بلا مساعدة فورية.. ربيع العرب في خطر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بلا مساعدة فورية.. ربيع العرب في خطر

    في خطابه حول الشرق الأوسط الذي ألقاه في الأسبوع الماضي، أصاب باراك أوباما بتسليطه الضوء على الصعوبات الهائلة التي تواجه مصر وتونس. لقد سحر هذان البلدان العالم حين أسقط شعباهما حاكمين مستبدين، لكن الرحلة الصعبة الخاصة بالإصلاح بدأت لتوها وكثير من التحديات الكبرى اقتصادي.يحتاج هذان البلدان إلى الغرب بشدة. وقد آن الأوان كي تقرن الولايات المتحدة الفعل بالقول، وتقدم المساعدة الاقتصادية التي يحتاجان إليها.لم تبدأ المتاعب الاقتصادية بالثورات. والحقيقة أن من المحتمل أنها كانت العامل الحافز للثورات. وتواجه كل من تونس ومصر بطالة خطيرة في صفوف الشباب، حتى قبل أن يتحول الكساد الأمريكي إلى كساد عالمي. وعمل ارتفاع أسعار الغذاء والنفط على تعقيد المشاكل الاقتصادية، جاعلاً السخط أشد حدة. وهكذا نزل الناس إلى الشوارع.لقد ذهب الحاكمان المستبدان، لكن المساهمة الديمقراطية في الاقتصاد كانت وهماً. وأصبحت الأمور، حتى الآن، أسوأ، إذ فرّ السائحون خائفين، ولا سيما في تونس التي شعرت بضغوط وتوترات الحرب في ليبيا. وفتحت تونس التي يبلغ عدد سكانها 10.5 مليون نسمة أبوابها أمام نحو 150 ألف ليبي من الهاربين من بلادهم. ولأن ليبيا كانت شريكاً تجارياً رئيسياً لتونس (تأتي بعد الاتحاد الأوروبي)، فقد كانت الحرب الأهلية ضربة أخرى للاقتصاد التونسي. وعلى الرغم من أن معدل الفقر في تونس متدنٍ نسبياً، إلا أنه ما زالت هناك جيوب للفقر.إن الوقت هو جوهر الأمر. في الأسبوع زرت تونس الماضي والتقيت مع أكاديميين، واقتصاديين، ورجال أعمال، وصحافيين، ومسؤولين حكوميين، بمن فيهم رئيس الوزراء. وكانت الإثارة بخصوص الديمقراطية الجديدة ملموسة، لكن شعرت كذلك بوجود حالة عصبية: ما الذي سيحدث إذا لم يلب الغرب دعوة الدعم الاقتصادي؟ وخلال ستة أشهر، وإذا ازداد غرق الاقتصاد، فإن القوى التي تجادل ضد الديمقراطية الليبرالية ستكتسب قوة. وربما يصبح الشباب الذين قادوا الثورات في حالة من الغضب مرة أخرى ويفقدون الأمل.

    بدأ بنك التنمية الآسيوي والبنك الدولي بمعالجة هذه القضايا الاقتصادية بالفعل – وهي استجابة سريعة لا بد من تهنئة هاتين المؤسستين عليها. لكن هناك حاجة إلى مزيد من جانب الولايات المتحدة وغيرها. وكانت لدينا منذ فترة طويلة برامج مساعدات قوية لمصر، لكننا أهملنا تونس في بعض الأحيان. ويعود ذلك جزئياً إلى أنها حققت، في بعض الأحيان، نمواً مثيراً للإعجاب – كانت في المرتبة الثانية بعد النمور الآسيوية – على الرغم من الاستبداد والفساد. ورفع ذلك السقف إلى أعلى بالنسبة إلى الثورة. ويعرف التونسيون ما الذي يستطيعون تحقيقه إذا حصلوا على بعض المساعدات الإضافية في هذا الوقت الحرج.هناك أنباء جيدة: المبلغ الذي تحتاج إليه تونس ضئيل، فضلا عن أن حكومتها تضم عدداً كبيراً من التكنوقراط في الخدمة العامة وفي البنك المركزي.في ظل هذا الالتزام، والمعرفة، يمكن لتونس أن تشكل برنامجها الاقتصادي الناجح. وفي سبيل تحقيق ذلك حددت تونس طلباً من ثلاثة أجزاء، لاقى التأييد من اقتصاديين أمريكيين وأوروبيين بارزين.يركز الجانب الأول على المساعدة المالية. وتقدر الحكومة حاجتها بخمسة مليارات دولار سنويا خلال الأعوام الخمسة التالية، وهو مبلغ يكاد يعادل نفقات أسابيع قليلة من الحرب في أفغانستان والعراق. ويمكن استخدام بعض هذه الأموال في المساعدة على التعامل مع تدفق اللاجئين وإصلاح ما تسببت به الكوارث الاقتصادية منذ اندلاع الثورة. وجزء من هذه الأموال يمكن أن يساعد على إعادة تفعيل الحكومة، بما في ذلك الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها فيما يتعلق بالبيروقراطية. ويمكن لبعض هذه الأموال المساعدة على معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، مثل الفقر. وهناك حاجة إلى تخصيص بعض تلك الأموال للاستثمار في البنية التحتية والتعليم.ولا بد أن يكون توليد الوظائف أحد مقاييس النجاح، كذلك المشاريع الصغيرة والمتوسطة أمر رئيسي في كلا البلدين. وأود أن أشاهد صندوق للابتكار وتأسيس المشاريع، تساعد الولايات المتحدة من خلاله الشركات التونسية المبتدئة بالدعم المالي وبإبداع مؤسسي المشاريع الأمريكيين. إننا بحاجة إلى إثبات أن التكنولوجيا ليست مجرد أداة للإطاحة بالحكام المستبدين، بل بإمكانها أيضا المساعدة على إيجاد اقتصاد جديد وقوي.من المفروض كذلك أن يكون الإعفاء من الديون على جدول الأعمال. ولا يريد كثير من التونسيين المعتزين بأنفسهم المطالبة بذلك ويرون أن هذه الديون هي مسؤوليتهم. لكن الأموال المستخدمة في خدمة الديون تضيع، وتحرم تونس الاستثمارات التي تحتاج إليها بصورة ملحة. وعلى الأقل، علينا عرض إعادة جدولة. والأفضل من ذلك هو مقايضة ديون بأسهم. وبإمكاننا إعادة استثمار ما نتلقاه مرة أخرى في تونس – ربما يكون ذلك في صندوق الابتكار.ثانياً، تونس تطلب تمكينها من الوصول إلى الأسواق. ولديها بالفعل وصول إلى أوروبا فيما يتعلق ببضائعها غير الزراعية التي هي إحدى صناعاتها الرئيسية، غير أن التفاوض حول الاتفاقيات التجارية بطيء ومثير للنزاع. والوقت يعمل ضدنا – وضدهم. ونحن بحاجة إلى ''وصول مفتوح للديمقراطيات الجديدة''، أي إلى برنامج انتقالي يتيح للتونسيين الوصول الأحادي إلى أسواقنا، وهو أشبه بمبادرة ''كل شيء عدا الأسلحة'' الأوروبية. ويمكن أن يكون ذلك ذا منفعة هائلة لتونس، مع تحميلنا تكاليف بسيطة، أو حتى عدم تحميل أي تكاليف – كما أن ذلك يرسل إشارة قوية، تشتد الحاجة إليها، بأن الولايات المتحدة لا تكتفي فقط بالقتال من أجل الديمقراطية، وإنما تعمل من أجل تحقيقها.سيكون ذا منفعة هائلة أيضا، إذا استطعنا استقطاب عدد قليل من التونسيين المتعلمين جيداً على أساس مؤقت. وإذا كان باستطاعة تونس فتح أبوابها أمام أعداد كبيرة من الليبيين لمساعدة ثورتهم، أفلا يكون باستطاعتنا استيعاب 30 ألف تونسي، مثلاً؟ إن ما يحولونه من أموال سيقدم موارد إضافية.أما عمود الاستناد الأخير في مطالب تونس فهو أمر نتقن عمله – برامج من الشعوب إلى الشعوب، وتبادلات لإقامة علاقات على نحو خاص مع شباب هذه الديمقراطية الجديدة. وتتمثل إحدى الأفكار في هذا الخصوص في تخصيص تمويل لزمالات، على شاكلة مؤسسة فولبرايت، أو حتى أفضل من ذلك في صورة ''زمالات ديمقراطية'' لجلب أعداد أكبر من التونسيين للدراسة في بلدان مجموعة الثماني. وهناك فكرة أخرى في توجيه الشركات الأمريكية ـ مثل جوجل وفيسبوك التي لعبت دوراً مهماً في إشعال الثورة – والتي تم شكرها في لافتة ''شكراً فيسبوك'' بالقرب من وزارة الداخلية، حيث بدأت الثورة ـ للمساعدة في إيجاد بيئة للإبداع، وتوفير التمويل، واستحداث جوائز للاختراع، وما إلى ذلك من أجل المساعدة في إنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة.مثل هذه التبادلات ستؤدي إلى تعزيز المجتمع المدني الذي ساعد على انطلاق الثورة والذي يفترض – في كل من الوطن العربي والغرب – أن يلعب دوراً رئيسياً في ضمان نجاحها. وعلى الرغم من عقود من الاستبداد، فإن تونس محظوظة بما لديها من مجتمع مدني مزدهر يمكنه أن يكون فعالاً للغاية في إيجاد ديمقراطية قوية.لقد قدمت تونس وحدها من أجل النهوض بقضية الديمقراطية في الشرق الأوسط أكثر مما قدمته كل الإجراءات العسكرية الغربية. وأنفقت الولايات المتحدة ثلاثة آلاف مليار دولار على حربها في العراق دون أن نكسب منها شيئاً. وإنفاق قليل من المال وفتح أسواقنا سيكون استثماراً حكيماً في السلام، والديمقراطية، والأمن في منطقة عاشت من دونها لفترة طويلة من الزمن.

    • الكاتب حائز على جائزة نوبل التذكارية في الاقتصاد عام 2001، وأستاذ في جامعة كولومبيا.
يعمل...
X