سياسة الخروج من الازمة الاقتصادية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سياسة الخروج من الازمة الاقتصادية

    تيسير هشام سمكة

    لا أحد في كامل قواه العقلية يريد أن ينفذ سياسة للخروج في أي وقت قريب، رغم الحديث عن ظهور براعم خضراء خرافية.

    كان بن بيرنانكي رائعاً ودقيقاً ومع ذلك أخطأ الهدف. ففي شهادته أمام الكونغرس في الأسبوع الماضي، عرض رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي «استراتيجيته للخروج» عبارة عن مجموعة من السياسات الرامية لمنع حدوث زيادة في التضخم عندما يبدأ الاقتصاد بالانتعاش. وتعتبر هذه السياسات أفضل ما يمكن أن تقدمه المصرفية المركزية الحديثة.

    لكن مجرد امتلاك هذه الأدوات لا يشكل استراتيجية للخروج. ولهذا السبب ينبغي على بيرنانكي أن يقوم على الأقل بتحديد وتعريف الظروف التي يمكن أن تدفع إلى استخدام هذه الأدوات. ولديَّ شك كبير في أن يكون بيرنانكي، أو نظراؤه في أوروبا في موقف يمكنهم من تقديم تعريف ذي صدقية في هذا الوقت.

    قبل عام 2007 لم تكن لدى البنوك المركزية المستقلة مشكلة في تقديم استراتيجيات خروج تتسم بالصدقية. كان بإمكانها أن تشير إلى التضخم الذي يستهدفه وكيف ستستخدم توقعاتها للتضخم في المدى المتوسط، أو أي إطار تحليلي آخر لضمان بقاء مستوى الأسعار في مسار مستقر. وكانت الأسواق ستوافق في الأغلب على قرار البنك المركزي بشأن أسعار الفائدة، سواء زيادتها أو تخفيضها ربع نقطة.

    لكن ببساطة لم يعد الحال كذلك أبداً. فهناك مشكلتان كبيرتان ينبغي أخذهما في الاعتبار. واحدة منهما تتمثل في نظام المصرفية التجارية. وهذه المشكلة تخص الأوروبيين أكثر من الأمريكيين، وذلك في ضوء عجز الحكومات الأوروبية عن حل مشكلة الديون المعدمة المستمرة. فلو قرر البنك المركزي الأوروبي، مثلاً، أن يخرج غداً برفع أسعار الفائدة، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى انهيار النظام المصرفي. إن سياسة نقدية معقولة للخروج، في أوروبا على الأقل، ستكون بمثابة قرار بالانتحار.

    أما المشكلة الثانية، وهي أكثر إزعاجاً للولايات المتحدة من منطقة اليورو، فهي السياسة المالية. فكما أشار جيمس هاميلتون، أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو، في تحليل حديث له، وجهة الدين الأمريكي يضاف إليه امتزاج السياسة النقدية والسياسة المالية، لا تنسجم مع هدف تحقيق استقرار الأسعار في المدى الطويل.

    من المهم أن نتذكر أن هذا النقاش يتعلق بالمستقبل. لا يريد أحد في كامل قواه العقلية أن ينفذ سياسة للخروج في أي وقت قريب، رغم الحديث عن ظهور براعم خضراء خرافية. ففي هذه المرحلة يعتبر خطر حدوث ركود على شكل الحرف w أعلى من خطر حدوث انتعاش بالغ السخونة. لكن هذه الأزمة سوف تنتهي في آخر المطاف وحينها تصبح استراتيجية الخروج ملائمة.

    إننا لا نتحدث عن الخروج هذا العام، وربما ليس في العام المقبل، لكن ربما يكون ذلك في وقت ما في 2011. فإذا أخذنا في الاعتبار الفترات التي تعمل خلالها السياسة النقدية، نستطيع أن نرى بسهولة كيف يمكن أن تصبح إدارة أوباما عصبية من حيث الجدول الانتخابي. وفي ضوء امتزاج السياسة النقدية بالسياسة المالية، فإن زيادة سعر الفائدة على أموال الاحتياطي الفيدرالي واستخدام أدوات الخروج التي تحدث عنها بيرنانكي سيشكل تشدداً كبيراً ومتزامناً على الصعيد المالي والنقدي.

    ويثير البروفيسور هاميلتون نقطة أخرى، هي أن سياسة الولايات المتحدة تقوم على اعتقاد مفاده أنها تستطيع تمويل أية عجوزات حكومية من دون إلحاق أي ضرر بالعملة. كان لهذا الاعتقاد ما يبرره في الماضي، لكن هناك شكوكاً فيما إذا كان ذلك لا يزال صحيحاً الآن. فإذا حدثت أزمة تمويل، فمن غير الواضح كيف يمكن للاحتياطي الفيدرالي أن يقوم بسهولة برفع أسعار الفائدة في ظل تلك الظروف دون التسبب في حمام دم سياسي واقتصادي.

    إن امتزاج السياسة المالية بالسياسة النقدية هو نتاج للسياسات التي تتبعها البنوك المركزية. خذ مثلا، ضخ البنك المركزي الأوروبي الاستثنائي أخيرا لمبلغ 442 مليار يورو (630 مليار دولار) لتأمين السيولة لمدة عام واحد بسعر فائدة 1 في المائة. هذه لعبة مربحة للبنوك كلها، خاصة لأنها استطاعت أن تقدم ضمانات على شكل أوراق مالية أقل من ممتازة، وهذا تعبير مخفف – ونعني بذلك البنوك الحاصلة على تصنيف bbb – أو أعلى.

    إن أقل ما يمكن أن يقال عن هذا المزاد الخاص بإعادة شراء الأوراق المالية أنه عمل سياسي مالي بقدر ما هو عمل سياسة نقدية. إنه جزء من استراتيجية بغيضة تقوم على تجنب العوائق السياسية لاستخدام أموال دافعي الضرائب لإعادة رسملة البنوك، وفي الوقت نفسه الإساءة لنظام المصرفية المركزية عبر إجباره على القيام بعملية إنقاذ شبه مالية.

    الفكرة العامة هي مساعدة البنوك على إعادة بناء رأسمالها المستنزف عن طريق مساعدتها على كسب بضع سنوات من الأرباح الكبيرة التي تخلو من المخاطر. وحل أزمة مصرفية بهذه الطريقة يستغرق وقتاً طويلاً جداً، لكنه في النهاية ينجح وإن بتكلفة باهظة على الاقتصاد.

    وعندما تتولى البنوك المركزية القيام بهذه الأدوار الإضافية، فلا بد أن تتغير وظيفتها الأساسية. إنني لا أستطيع أن أرى كيف بغير ذلك يستطيع الاحتياطي الفيدرالي، أو البنك المركزي الأوروبي أن يسعى لتطبيق سياسات خالصة لتحقيق الاستقرار النقدي في ظل هذه الظروف. وستكون هذه السياسات مضرة لدرجة أن لا أحد في كامل قواه العقلية يرغب في الدفاع عنها.

    لهذا السبب، من المستحيل صياغة سياسات خروج سابقة في الوضع الراهن. ليست المشكلة أن محافظي البنوك المركزية لا يرون المخاطر. إن محافظي البنوك المركزية الذين أعرفهم في أوروبا وفي الولايات المتحدة، جميعهم ينفرون من التضخم ولا يرغبون في أن يدافعوا طواعية عن إطالة أمد عدم استقرار الأسعار. وبطبيعة الحال يختلفون عن بعضهم في أطرهم التحليلية وفي وجهات نظرهم حول كيفية عمل قنوات السياسة النقدية، لكنهم لن يسارعوا إلى تبني سياسات يعلمون أنها ستؤدي إلى حدوث تضخم بمعدلات عالية جداً فيما بعد.

    لكن الأمر المهم هو أنه لا خيار لديهم.
    تيسير هشام سمكة
    ->< ابو باسل ><-
يعمل...
X