سقوط من المجد ملائم ليسار الوسط الأوروبي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سقوط من المجد ملائم ليسار الوسط الأوروبي

    التقى ممثلو يسار الوسط الأوروبي في أوسلو أول أمس، لرسم ملامح مستقبل الحكم التقدمي. وضم التجمع عددا جيدا من الحضور، فهؤلاء سياسيون لديهم من الوقت ما يكفي لأن السلطة في أوروبا الآن بيد يمين الوسط.

    إذا كان هناك شعاع من ضوء يخترق جو الكآبة في العاصمة النرويجية، فقد جاء من فرنسا. وربما يكون التقدميون يواجهون مشاكل في كل مكان تقريباً، لكن الانتخابات الرئاسية الفرنسية في العام المقبل يمكن أن تشهد استعادة اليسار السلطة في واحد من أكبر ثلاثة بلدان أوروبية.


    كان دومينيك شتراوس ـــ كان، المدير الإداري لصندوق النقد الدولي، والشخص الأوفر حظا للفوز بترشيح الحزب الاشتراكي لمنصب الرئاسة، يتمتع بتفوق كبير على نيكولا ساركوزي في استطلاعات الرأي. فهو السياسي الذي يمكن أن يمنح قضية يسار الوسط صدقية اقتصادية عبر القارة الأوروبية.


    بالطبع، كل ذلك كان قبل أنباء نهاية الأسبوع التي وردت من نيويورك. ومهما كانت نتيجة القضية ضد شتراوس ـــ كان، من المستحيل تصور إمكانية نجاة حياته السياسية من هذا الأمر. إن ساركوزي يتنفس بارتياح أكثر الآن في قصر الإليزيه.


    وإذا تعمقنا في التفكير، فإن استثمار كل هذه الآمال في سياسي واحد يشكل تأكيداً لا يمكن دحضه على عمق علة يسار الوسط. إن ما بدأ فشلا لرأسمالية الأسواق الليبرالية تحول إلى أزمة دين عام وعجوزات حكومية. والغضب الشعبي الذي كان موجهاً، عن حق، إلى المصرفيين لم ترافقه استعادة ثقة بالحكومة.


    لا يعني ذلك أن زعماء يمين الوسط الذين يتولون السلطة بحالة جيدة. نعم الاقتصاد الألماني يزدهر، لكن حكومة أنجيلا ميركل أصبحت سجينة عاجزة للخوف الخاص بها. وشعبية ساركوزي هبطت إلى أقصى ما يمكنها من الهبوط في نظر الناخبين. أما سيلفيو بيرلوسكوني، فهو مدعوم بالأموال وبعدم وجود ما يرجى من اليسار الإيطالي. والأمر المذهل هو فشل يسار الوسط بشكل كبير في الاستفادة من حالة عدم الرضا هذه. ومع وجود استثناء واحد، أو اثنين، فإن التقدميين الذين ما زالوا في الحكم يواجهون المشاكل كذلك ـــ وما عليك سوى تذكر اليونان، وإسبانيا، والبرتغال.


    إن الفائز الأكبر من التقشف الاقتصادي كان اليمين المتطرف ـــ آن ماري لو بن في فرنسا، واليمين المعادي للهجرة في اسكندنافيا وهولندا، وعصبة الشمال في إيطاليا. فقد انتزعت توجهاتهم الخاصة بالخوف من الأجانب الأصوات من كل من اليسار واليمين.


    مركز التفكير ''نيتويرك بوليسي'' في لندن، قدم لاجتماع أوسلو تفسيراً ذكياً لأسباب ذلك. فلو كانت الأزمة المالية غلطة المصرفيين الجشعين، والسياسيين والمنظمين غير المبالين، فإن أثرها على الخزانة العامة أعاد دور وحجم تدخل الدولة إلى خضم النقاش السياسي. وهذا أمر غير عادل، كما سمعته من بعضهم. حسنا، هذا صحيح، لكن الحياة غير عادلة.


    وتظهر استطلاعات رأي أجراها مركز التفكير هذا أن الناس خائفون من السلطة ومن حالات عدم العدالة في الأسواق، لكنهم كذلك ليست لديهم ثقة بقدرة السياسيين والدولة على فعل الكثير إزاء ذلك. وما زال الناخبون مرتبطين بأنظمة الرعاية الاجتماعية الأوروبية، ويعتقدون أن أحزاب يسار الوسط يمكن أن ترفع الضرائب على نحو كبير للغاية، دون منافع تتعلق بتحسين الخدمات.


    إذا سحبت هذه الخطوط المتعددة، والمتشابكة في بعض الأحيان، معا فإن الصورة الناجمة عن ذلك هي انهيار الثقة بالدولة ـــ وعلى نحو غير مفاجئ إضعاف التأييد للأحزاب التي ترى أن الحكومة جهة رئيسية لتحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي. إن الرد على التقشف ليس هو التدخل الحكومي الواسع.


    هناك اتجاهات موازية. فقد كان إد ميليباند، زعيم حزب العمال البريطاني، محقا بعض الشيء حين تحدث عن الاستياء المتزايد ''للطبقة الوسطى المحاصرة''. واليسار يقيس العدالة تقليدياً بفجوة الدخل بين الأغنياء والفقراء. وقد تزايدت هذه الفجوة بصورة هائلة، غير أن المسافة بين الطبقتين الوسطى والعليا تزايدت بالدرجة ذاتها كذلك.


    وبدأت تهمة عدم العدالة تجد صداها بين ناخبي الطبقة الوسطى الذين كانوا قبل فترة غير بعيدة يحددون مصالحهم مع أولئك القريبين من أعلى سلم الدخل.


    والخطأ الذي وقع فيه سياسيو يسار الوسط هو أنهم قرأوا الغضب الشعبي من تجاوزات السوق على أنه دعم للدولة التقليدية. وقد يكون شتراوس ـــ كان قدم دليلاً قيماً على الكفاءة الاقتصادية، المترافقة مع القيم التقدمية المعتادة. والأمر الواضح تماماً، رغم ذلك، هو أن الأرض انزاحت من تحت أقدام يسار الوسط. إنه بحاجة إلى خريطة جديدة.
يعمل...
X