القواعد المالية يجب ألا تكون «مقاسا واحدا» للجميع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القواعد المالية يجب ألا تكون «مقاسا واحدا» للجميع

    التغييرات الواسعة في القواعد المالية العالمية تستغرق في العادة سنوات لتطبيقها وسريان مفعولها، وتخسر بسرعة مدى ملاءمتها ومناسبتها. جاءت اتفاقيات بازل 2 في أعقاب اتفاقيات بازل 1، واحتاجت كل منهما إلى عشر سنوات لتطبيقها. وقد أنهت الأزمة المالية العالمية بصورة مفاجئة اتفاقيات بازل 2. وربما لا تكون الحال مختلفة بالنسبة لاتفاقيات بازل 3، لكن الخطر الماثل أمامنا هو أن القواعد المقترحة في الوقت الحاضر لعلاج الأمور تتناول مشاكل الأمس. إذا كانت هذه القواعد الإصلاحية تبدو قديمة منذ الآن، فإنها ستبدو لا علاقة لها بالوضع بحلول عام 2018، وهو الموعد النهائي للتطبيق التام للقواعد.

    حتى ينجح الإصلاح لا بد من أن ندرك الأهمية المتزايدة للبلدان النامية. عملت مجموعة العشرين ومجلس الاستقرار المالي على دفع الإصلاحات التنظيمية استجابة لأزمة عام 2008 التي كادت أن تؤدي إلى انهيار تام للأنظمة المالية. لذلك ليس من المستغرب أن تهدف هذه البلدان إلى إصلاح النظام المالي في البلدان المتقدمة. وأعطت مجموعة العشرين ومجلس الاستقرار المالي تمثيلاً أكبر للبلدان النامية، لكن من الممكن أن يمضي التنظيم خطوة أبعد من حيث إدراك المضامين المترتبة على البلدان النامية التي تشكل اليوم نصف النمو العالمي تقريبا، والتي يوجد فيها ثلث البنوك. وفي حين أن البلدان النامية حققت النمو والتطور، إلا أن أسواقها المالية لم تلحق بها. بالتالي الحلول التي تصلح للبلدان المتقدمة لا تصلح بالضرورة للبلدان النامية.


    هناك أربع نقاط مهمة تثير القلق بالنسبة للمنهج الذي يشبه تطبيق المقياس نفسه على جميع البلدان، وهي: تطبيق بازل 3، ووكالات التقييم الائتماني، والمؤسسات التي تعتبر ''أكبر من أن تفشل''، ومعايير المحاسبة والتدقيق الدولية.


    من الممكن أن يؤدي تطبيق بازل 3 إلى عواقب غير مقصودة من شأنها أن تضع بنوك البلدان النامية في وضع لا يناسبها. إذ من الممكن أن يعمل تشديد قواعد الرسملة والسيولة على وضع البنوك أمام خيار خطير، فإما أن تجمع رأس مال جديد وإما تقلص أعمالها. لكن ربما لا تكون أسواق البلدان النامية متمتعة بالسيولة الكافية لمساندة عمليات جمع رأس المال. وربما لا يكون الاقتراض من الأسواق الدولية خياراً متاحاً لتلك البنوك، لأنه لا بد لها أن تتنافس مع الاقتراض المكثف الذي تقوم به بلدان وحكومات الدول المتقدمة.


    كذلك اتفاقيات بازل 3 تميز ضد البلدان النامية من خلال تقليص أعمال التمويل التجاري الذي يعتبر أكثر أهمية بالنسبة للنمو في تلك البلدان مما هو بالنسبة للبلدان المتقدمة. وهي تفرض متطلبات هامشية أعلى على هذه الشركات التي تتسم تقليدياً بالهوامش والمخاطر المتدنية. فإذا لم تتمكن البنوك من جمع رأس المال فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى تقليص أعمال التمويل التجاري، وهو مصدر مهم لرأس المال العامل، وبالتالي يؤدي ذلك إلى تقليص الوظائف.


    حين تسعى الأجهزة التنظيمية لتثبيط البلدان المتقدمة عن الاعتماد المفرط على وكالات التقييم الائتماني الخارجية، ينبغي لها أن تحاذر ألا تضر بظهور الوكالات الجديدة في البلدان النامية، والتي يمكن أن تعمل على خلق مزيد من أعمال تقييم المخاطر المستنيرة على المستوى المحلي وتنويع وجهات النظر.


    كذلك أسلوب الأجهزة التنظيمية في التعامل مع فكرة المؤسسات التي هي ''أكبر من أن تفشل'' يفَوِّت الأثر المترتب على البلدان النامية والاقتصاد العالمي. تركز تلك الأجهزة على المخاطر المترتبة على ''منطقة الاختصاص المحلي'' الذي يكون في الغالب بنكاً كبيراً في أحد البلدان المتقدمة، بفعل الإخفاق في ''منطقة اختصاص مضيف''، والتي تكون في الغالب شركة تابعة كبيرة للبنك نفسه. وهي بحاجة إلى أن تولي مزيدا من الاهتمام للمخاطر الأرحب. إذ ربما لا يبدو البنك التابع في أحد البلدان النامية متمتعا بأهمية كبيرة ضمن شركته العالمية، لكن إخفاقه يمكن أن تكون له آثار مدمرة على الاقتصاد المحلي، ومن الممكن أن يشعل فتيل عدوى عالمية.


    إن آراء البلدان النامية ليس لها وزن يذكر في الجهود الرامية إلى تحسين معايير المحاسبة والتدقيق العالمية. فهي تجلس بصفة مراقب في الوقت الذي تجهد فيه مؤسسات وضع المعايير في أوروبا والولايات المتحدة للاتفاق على مجموعة واحدة من المعايير. هذا الجدال عبر الأطلسي بحاجة إلى أن يتوسع ليشمل البلدان التي هي داخل وخارج مجموعة العشرين، بحيث تكون المعايير الجديدة عالمية بالفعل. إذا لم يؤخذ في الحسبان الجوانب التي تثير قلق البلدان النامية، فلن يكون لديها حافز يذكر لتبني تلك المعايير. ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث فرص للمراجحة التنظيمية، على نحو تنتقل فيه التعاملات المالية الخطرة إلى الأسواق الأقل تنظيماً من غيرها.


    إن الإخفاق في النظر بجدية كافية إلى البلدان النامية، وتجاهل العواقب غير المقصودة، وفرض حلول ''مقاس واحد'' للجميع، كل ذلك يمكن أن يعمل على تقويض الجهود الرامية إلى إنشاء نظام مالي عالمي مستقر. لا بد للإصلاح المالي أن يكون متواصلاً، وأن يأخذ في الاعتبار مواطن قلق البلدان النامية، وأن ينصت إلى الآراء والتغذية الراجعة، بحيث تكون القواعد الجديدة مناسبة لعالمنا المتغير. والبديل عن ذلك سيكون قواعد تتجاهل الوقائع المتغيرة، ما يهدد العالم بمزيد من مشاعر اللبس.




    الكاتب كبير الإداريين الماليين لمجموعة البنك الدولي، وهو يمثل المجموعة في مجلس الاستقرار المالي.
يعمل...
X