الأمريكيون ذوو الحيوية الفائقة يقاومون حياة التقاعد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأمريكيون ذوو الحيوية الفائقة يقاومون حياة التقاعد




    في مأدبة عشاء حضرتها منذ فترة قريبة، كنت جالسة بجانب هنري لويس جيتس الابن، وهو أستاذ أسود يدرِّس الأدب في جامعة هارفارد، ويتمتع بمسيرة مهنية لامعة كمفكر معروف (ثم احتل اسمه الصفحات الأولى قبل سنتين، حين اعتُقِل في حادثة لها طابع عنصري من قبل عناصر شرطة بيض، حين حاول اقتحام مسكنه).

    أخذ البرفيسور جيتس يتحدث ببهجة ومرح عن الدوامة التي تسبب الدوار والتي اتسمت بها حياته: فهو يقوم منذ فترة بإعداد أفلام وثائقية عن السود في أمريكا اللاتينية، ويؤلف الكتب، ويشرف على تحرير موقع على الإنترنت، وهو كذلك عضو في عدد من مجالس الإدارات المختلفة. ولا ننسى ''عمله اليومي'' – أي إدارة أحد الأقسام في جامعة هارفارد (معهد الأبحاث الإفريقية والأمريكية الإفريقية).


    لكن كان هناك أمر غريب ظهر فجأة. فقد اعترف البروفيسور جيتس بصورة عَرَضية بأنه في الستين من عمره – أي أنه يقترب من السن التي يبدأ فيها كثير من الأوروبيين الحصول على راتب تقاعدي. وسألته: ''هل تعتزم أن تتقاعد؟''.


    وكان جوابه ''أبداً'' – قبل أن يعرض على مسامعي مجموعة جديدة من المشاريع التي يمكن أن تبقيه مشغولاً خلال السنوات العشرين أو الثلاثين المقبلة.


    أهلاً بكم في واحد من الفروق الخفية التي تفصل بين أوروبا وأمريكا. في لندن سيكون من الغريب أن تقابل شخصاً في الستين من عمره ويكون مملؤا بالنشاط ولا يزال يسعى لإنشاء حياة مهنية جديدة. وبصرف عن مدى حيوية الشخص التي ربما كان عليها حين كان في الأربعين أو الخمسين من عمره، فما أن يحل الوقت الذي يدخل فيه في سن التقاعد، يكون معظم الناس في المراحل الأخيرة من حياتهم المهنية، أو في حالة تقليص مهني. ويعود بعض السبب في ذلك إلى أن كثيراً من الشركات لديها أعمار تقاعد إلزامية، لكن حتى في مجال السياسة، أو الفن، يُعتبر سن 60 أو 65 سنة في الغالب نقطة انفصال طبيعية عن العمل.


    لكن بالمقابل نجد أن موائد العشاء التي يحضرها أهل النخبة في أمريكا تمتلئ بأشخاص في الخمسينات والستينات وحتى السبعينات من أعمارهم، وهم يعملون على إنشاء شركات، أو مشاريع، أو خطوط مهنية، أو علاقات جديدة. ولا شك أن قلة من هؤلاء الناس يظهرون بالفعل وكأنهم في سن السبعين، لكن بمجرد أن يبدأ المُحَرِّك بالحديث، لا يستطيع حتى عقار بوتوكس (الذي يخفي التجاعيد) أن يخفي ما لديه من عقود من الخبرة. بالنسبة لهذه النخبة الرفيعة، يعتبر سن الستين هو سن ''الأربعين الجديدة'' – كما أن سن الثمانين لا يُعَدُّ سبباً للسكون والخمول. خذ مثلاً هنري كيسنجر (88 عاماً) الذي نشر في الفترة الأخيرة كتاباً قوياً عن الشؤون الخارجية؛ أو بول فولكر (83 عاماً)، الذي يعمل مستشاراً للبيت الأبيض؛ أو وارين بوفيت (80 عاماً)، الذي لا يزال يهيمن على العالم الاستثماري؛ أو كارل إيكان (75 عاماً)، ملك شراء الشركات الخاصة؛ أو نانسي بيلوسي (71 عاماً)، رئيسة مجلس النواب الأمريكي (من الحزب الديمقراطي) أو مادلين أولبرايت (75 عاماً)، التي تعمل حالياً أستاذة جامعية لمادة العلاقات الدولية.


    إن أخلاقيات العمل لا تتوقف عند النخبة المختارة في أمريكا. من الناحية النظرية، لا يعتبر متوسط سن التقاعد في الولايات المتحدة، البالغ 66 عاماً، أمراً غير عادي بالمقاييس العالمية. لكن ما يلفت النظر هو كيف أن كثيراً من الأمريكيين يختارون – أو يُكرَهون – على العمل بعد بلوغهم سن التقاعد الرسمي. في بريطانيا لا يزال 40 في المائة فقط من المجموعة العمرية 60 – 64 عاماً يعملون، في حين تنخفض النسبة ضمن المجموعة العمرية 65 – 69 إلى 10 في المائة، وبالنسبة لمن تجاوزوا السبعين تبلغ النسبة 2 في المائة فقط. أما في الولايات فإن نحو نصف الذين تقع أعمارهم في الفئة 60 – 64 سنة لا يزالون يعملون، وكذلك نسبة الخُمس من الذين تقع أعمارهم ضمن الفئة 56 – 69 سنة، و5 في المائة من الذين تزيد أعمارهم على 70 عاماً.


    بطبيعة الحال لا يمثل هذا دائماً ''اختياراً'' لأسلوب الحياة. بالنسبة لملايين الأمريكيين من كبار السن في الوقت الحاضر كان العمل مفروضاً عليهم بسبب الضرورة الاقتصادية، إما لأن الركود الاقتصادي الأخير حطم خططهم التقاعدية، وإما لأنهم بلغوا من الفقر مبلغاً بحيث أنه لم تُتَح لهم أبداً الفرصة ''للادخار''. ويمكن لهذا الضغط الاقتصادي أن يزداد سوءاً في المستقبل. ذلك أن خطط التقاعد من الشركات والولايات تعاني من العجز، ويجري تقليص منافع الرعاية الصحية. وهناك ضغط سياسي لرفع سن التقاعد إلى 68 سنة وما وراء ذلك. وربما لا يكون معنى ذلك بالضرورة الإحساس بشظف العيش بالنسبة للأمريكيين الأثرياء، لكن الأمريكيين الفقراء لم يشهدوا الزيادة نفسها في معدلات الأعمار.


    وفي حين أن العمل لفترات أطول من العمر يعتبر لعنة قاسية لبعض الناس، إلا أنه بالنسبة للأشخاص الذين من قبيل جيتس يعتبر نوعاً من التحرر. ويقول جيتس بحماسة: ''إن جوهر أمريكا هو إعادة الاختراع – بمقدورنا الآن أن نعيش العمر عدة مرات!''. كما أن حماسته معْدِية للآخرين. وباعتباري بريطانية تبلغ من العمر 43 عاماً، كنت أفترض أنني بلغت منتصف الطريق في حياتي المهنية، لكنني أخذت أعيد النظر في تفكيري. أليس من الممكن أن يتحول ''التقاعد'' إلى فكرة غريبة تنتمي إلى القرن العشرين؟ هل نستطيع أن نعيش أكثر من حياة في أيامنا المقبلة مما ندرك؟ من الأفضل المحافظة على تناول الفيتامينات. وأن تمتد اليد إلى صبغة الشعر.
يعمل...
X