لدرس الحقيقي من شمال إفريقيا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لدرس الحقيقي من شمال إفريقيا

    الأحداث الأخيرة في ليبيا تختبر افتراضات مضمنة في المراجعة الدفاعية البريطانية في الخريف الماضي. وكان من المفترض أن تقلص المراجعة تكلفة الدفاع دون الإضرار بقدرات البلاد على توجيه ضربات فوق وزنها العسكري.

    وأدى التدخل في شمالي إفريقيا إلى اصطدام سريع مع الواقع. ومجيء التدخل في وقت لا يزال فيه النزاع الأفغاني مستعراً، يلزم القوات المسلحة بشن عمليتين كبيرتين في الوقت نفسه. وهذا اختبار لإثبات القدرة، خاصة أن الولايات المتحدة قررت الانسحاب عسكرياً من ليبيا، تاركة معظم التدخل للدولتين الأوروبيتين الرئيسيتين المنخرطتين فيه؛ بريطانيا وفرنسا. قائد القوة الجوية الملكية، السير ستيفن دالتون، صرح هذا الأسبوع بأن الحاجة إلى كل من فرض منطقة حظر جوي ومهاجمة أهداف برية يضعان عبئا كبيرا على القوات.


    وفي الأثناء، تتزاحم الأحداث في مناطق أخرى من الشرق الأوسط، مستثيرة القلق من احتمال الحاجة إلى عمل عسكري آخر في المنطقة لحماية المصالح البريطانية. ولم يبق سوى عدد قليل من القوات لمجابهة مثل هذه الطوارئ. ومن هنا تأتي الهمهمات بشأن الحاجة إلى إعادة فتح المراجعة الدفاعية. وهذه الدعاوى ينبغي مقاومتها.


    صحيح أن المراجعة كانت بعيدة عن الكمال وأن الأحداث في الشرق الأوسط كشفت ثغراتها. فقد تركت المملكة المتحدة بهيكل قوة غير متوازن، وهو هيكل مبني حول فكرة أن نزاعات المستقبل ستكون أكثر شبها بأفغانستان – وهي فكرة نسفتها التدخلات ''قديمة الطراز'' في ليبيا. وبحلول عام 2015 سيشكل جيش بريطانيا 65 في المائة من قوتها العسكرية، ما يجعل قواتها ذات ''تمركز بري'' زائد عن الحد، على حساب قوتيها الجوية والبحرية – وهما القوتان المنخرطتان بشدة في ليبيا.


    لكن ذلك لا يعني ببساطة أنه ينبغي تمزيق المراجعة. فبوسع بريطانيا الإبقاء على تدخل محدود في شمالي إفريقيا طالما كان ممكناً مقاومة إغراء توسيع المهمة. فالقوات المسلحة لا تفتقر إلى القدرات الضرورية بسبب ما تقرر في العام الماضي. وليست هناك، مثلا، حاجة واضحة إلى حاملة طائرات، لأن طائرات القوة الجوية الملكية يمكنها العمل من قواعد برية جنوبي إيطاليا. وقاذفات هارير المقاتلة، الملغاة بصورة مثيرة للجدل في التقرير، ذات مدى أقصر من أن يجعلها مفيدة.


    وفوق ذلك، هناك مرونة في المراجعة تسمح للمملكة المتحدة بتعديل أولوياتها. وينبغي أن يكون من الممكن، مثلا، تعديل هيكل قوتها وإعادة الثقل من الجيش نحو بقية الأفرع.


    إن أكبر الدروس لبريطانيا من ليبيا هي الدروس بعيدة الأمد. وبالتأكيد قرار الولايات المتحدة التراجع عن التدخل يعد قرارا مهما، كونه يشير إلى نفور ملحوظ من جانب واشنطن من جرِّها إلى عمليات ذات أهمية ثانوية من الناحية الاستراتيجية. وبريطانيا أبعد من أن تكون أسوأ المذنبين بين الدول الأوروبية فيما يتعلق بالركوب المجاني على ظهر القوة العسكرية الأمريكية. لكن عليها تحمل عبء أكبر في حال سعت واشنطن إلى بذل الأقل.


    من المنظور السياسي، ربما كان من الضروري فرض تخفيضات على القوات العسكرية في وقت كانت فيه بقية دوائر الحكومة تعاني الألم. لكن المشكوك فيه هو ما إذا كانت التسوية تقدم للأفرع المسلحة الموارد المطلوبة لإنجاز التزامات توسيعها، وكذلك حماية مصالح بريطانيا في عالم غير متيقن منه بشكل زائد. إن المنصرفات ظلت راكدة بالأسعار الحقيقية منذ عام 1997 (خلال هذه الفترة تضاعف الإنفاق الحقيقي على الرعاية الصحية ثلاث مرات). وهي على وشك التراجع إلى ما دون 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يُنظر إليه عموماً باعتباره بتراً جسيماً للقوة العسكرية.


    والمشكلة مع القدرات العسكرية هي أنه في حين أن الحاجة إليها يمكن أن تكون عاجلة، إلا أنها تتطلب وقتاً كي تُثمر. وهذا هو السبب في أن على بريطانيا التي خفضت قواتها في الأعوام الأخيرة، البدء في إعادة بنائها عاجلاً. إن المراجعة الدفاعية تلزم بريطانيا بإيجاد هيكل قوة جديد بحلول 2020، وهو ما ينبغي أن يشمل زيادة حقيقية في نفقات 2015. وعلى الحكومة طمأنة الجنرالات المنفعلين أن تلك ليست مجرد وعود فارغة.
يعمل...
X