لا تدَعوا سياسياً آخر يدير صندوق النقد الدولي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لا تدَعوا سياسياً آخر يدير صندوق النقد الدولي

    عقب استقالة دومينيك ستراوس ـــ كانْ أصبح صندوق النقد الدولي في حاجة إلى رئيس جديد. ويدور حديث واسع عن جنسية المرشح، وبدرجة أقل كثيراً عن موضوع مهم آخر، هو ضرورة ألا يكون القائد المقبل للصندوق سياسياً نشطاً.

    الأسباب الداعية لأن يكون المرشح سياسياً، وبخاصة سياسياً أوروبياً، تبدو قوية لأول وهلة. فكثير من البرامج الكبرى التي ينفذها الصندوق موجودة في أوروبا. ويجب على الرئيس الجديد أن يحظى بثقة الزعماء الأوروبيين إذا كانوا يأملون في تشكيل إجماع فيما بينهم. وينبغي عليه، أو عليها أيضاً، أن يفهم الفوارق الدقيقة للسياسة الأوروبية، تجنباً للضغط من أجل اتخاذ إجراءات ليس من ورائها أية جدوى.


    وربما كان المرشحون الأكثر قدرة يرغبون في تولي المنصب كوسيلة لتحقيق مآرب سياسية، أو مطية لتولي منصب أعلى. لكن هذه هي الأسباب بالضبط التي تجعل شخصاً مهارته الرئيسية سياسية خياراً غير حكيم. إن القصد من الصندوق هو الدفع نحو سياسات صارمة لتسوية أوضاع البلدان التي أساءت إدارة شؤونها المالية، وليس الفوز في منافسة على الشعبية. فعندما يتواطأ صندوق النقد الدولي مع السياسيين لاقتراح برامج مستساغة سياسياً، فإنه يفشل في القيام بدوره المناسب المتمثل في إصلاح أحد البلدان. إنه يسيء ويضر بمواطني ذلك البلد وبالدائنين الخاصين، وبدافعي الضرائب في العالم الذين يقدمون التمويل لصندوق النقد الدولي. ويلعب الصندوق دوره بشكل أفضل عندما يصبح كبش الفداء الذي يلقي عليه السياسيون باللائمة، وليس عندما يرغب في أن يكون محبوباً. إن الصفقات التي يستسيغها من هم في القمة كثيراً ما يتبين أنها تفتقر إلى الدعم الذي يحظى به برنامج ما مصمم تحديداً وسياسياً لترميم ماليات أحد البلدان. ويغامر الصندوق بالدخول إلى منطقة خطرة عندما يحاول تشكيل إجماع سياسي حيث لا يكون هناك أي إجماع. فذلك هو دور المسؤولين المنتخبين الذي يترتب عليهم إقناع قاعدتهم الانتخابية.


    وإلى الحد الذي تكون فيه الدائرة الانتخابية غير مقتنعة، من المرجح أن يتمزق أي إجماع في القمة. وكون برامج الإنقاذ في اليونان وإيرلندا متعثرة بالفعل ليس بالأمر البسيط، لأن الإجماع الذي تمكن الصندوق من حشده على مستوى منطقة اليورو لم يتمكن السياسيون من ترويجه على نطاق أوسع، مثلا بين جمهور الناخبين الألمان أو اليونانيين. وبينما يعتبر من المبكر جداً إصدار حكم، ربما يظهر التاريخ أن الصندوق، وبالتالي ستراوس ـــ كانْ، كان ينبغي أن يكون أقل نشاطاً في محاولة التوصل إلى صفقة حول الأزمة الأوروبية.


    ولعل أكبر المخاطر هو أن يوضع على رأس الصندوق شخص ما زالت طموحاته السياسية حية. فهنا يوجد خطر حقيقي من أن تكون القرارات المتخذة من قبل شخص له نفوذ كبير على نحو تريليون دولار من التمويل نابعة من التخطيط لتكوين سجل انتخابي في بلده، أو بلدها. ويمكن لحقيقة أنه يتعين على هذا الرئيس أن يكون مسؤولاً أمام دافعي الضرائب في العالم عن بعد فقط، أن تكون ضارة جداً. كل هذا لا يعني القول إن المدير العام المقبل لصندوق النقد لدولي ينبغي أن يكون شخصاً ليس لديه خلفيات سياسية. لكن التاريخ يظهر أن التكنوقراطيين الذين يتمتعون بجاذبية خاصة، المدعومين باقتصاديين أقوياء، يعتبرون أفضل قادة للصندوق. ومن حسن الحظ أن هناك كثيرا من هؤلاء التكنوقراطيين حول العالم ممن قاموا بعمل رائع في إدارة البنوك المركزية، أو الوزارات الحكومية. مثلا، هناك أرمينيوفراجا من البرازيل، أو تريفور مانويل من جنوب إفريقيا، أو مونتيك أهلوداليا من الهند، أو ثارمان شانموراجاراتنام من سنغافورة، وجميعهم يمكن أن يكونوا مرشحين ممتازين.


    لكن هذا يقودنا إلى سؤال بالأهمية نفسها عن كيفية إجراء التعيين، عندما لا يعود المجلس الأوروبي الجهة التي تقرر خلف الأبواب المغلقة من الذي سيحصل على هذه الوظيفة من زملائهم السياسيين. إن أكثر عملية شفافة تتمثل في قيام اللجنة النقدية والمالية الدولية ـــ وهي مجموعة من الوزراء ومحافظي البنوك المركزية التي تحكم الصندوق من الناحية الفعلية ـــ بتشكيل لجنة اختيار مؤلفة من الشخصيات البارزة التالية: لاري سمرز، وجان كلود تريشيه، وإيرنيستو زيديلو وهكذا. إن هذه المجموعة تحظى باحترام واسع، وهي أيضاً تمثل اقتصاد العالم تمثيلاً واسعاً. وينبغي لهذه المجموعة أن تختار قائمة صغيرة من المرشحين المؤهلين يمكن أن يصوت عليها أعضاء الصندوق. لكن من أجل مخالفة التاريخ، ينبغي ألا تشمل تلك القائمة في هذه المناسبة فقط، أية شخصية من الولايات المتحدة أو أوروبا. وهذا يترك أكثر من خمسة أسداس العالم لاختيار مرشح منها ـــ وسيكون إشارة مهمة بأن زعامة العالم الاقتصادية تعترف بتغير ميزان الاقتصاد العالمي.


    ومع صعود ''البقية''، تعتبر الإدارة الاقتصادية العالمية أهم من أي وقت مضي. وإذا كان الساسة الغربيون يريدون أن يتحمل البقية مسؤولياتهم بجد ويضفوا شرعية على نظامنا الخاص بالمؤسسات متعددة الأطراف، يجب أن تكون الخطوة الأولى التخلي عن قبضتهم المحكمة على القوة. وبغير ذلك، لن يكون بمقدر أقوى زعيم سياسي حتى أن يقنع العالم بأن الأمر ليس العمل كالمعتاد، رغم كل الحديث عن التغيير الذي يمكن أن يصدقه المرء.




    الكاتب أستاذ في مدرسة بوث في جامعة شيكاغو ورئيس أسبق للخبراء الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي.
يعمل...
X