سياسة مصر الاقتصادية يجب أن تنأى عن الشعبوية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سياسة مصر الاقتصادية يجب أن تنأى عن الشعبوية

    قبل أسابيع قليلة، خلال إحدى مظاهرات يوم الجمعة في ميدان التحرير، وهو بؤرة ثورة مصر الشعبية، قالت لي امرأة متظاهرة إن انتفاضة ليبيا ''أنجزت أكثر'' مما أنجزته انتفاضة مصر.

    كان ذلك مربكاً في ظل ما هو واضح من أن ليبيا تتجه إلى حرب أهلية. وبالنسبة لمصر مضى حتى الآن شهران على خلع حسني مبارك، الرئيس السابق، وكان هناك تفاؤل بأن البلد يمكن أن يكون قادراً على طي صفحة الدكتاتورية والفساد.


    لكن منطق المرأة لم يضع شيئا من ذلك في الحسبان. فقد فسرت الأمر بأن الزعيم الليبي، معمر القذافي، يدفع أموالا لشراء ولاء شعبه، بينما لم يحصل أحد في مصر بعد على زيادة في راتبه.


    كان ذلك عامل تذكير بأن كثيرين من بين الملايين الذين انضموا إلى الثورة، أو اكتفوا بالهتاف للانتفاضة المصرية، قاموا بذلك لأنه طفح الكيل بهم من ظروفهم الاقتصادية.


    إن 41 في المائة من المصريين فقراء. وكان هناك منظور خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك بوجود فجوة تتسع بين طبقة ضيقة من بالغي الثراء، والغالبية العامة من السكان. وتبين أن تأكيدات الوزراء على أن الاقتصاد كان ينمو على نحو ثابت، أمر فارغ، إذ كان التضخم المتصاعد بحدة يلتهم القوة الشرائية. وتفاخر المسؤولون بتحسين الانضباط المالي، وكذلك جمع الضرائب، وزيادة الاستثمارات، إلا أنهم مع ذلك فشلوا في تقديم انطباع إيجابي للملايين من المصريين الذين يصارعون تردي حالة الخدمات العامة، مثل الصحة والتعليم.


    ويتوقع معظم المصريين الآن تحسناً سريعاً على دخولهم بعد الثورة. وغذت الشعور بوجوب حدوث وفرة نقدية اقتصادية سريعة، تلك التقارير التي وردت في الصحافة المصرية، وكثير منها غريب، بخصوص حجم الثروات التي تكونت من خلال فساد أعضاء النظام المخلوع. أما على أرض الواقع، فمن المتوقع أن يتراجع النمو الاقتصادي في السنة المالية التي تنتهي في حزيران (يونيو)، إلى 3 في المائة – أقل من 6 في المائة التي كانت متوقعة قبل الثورة. ومن المتوقع أن يتوسع العجز إلى 9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد تضررت السياحة، والاستثمارات، والصادرات نتيجة الاضطرابات السياسية. ورغم ذلك، تتعرض السلطة الانتقالية لضغوط شديدة كي تلبي على الأقل بعض توقعات الجمهور. وشهدت الأسابيع الماضية كثيرا من الإضرابات والمظاهرات من جانب عمال وموظفين مدنيين يطالبون بزيادات في الأجور ووضع حد أدنى لها – وهي أمور وعدت السلطة بدراستها.


    وهناك تحركات في الوقت الراهن كي تحل نقابات عمال مستقلة مكان التجمعات النقابية التي كانت تحت هيمنة الحكومة أيام مبارك، والتي فشلت في تمثيل مصالح العمال. وربما يقاوم مجتمع الشركات هذه التطورات، لكنها يمكن أن تكون خطوة إلى الأمام إذا أصبح أصحاب العمل والنقابات قادرين أخيراً على إجراء مفاوضات أصيلة، ليس فقط بخصوص الأجور، بل كذلك حول وسائل تحسين الإنتاجية وظروف العمل.


    ولا بد من اختفاء كثير من الممارسات السلبية السابقة، مثل إجبار العمال على توقيع استقالاتهم في اليوم الذي يتم تشغيلهم فيه. لكن الأجور الأعلى ستكون كذلك غير مستدامة ما لم تكن هناك جهود لمعالجة الإنتاجية المتدنية.


    وثمة مخاوف من أنه بينما تحاول مصر رسم مسار اقتصادي جديد وإبعاد نفسها عن تركة نظام مبارك، فإن من الممكن أن تتبنى سياسات شعبوية وتتخلى ليس فقط عن الممارسات السيئة السابقة، بل كذلك عن بعض السياسات الجيدة.


    ويقول الاقتصادي أحمد كمالي: ''إنني متخوف لأن هناك إشارات إلى أن السياسة الاقتصادية يمكن أن تخضع للضغوط العامة والطلبات الشعبية غير المستنيرة''. وكان يشير إلى اقتراحات بإعادة التفكير في ضريبة العقارات التي طبقت عام 2008، أيام مبارك، لكنها علقت بسبب الضغط الشعبي.


    ويتم تطبيق هذه الضريبة فقط على العقارات التي تزيد قيمتها على 100 ألف دولار، الأمر الذي يستثني معظم الوحدات السكنية في البلاد.


    وكان من المفترض أن يدفع هذه الضريبة الأغنياء من أصحاب المنازل المتعددة. ومع ذلك واجهت الضريبة مقاومة هائلة – وتلك علامة على عمق انعدام الثقة بين المصريين وحكامهم.


    ويقول كمالي: ''علينا تجنب أخطاء الماضي. لكن من الخطأ القول إن علينا أن نعيد التفكير في كل شيء من نقطة الصفر. كانت هناك بعض السياسات الجيدة لتحسين الاستثمار وتشجيع الصادرات. لكن المشكلة الرئيسية كانت الغياب التام للمساءلة''.
يعمل...
X