أصاب كاميرون في عدم الاكتفاء بهز كتفيه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أصاب كاميرون في عدم الاكتفاء بهز كتفيه

    رؤساء الوزارات يتشكلون بالخبرة المبكرة. التدخل باستخدام القوة الذي تبناه توني بلير كان انعكاساً للغزل الذي اتبعه حزب العمال منذ فترة طويلة مع الحمائم المعادين للنهج الأمريكي. وبالنسبة إلى ديفيد كاميرون الحدث الذي أثر في تشكيله هو لا مبالاة حكومة المحافظين بمذابح البوسنة خلال التسعينيات.

    وسط الصليّات الأولى في الحرب الليبية، اكتسب كاميرون ثناء على الصعيد المحلي، لأن قرار رئيس الوزراء تولي زمام القيادة في تشجيع إجراء عسكري ضد العقيد المعمر القذافي يلمس نقطتين مهمتين في النفسية الوطنية: إيقاف طاغية، وإظهار أن بريطانيا لا تزال مهمة في العالم.


    وإذا تتبعنا كثيرا مما أوردته وسائل الإعلام البريطانية يتخيل المرء أن الفرنسيين والأمريكيين اقتسموا المهمة. ولم يقدم كاميرون أكثر من عدد قليل من الطائرات المقاتلة والسفن الحربية ـ لا يهم فبريطانيا هي التي تقرر. وكان المزاج قريباً من هذا حين أمطرت الصواريخ الأولى بغداد عام 2003.


    لقد أحسن رئيس الوزراء تقديم نفسه. لكنه اجتذب مع الرئيس الفرنسي، نيكولاس ساركوزي، كثيرا من السخرية حين شجع في البداية التدخل. ولم تكن السخرية فقط من جانب واشنطن، بل كانت مؤسستا السياسية الخارجية والجيش في وايتهول محاربتين مترددتين في هذا المشروع.



    من خبرتهم، يعرف الجنرالات والدبلوماسيون مدى سهولة بدء الحرب مقارنة بإنهائها في الشرق الأوسط. وهم يشيرون إلى اختلاف بين رغبة الغرب في التخلص من العقيد القذافي وقرار مجلس الأمن الذي يقدم موافقة أضيق بكثير لحماية المدنيين. والمخاطرة هنا هي إمكانية استمرار وجود الزعيم الليبي، الأمر الذي يتسبب في حالة من الجمود، أو الفوضى، أو الاثنين معاً. ويحذر الجنرالات من التوسع الكبير – إذ لا يتبقى لدى بريطانيا سوى مقدار قريب من لا شيء من القوة العسكرية إذا ساءت الأمور في الخليج.


    استمع كاميرون إلى الأصوات المحذرة واستمر في مسيرته واستطاع الحصول على دعم عريض في مجلس العموم. لكن لم يكن من الواضح تماماً مدى فهمه للعمق الذي سيعيد به قراره كتابه رواية رئاسته للوزراء، لأن الزعماء الذين يقررون الدخول في حروب لا يعودون كما هم مرة أخرى.


    إلى أن جاءت الانتفاضات العربية، ظل كاميرون رئيس وزراء يتعامل بالسياسة المحلية. وكان من بين إجراءاته الأولى في داونينج ستريت تحديد موعد زمني صارم لسحب القوات البريطانية من أفغانستان، مثيرا بذلك غضب جنرالاته. وتزعم في الخريف الماضي تخفيضات عميقة في قدرة بريطانيا في مجال ممارسة القوة العسكرية. وحتى الآن، فإن كل ما أبداه من أهمية تجاه السياسة الخارجية هو أنها أداة لبيع بضائع بريطانية لبلدان العالم الناشئة.


    كانت سرعة ودرجة تغيير اتجاهه مذهلتين. ويقول بعضهم في الدوائر الداخلية لوايتهول إنه لسعته السخرية من أنه كان مشغولاً ببيع المعدات العسكرية، بينما كان العرب يهبون لتحقيق الديمقراطية. ويقول آخرون إن ما دفعه إلى التحرك هو قول الساخرين إن بريطانيا تراجعت إلى هوامش النفوذ الدولي.


    ويفضل كاميرون أن يشير إلى خبرة البوسنة. وقد حرّك القمع الوحشي من جانب العقيد القذافي ذكريات السلوك الإجرامي لسلوبودان ميلوسيفيتش، الرئيس الصربي، بعد تقسيم يوغسلافيا السابقة. وحينها قادت حكومة المحافظين البريطانية التي كان فيها كاميرون مستشاراً ثانوياً، المعارضة الدولية لتدخل مبكر كان من شأنه منع حدوث التطهير العرقي.


    إن وجه الشبه الذي يخشاه رئيس الوزراء هو مع إسقاط صدام حسين. وسعى كاميرون في كل مناسبة ظهر فيها خلال الأيام القليلة الماضية إلى التأكيد على الفرق بين هذا الصراع والصراع العراقي. ويتمتع الإجراء ضد العقيد القذافي بدعم الأمم المتحدة، وبالتالي هو ''شرعي'' دون أي لبس في ذلك. ولن تحتل القوات البريطانية ليبيا. ولا يمكن لأحد بالطبع أن يصف كاميرون بأنه يتصرف كتابع لأوباما.


    مع ذلك، كل ما يورده كاميرون من مبررات لتقديم الدم والمال البريطانيين، يحمل في طياته أصداءً من مبدأ بلير الخاص بالمجتمع الدولي.


    لا يمكن للبلدان المتحضرة أن تقف مكتوفة الأيدي بينما يقتل الأبرياء من جانب الطغاة. ولدى بريطانيا مصلحة قومية في انتشار الديمقراطية، ولا يمكن لأوروبا كذلك النجاة من عواقب تصرفات البلدان الفاشلة المنبوذة القريبة منها، ولا بد من تطبيق قواعد النظام الدولي، ويمكن للمصالح والقيم أن تتصادما، وأن لعدم التصرف عواقبه تماما مثلما للتصرف عواقبه. وكان قد تم سماع كل من هذه الحجج من بلير.


    ألقى العقيد القذافي بمعضلة كان يأمل رئيس الوزراء في تجنبها: كان الأمر إما أن تكتفي بريطانيا بهز كتفيها، أو أن تقرر أنه على الرغم من دورها العالمي المتقلص، فإن لديها مسؤوليات تتجاوز تفسيراً ضيقاً لمصالحها.


    ويعود الفضل إلى كاميرون أنه اختار المسار الأخير، وأثبت أنه شخصية مثيرة للإعجاب خلال الأيام الأخيرة. لكن كون المرء على يمين الحجة لا يقدم شيئاً يضمن نجاح المشروع.


    على الدوام كان الاختيار بين الواقعية والليبرالية الدولية اختياراً زائفاً. إن الأمن والرخاء في بريطانيا وفي الغرب عموماً يعتمدان في نهاية الأمر على انتشارهما في الأماكن الأخرى. لقد أقدم كاميرون على التصرف الصحيح، وأملنا أن تكون ليبيا هي المكان الصحيح.
    التعديل الأخير تم بواسطة CASHU; 2021 - 06 - 02, 05:05.
يعمل...
X