أوروبا تقتصد في قول الحقيقة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أوروبا تقتصد في قول الحقيقة

    طوال أزمة الديون السيادية الأوروبية تزعزعت الأسواق المالية بسبب كثير من التصريحات الصادرة عن رؤساء، ومستشارين، ورؤساء وزارات، ووزراء مالية، ومصرفيين مركزيين، ومفوضي الاتحاد الأوروبي وعدد لا يحصى من صغار المسؤولين. ووجد المستثمرون أن من الصعب عليهم أن يتبينوا وجود استراتيجية متماسكة لإضفاء الاستقرار على منطقة اليورو، لكنهم على الأقل أدركوا متى، وأين، وكيف تجري الاجتماعات بشأن الأزمات المهمة.

    ليس بعد. في لقاء لوزراء المالية في لوكسمبورج في السادس من أيار (مايو) تم ترفيع الكذب المتعمد إلى مستوى مبدأ رسمي في السياسة الإعلامية لمنطقة اليورو. فقد أنكر المتحدث باسم جان كلود يونكر، رئيس وزراء لوكسمبورج ورئيس مجموعة وزراء مالية منطقة اليورو، بوضوح أن الاجتماع كان محل انعقاد. وبعد عدة أيام أوضح المتحدث أن رؤساءه أصدروا إليه توجيهات لإذاعة هذا التضليل، بافتراض أن الحقيقة يمكن أن تسبب اضطرابا في السوق.


    ومن الواضح أن هناك مناسبات لا ينبغي فيها لوزير حكومي، أو مصرفي مركزي، أو رئيس تنفيذي لشركة ما أن يعلن كل المعلومات المتاحة له، أو لها. فسيكون من السخف لو أن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، كشف مسبقا عن عملية لقتل أسامة بن لادن الذي حددت الأجهزة الاستخبارية مكانه في مدينة بالقرب من إسلام أباد. ووجود تهديد لاستقرار النظام المالي العالمي لا يتطلب أن تنشر حكومات العالم وبنوكه المركزية تلك الحقيقة قبل أن تحدد ردا.


    لكن هناك خلافا جوهريا بين التكتم على معلومات حساسة للمصلحة العامة والكذب الصُراح. لا يوجد شيء في لقاء لوكسمبورج يبرر الخداع الرسمي. ومع اهتزاز الثقة بإدارة أوروبا لأزمة الديون الخاصة بها، فإن الكذب يثير سؤالا مزعجا حول الصدقية التي ينبغي للمستثمرين والجمهور وضعها في بيانات منطقة اليورو مستقبلا. ومن الصعب استلهام الثقة من تبجح يونكر في مؤتمر في بروكسل الشهر الماضي، بأنه خلال مسيرته العملية المميزة ـ أطول رؤساء الوزراء بقاء في الاتحاد الأوروبي ـ بأنه غالبا ''كان عليه أن يكذب''. ولا يملك المرء سوى الأمل في أن ماريو دراجي، الإيطالي المنتظر أن يصبح الرئيس المقبل للبنك المركزي الأوروبي، لن يهرول لاستعارة صفحة من كتاب يونكر.


    في اتحاد نقدي متعدد الدول، يواجه أكثر الظروف درامية منذ أن وجد، لا مفر لصانعي السياسة من عقد اجتماعات خلف أبواب مغلقة. لكن الاحتفاظ بما دار فيها سرا يختلف عن الكذب بشأن عقدها. للفيلسوف الإنجليزي ـ الإيرلندي المحافظ، إدموند بيرك، قول جيد في هذا الشأن. فقد كتب في 1796: ''التضليل والخداع غير مباحين في أي حال أيا كان. لكن مثلما هو الحال عند ممارس كل الفضائل، هناك اقتصاد في الحقيقة''.
يعمل...
X