دروس لإنهاء الرأسمالية القصيرة الأجل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دروس لإنهاء الرأسمالية القصيرة الأجل

    السير رالف روبنز بطل صناعي لا يتم التغني في التاريخ البريطاني. وبصفته الرئيس التنفيذي، ثم رئيس مجلس إدارة شركة رولز رويس، اشتهر على نطاق واسع بتكنولوجيا محركات الطائرات خلال التسعينيات، في مواجهة عداء خاص من الحي المالي في لندن. ويستغرق تطوير محركات كبيرة للطائرات المدنية سنوات طويلة كي يعطي ثماره، بينما كان حملة الأسهم المؤسسيين يطالبون بصوت مرتفع بنتائج أسرع.

    كان السير رالف يسأل: ''ماذا تريدون؟''. ''هل تريدون شركة رائدة عالمياً خلال 12 عاماً، أم نتائج أكبر الآن؟''. وكانت الإجابة تأتي على نحو متكرر: ''أعطنا المال''. وبفضل مثابرته ومثابرة خليفته، السير جون روز، باتت رولز رويس في أيامنا هذه من الشركات القائدة في العالم. لكن في سبيل الوصول إلى هذا الوضع، كانا مضطرين إلى أن يحاربا على مدى سنوات ما أصبح مشكلة متزايدة للصناعة البريطانية.


    في ورقة بحث عبقرية جديدة، يظهر أندي هالدين وريتشارد ديفيز، من بنك إنجلترا، دليلاً واضحاً على الاتجاه المتزايد لقِصر أجل تسعير أسهم الشركات في القطاعات الصناعية كافة. وكما كتبا، فإن ''قصر النظر يتصاعد''.


    وورقتهم هذه ليست موجهة لأصحاب القلوب الضعيفة – فهي زاخرة بالمعادلات والأشكال البيانية المعقدة. لكن ما تظهره هو أن المستثمرين يتوقعون، بصورة لا عقلانية، قيماً أدنى من استثمارات الأجل الطويل. والتدفقات النقدية بعد 30 عاماً لاستثمارات يتم تخصيصها الآن – وهو ما يمكن أن تتوقعه للاستثمار في إنتاج محركات الطائرات الكبرى – نادراً ما يتم تقييمها على الإطلاق.


    لدى رولز رويس قادة أقوياء ومنتجات عظيمة، لكن لديها كذلك أمر آخر عليها أن تحميه من النظرة قصيرة الأجل. وبسبب الطبيعة الحساسة للمصالح النووية للشركة، تحتفظ الحكومة بحصة ذهبية في هذا النشاط، الأمر الذي يجعله محصناً ضد عروض الاستحواذ العدائي. وبدون مثل تلك الحماية خلال السنوات الصعبة، من السهل تصور أن تكون رولز رويس قد تحولت إلى فرع باهت لمجموعة صناعية أمريكية غامضة. ومن الممكن أن يكون حملة الأسهم قد قرروا الحصول على مكسب صغير، لكنه مؤكد، من عرض استحواذ عدائي الآن، بدلاً من انتظار عوائد غير مؤكدة فيما بعد من كل تلك الاستثمارات الجديدة. وهذا بالضبط ما حدث لكادبوري حين اشترتها كرافت في العام الماضي.


    إن هالدين وديفيز على حق في استنتاج أن هذا الاتجاه قصير الأجل هو فشل للسوق من النوع الذي يثير قضايا كبرى مرتبطة بالسياسة العامة. وهو فشل يؤدي إلى تراجع كبير في الاستثمار، ولا سيما في مشاريع البنية التحتية طويلة الأجل والتكنولوجيا المتقدمة التي يعتمد عليها النمو المستقبلي. وأحد أمثلة ذلك أن بريطانيا بحاجة إلى إنفاق أموال طائلة على توليد الطاقة الكهربائية وتوزيعها خلال العقد المقبل. لكن شبكة الكهرباء الوطنية عوقبت من جانب المستثمرين حين جمعت أموالا في العام الماضي، وكان هذا الأمر وحده الذي بقي في الأذهان.


    فما الذي ينبغي عمله؟ في حالات استثنائية يمكن فقط تبرير الأسهم الذهبية وغيرها من عوائق الاستحواذ العدائي، على الأقل لأنها يمكن أن تسمح للمديرين بأن يصبحوا كسالى. غير أن تجاهل هذا الفشل المتزايد في السوق ليس له معنى كذلك.


    وتشير ورقة بنك إنجلترا إلى أن استجابة خفيفة اللمسة لهذه المشكلة يمكن أن تتمثل في مزيد من الشفافية، من خلال مطالبة الشركات بإعطاء مزيد من التفاصيل حول خططها الاستثمارية طويلة الأجل، ومطالبة شركات الاستثمار بتوضيح استراتيجياتها المتعلقة بالتداول. لكن هذا الأمر لن يحدث فرقاً كبيراً.


    والإجراءات الأكثر شدة يمكن أن تتضمن توسيع المسؤوليات الإشرافية لمجلس الإدارة بما يجعل المديرين يعطون أولويات أعلى للأجل الطويل. ويمكن تعزيز حقوق حملة الأسهم من مستثمري الأجل الطويل، لمنحهم قوة أعظم من تلك الممنوحة لمتداولي الأجل القصير. وبالنسبة لتحديد مكافأة التنفيذيين يمكن الاعتماد بدرجة أكبر مما هو قائم الآن، على الأداء في الأجل الطويل. وبإمكان الحكومة كذلك استخدام النظام الضريبي لمعاقبة التداول قصير الأجل وتشجيع الاستثمار طويل الأجل.


    والحقيقة أن الشركات في أجزاء أخرى من أوروبا لا تواجه مثل ضغوط الأجل القصير المكثفة هذه. ويعود ذلك جزئياً إلى أن سوق الأسهم تلعب دوراً أكبر في اقتصاد المملكة المتحدة، مقارنة بفرنسا، أو ألمانيا، أو إيطاليا. ولذلك هذه مشكلة خاصة ببريطانيا، ومن الممكن أن تكون قد ساهمت في التراجع النسبي لقاعدتها التصنيعية. وما هو مطلوب لا يقل عن تحول في ثقافة الرأسمالية البريطانية، وذلك أمر من غير المحتمل أن يحدث دون شكل من أشكال التدخل السياسي.




    الكاتب رئيس جامعة وارويك، ورئيس تحرير سابق لـ ''فاينانشيال تايمز''.
يعمل...
X