الإجراءات العسكرية وحدها لن تنقذ ليبيا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإجراءات العسكرية وحدها لن تنقذ ليبيا

    يستمر التدخل في كونه بعداً بارزاً في عالم ما بعد الحرب الباردة. فمنذ أوائل التسعينيات اختارت بريطانيا وبلدان أخرى أن تكون مشاركة في عدة نزاعات من بينها البوسنة، وكوسوفو، وتيمور الشرقية، والعراق، وأفغانستان، والآن في ليبيا. ويمثل ذلك بالنسبة إلى بعضهم نزعة عسكرية مغامرة عصرية الطابع، بينما يرى آخرون أن هذه العمليات جميعها ''تتعلق بالنفط''، أو بـ ''صدام الحضارات''. غير أن الحقائق لا تدعم أياً من وجهتي النظر هاتين.

    من الطبيعي أن درجة التوافق الوطني في دعم كل من هذه التدخلات كانت مختلطة: من الدعم العام لعملية الناتو في كوسوفو (على الرغم من عدم وجود قرار من جانب مجلس الأمن)، مرورا بالعمليات التي نفذتها المملكة المتحدة في سيراليون إلى الجدل حول العراق وما نشهده الآن في أفغانستان. والتدخلات في البلقان كانت في أغلبها لحماية الأقليات المسلمة. ومن المؤكد أنه لا توجد احتياطيات نفطية كبيرة في ذلك الجزء من أوروبا.


    هناك حافزان أساسيان ومرتبطان للتدخل: تجنب كارثة بشرية، والرغبة في مزيد من الاستقرار في النظام العالمي. وهما مرتبطان لأن الكارثة البشرية – نتيجة لعداوة إثنية، أو طغيان، أو حرب أهلية – تعتبر مصدراً كبيراً لعدم الاستقرار. وكما تظهر أحداث ليبيا، فإن مفهوم ''مسؤولية الحماية'' تم تبنيه بصورة أو بأخرى من جانب الأمم المتحدة كواجب للتدخل حين لا تستطيع دولة (أو لا تريد) حماية شعبها – أو تسيء معاملة شعبها كما هو الحال بالنسبة إلى معمر القذافي.


    من المهم للغاية أن هذا المفهوم يقبل أن وزن هذا الواجب يمكن أن يكون أكبر من قدسية سيادة حدود الدول المستقلة التي يصونها ميثاق الأمم المتحدة. وفي ظل عدم وجود قرار من مجلس الأمن، كان هذا المبدأ – حديث العهد – مبرراً للتدخل في كوسوفو. ومن المثير للانتباه كذلك أنه كان المبرر الذي لجأت إليه روسيا لتدخلها في جورجيا عام 2008.


    إن السعي إلى الاستقرار أوسع بكثير من البعد العسكري للتدخل. ربما يكون ذلك مهيمناً في الأيام الأولى من أية حملة، لكن لا بد من بذل جهد أكبر فيما يتعلق بالأبعاد السياسية، والدبلوماسية، والاقتصادية، والقانونية، والإنسانية، بحيث يتم التوافق حولها وتكاملها بصورة مثالية تحت سلطة سياسية دولية واضحة، أو سلطة وطنية في بعض الأحيان. وهي تمثل تحدياً معقداً، ويشتد ذلك التعقيد حين تتولى الأمر دول عديدة.


    إنها كذلك عملية بناء أمة – كما يقول دونالد رمسفيلد ـ وتحد ذو جوانب أخلاقية وعملية. ويتمثل الجانب الأخلاقي في أنه لا يفترض أن يقف العالم مكتوف الأيدي بينما يؤدي عدم الاستقرار إلى قتل جماعي للمدنيين. وهنا تبرز مذابح رواندا وسربرنيتشا على نحو واضح. أما الجانب العملي فيعود إلى أن عدم الاستقرار المحدود جغرافياً اليوم يمكن أن ينتشر غدا.


    هذا هو مبرر التدخل، لكن هل ينجح؟ من المؤكد أنه لن يكون هناك إصلاح سريع. تدخل بريطانيا في سيراليون حقق نجاحاً عظيماً خلال عدة أيام، لكن تلك حالة استثنائية. وقد مرّ على وجود القوات الدولية في البوسنة وكوسوفو أكثر من عقد، على الرغم من عدم توقع حدوث عنف في المنطقتين. ومن المبكر للغاية إصدار حكم مدروس فيما يتعلق بأفغانستان والعراق.


    كل هذه الدروس ذات صلة بما يحدث في ليبيا الآن، حيث قدمت الأمم المتحدة تفويضاً عريضاً وسمحت باتخاذ ''كل الإجراءات الضرورية''، على الرغم من أن ذلك تعترضه العبارة التي تستثني وجود ''أي قوة احتلال أجنبية بأي شكل من الأشكال لأي جزء من الأراضي الليبية''. والمقصود ''بالاحتلال'' تُرك مبهما.


    إنني أرى أن الاستقرار في ليبيا يبدو مستحيلاً طالما ظل العقيد القذافي في السلطة. فوجوده يمنع أي تحديد أو تعبير عن تلك المطالب المشروعة. وأياً كانت طريقة رحيله، فإن هذا الرحيل هو الذي يجعل العملية السياسية تتطور.


    مع ذلك، توقعات بعضهم بخصوص الفائدة من القوة الدولية يحتمل أن تكون غير واقعية. ولا يمكن للعمليات العسكرية أن تكون بالغة الترتيب، أو خالية من الاحتكاك، ولا سيما في تحالف ترى الدول المشاركة فيه هذه الحملة بعيون وطنية. إن القوات المتحالفة على حق تماماً في كل ما تقوم به من أجل عدم إلحاق إصابات بالمدنيين في ليبيا. وبينما على هذه القوات أن تقوم بمهامها لأسباب إنسانية، إلا أن عواقب العمليات مهمة للغاية كذلك.


    ومن غير المحتمل أن يؤدي التدخل العسكري وحده إلى الاستقرار. فالقوة ضرورية، لكنها غير كافية للتوصل إلى الحل السياسي الذي يتطلبه الصراع – الذي هو بحد ذاته حالة سياسية.


    ومع أن المرء ينبغي أن يقلق من المقارنة، إلا أن قوات الناتو في 1999 استغرقت 78 يوماً في قصفها لقوات الرئيس الصربي آنئذ، سلوبودان ميلوسوفيتش، قبل أن يستسلم وينسحب من كوسوفو. واستغرق الأمر كذلك عدة أشهر قبل أن يستطيع خصومه السياسيون طرده من السلطة. وربما يتم اغتيال العقيد القذافي من جانب المقربين منه، وربما يقتل في معركة، وقد يبحث عن منفى – لكن فور رحيله تستطيع ليبيا البدء في إعادة بناء نفسها. وربما يتطلب هذا مساعدة دولية، بما في ذلك وجود قوة لحفظ السلام، يأمل المرء أن تكون فيها مشاركة عربية أساسية.


    لديّ بعض الشك في أن القوات العسكرية للقذافي ستصاب بحالة من العجز. لكن مستقبل ليبيا يبقى معتمدا على قدرات الشعب الليبي، مع شيء من المساعدة الدولية كي يحقق مستقبله المستقر والآمن.




    الكاتب رئيس سابق للأركان العامة في الجيش البريطاني.
يعمل...
X