المخاطر على الدولار أكبر مما يواجه اليورو

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المخاطر على الدولار أكبر مما يواجه اليورو



    تخيل بلداً ينفق المليارات ويطبعها كي يعالج أية مشكلة. والآن تخيل بلداً آخر لا توجد فيه وزارة خزانة مركزية، ما يعني أن عمليات الإنقاذ أقل سهولة، ولديه بنك مركزي مسح السيولة في العام الماضي، بدلا من أن يلجأ إلى سياسة التسهيل الكمي.

    لماذا يفاجئ أي شخص أن البلد الثاني، وهو منطقة اليورو، لديه عملة أقوى من عملة البلد الأول الذي هو الولايات المتحدة؟ هل بسبب القضايا المتعلقة بإعادة تمويل ديون البلدان الطرفية؟ أم بسبب احتمال العدوى؟ هذه قضايا حقيقية وخطيرة، لكن في تقديرنا ينبغي أن يتم تسعيرها استناداً إلى فروقات العائد على سندات منطقة اليورو، وليس اليورو نفسه.


    فكر في الأمر على هذا النحو: في الولايات المتحدة، قدم رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، بن برنانكي، شهادة قال فيها إن التخلي عن معيار الذهب إبان الكساد العظيم ساعد الولايات المتحدة على أن تتعافى بشكل أسرع من البلدان الأخرى. وبالانتقال إلى الوقت الحاضر نعتقد أن برنانكي يتخذ العملة الضعيفة أداة سياسية نقدية للمساعدة في معالجة الحالة الراهنة لاقتصاد الولايات المتحدة. وما يغفله كثيرون هو أن طرفاً ما يجب أن يكون على الجانب الآخر من تلك العملية. واليوم هذا الطرف هو منطقة اليورو التي تملك عملة قوية رغم التحديات الكثيرة في هذه الكتلة التي تضم 17 بلداً.


    قبل عام بدا أن اليورو هو الأصل الوحيد المتداول للتحوط ضد جميع الأمور الخطأ في منطقة اليورو، أو للاستفادة منها. وكان ذلك مدفوعاً جزئياً بالسيولة، لأن بيع اليورو أسهل من خفض دين البلدان الطرفية في منطقة العملة الواحدة. وعندما نجحت هذه العملية تهافت عليها الآخرون. وحين اقترب اليورو من مستويات متدنية بلغت 1.18 دولار، لم تعد العملية رهاناً آمناً باتجاه واحد وتعين على المتداولين أن يتجهوا بأنظارهم إلى مكان آخر. لذلك اليورو أقوى بكثير الآن، لكن دين سندات البلدان الطرفية أضعف بكثير.


    إن اللغة الوحيدة التي يفهمها صناع السياسات هي لغة سوق السندات. وكان ''حوارا رائعا'' يجري ويشجع صناع السياسات على القيام بإصلاحات حقيقية. وكثيراً ما اتخذت حكومات الأقلية قرارات في منتهى الصرامة. وفي نهاية المطاف يعود الأمر لكل بلد ليقوم بتنفيذ الإصلاحات الخاصة به. وقد تتسبب الحقائق السياسية في عدم وفاء كثيرين بوعودهم، ما يؤدي إلى مزيد من ''التشجيع'' في سوق السندات. إن صناع السياسات يكرهون هذا الحوار، لكن يجب عليهم أن يحترموه.


    ربما يعجز أي بلد عن سداد دينه. والمشكلة هي أنه قد يكون من المستحيل أن يحصل على قرض آخر، على الأقل بتكاليف تمويل مستساغة. ويجب على أي بلد يفكر في التخلف عن سداد ديونه أن يكون مستعداً وقادراً على استيعاب العواقب، وهي استئصال العجز الرئيسي بين عشية وضحاها.


    لهذا السبب من مصلحة اليونان أن تؤجل أية إعادة هيكلة للدين حتى يكون قد تم إجراء مزيد من الإصلاح.


    إن ما يتمخض عن العجز عن السداد من خطر أو مكافأة يمكن أن يكون أمرا محبذاً أكثر بعد بضع سنوات من الآن. لقد أخذ النظام المصرفي بالفعل وقتا كافيا للاستعداد لعجز اليونان عن سداد دينها، وقام من بين إجراءات أخرى بتحويل السندات إلى البنك المركزي الأوروبي. ويمكن أن تتسبب الاعتبارات السياسية في حدوث العجز عن السداد في وقت أبكر، لكن اليونان ربما تلحق الضرر بنفسها، مع سحب حافز مهم لإجراء مزيد من الإصلاحات من خلال أسلوب الجزرة والعصا الخاص بالصندوق الذي أسسه الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وزيادة على ذلك، لماذا ترفض الأموال السهلة؟


    إن خفض الدين من الناحية المبدئية أمر ممكن. فقد كانت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في بلجيكا في تسعينيات القرن الماضي 130 في المائة، ومنذ ذلك الوقت أمكن تخفيض هذه النسبة إلى نحو 98 في المائة. ويبدو أن حكومة تصريف الأعمال في بلجيكا قادرة على مواصلة السياسة المالية الحصيفة التي يسير عليها البلد.


    والتحدي الرئيسي الذي تواجهه البرتغال هو أنها بلد صغير لديه حكومة ضعيفة، لكنها قادرة على الوفاء بالتزاماتها.


    وإسبانيا بلد كبير واجه أزمة إسكان - وهذا ليس جديداً في التاريخ الحديث. وفي ضوء تدني دين إسبانيا الكلي نسبة إلى ناتجها المحلي الإجمالي وتصميمها على إصلاح نظامها المصرفي، فإننا أحياناً نقارن إسبانيا بفنلندا. ففي تسعينيات القرن الماضي، واجهت فنلندا أزمة إسكان، عندما انتهت تجارتها مع الاتحاد السوفياتي، وما أعقب ذلك من انفجار نظامها المصرفي وارتفاع البطالة فيها. وكانت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في فنلندا في ذلك الوقت متدنية كما هي الحال في إسبانيا الآن. ويمكن أن يكون من السهل إجراء الإصلاح في فنلندا (لدى فنلندا عملة حرة معومة) لكن إسبانيا لديها اقتصاد حقيقي وموارد كثيرة.


    وتعتبر إيرلندا أكثر تعقيداً، لأن العجز عن السداد قد يكون اعتباراً سياسياً جذاباً. لكننا سنكون أكثر قلقاً حول تداعيات ذلك على الاسترليني وليس على اليورو في ضوء انكشاف النظام المصرفي البريطاني.


    وفي الولايات المتحدة، فإن اليوم الذي يتقبل فيه المستثمرون حقيقة أن التضخم، وليس الانضباط المالي، هو السبيل الذي يواجه أقل قدر من المقاومة السياسية ربما يكون اليوم الذي لا تكون فيه سوق السندات متسامحة كما هي الآن. وخلافاً لمنطقة اليورو التي توقف فيها المستهلكون عن الإنفاق وبدأوا الادخار قبل عقد من الزمن، قد لا يكون المستهلك الأمريكي المثقل بالديون قادراً على تحمل أسعار فائدة أعلى. والعجز الكبير في الحساب الجاري للولايات المتحدة يجعل الدولار مكشوفا بدرجة أكبر لسوق سندات سيئة السلوك منه إلى منطقة اليورو.


    إننا نشعر في المدى المتوسط بقلق أكبر بشأن المخاطر على الدولار الأمريكي من المخاطر التي تشكلها الدراما اليونانية على اليورو.




    الكاتب رئيس شركة ميرك للاستثمارات وكبير مسؤولي الاستثمار فيها.
يعمل...
X