ''لم يمت أحد'' بشأن محاولة الاغتصاب المزعومة ـ أن ما حدث يشير إلى نهاية حياة مهنية عبر الأطلسي.

    لم يكن تقريري حول ستراوس ـ كانْ سبقاً صحافياً. ولطالما كانت وسائل الإعلام والسياسيون يعرفون بشأن رغباته الجنسية التي لا يمكنه مقاومتها، وتبادلوا القصص التي كانت فيها الزميلات من النساء ''البطلات'' الطوعيات. لكننا في مجال ما يدعى ''الحياة الخاصة''، وبالتالي يكون الصحافيون مشلولين.

    أعتقد شخصياً أن هذا أمر لا يمكن الدفاع عنه. ويجب تحديد الحياة الخاصة على نطاق ضيق بأنها علاقات بين ناضجين موافقين، حيث لا توجد مضايقات، أو إساءة في استخدام السلطة من أي نوع، وليس من شكوك بشأن أي عمل إجرامي. ويجب احترامها فقط حينما لا يكون لها تأثير على المجال العام. وإذا استرعى سياسي الانتباه لعائلته، أو قيم عائلته، للفوز في الانتخابات، فإن حياته الخاصة تقع في المجال العام، ويجب أن تخضع إلى المساءلة غير الرحيمة.

    هل تشير قضية ستراوس ـ كانْ إلى نهاية هذا التحريم الفرنسي؟ وهل من الممكن أن تكون انزلاقا كاملا تماماً نحو عمليات التفتيش الأخلاقي؟ ليست هناك إجابة سهلة حتى الآن. لكن من الواضح أن الصحافة الفرنسية لم يعد أمامها أي خيار: إذا لم يجد المواطنون المعلومات في وسائل الإعلام التقليدية، فسيجدونها على الإنترنت. وبالفعل نشر مستخدم شبكة فرنسي أنباء قضية نيويورك على تويتر. لقد جعل مجتمع المعلومات المحرمات القديمة مباحة وعلى وسائل الإعلام أن تتأقلم الآن.



    الكاتب صحافي في صحيفة ''ليبراسيون''، ومؤلف مدونة

يعمل...
X