العبث لن ينجح هذه المرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العبث لن ينجح هذه المرة

    ليس هناك أي منظمة سياسية في العالم لديها من المهارة ما لدى الاتحاد الأوروبي عندما يتعلق الأمر بالعبث. فكي تتفق الدول الـ 27 الأعضاء فيما بينها، يعتبر فن الحلول الوسط حيوياً. وقد خدم العبث الاتحاد الأوروبي جيداً على مر السنين.

    كانت الاتفاقية التي توصل إليها زعماء الاتحاد الأوروبي في الأسبوع الماضي عبثاً ذكياً من الناحية السياسية. لقد حصلت أنجيلا ميركل على ما كانت تريده بالضبط: اتفاقية تحد من مسؤولية ألمانيا المالية. وبإمكان الدول الأخرى أن تتعايش مع تلك الاتفاقية. وهناك بعض التفاصيل الفنية التي ما زال يتعين تحديدها، لكن الاتفاقية ناجزة من الناحية الأساسية.


    ومن سوء الحظ أنك لا تستطيع أن تعبث في أزمة دين.


    من الناحية الجوهرية هناك طريقتان لحل أزمة مالية: من خلال الإنقاذ، أو من خلال التخلف عن السداد. أو من خلال جمع ذكي بين الطريقتين إذا كنت تعرف ما الذي تفعله. وإذا عبثت تنتهي بخيار العجز عن السداد حرفياً.


    إذن، إلى أين تقودنا هذه الاتفاقية؟ للإجابة على هذا السؤال، من المهم أن نفهم اثنتين من النواحي الفنية لآليات الإنقاذ المالي التي تم التوصل إليها أخيرا. ينتهي العمل بالآلية الحالية - صندوق الاستقرار المالي الأوروبي – عام 2013. وهي تمنح القروض للدول المتعثرة، وربما تقوم عما قريب بشراء سنداتها في الأسواق الرئيسية. وهذه تنطبق بدرجة متساوية – بالشروط نفسها - على استثمارات الآخرين جميعاً. ويعني ذلك أنه إذا عجز البلد عن السداد، سيتضرر الجميع بالتساوي. وإذا كانت، لنقل اليونان، ستعجز عن السداد اليوم، فيتعين على ألمانيا وفرنسا أن تفيا بالضمانات الائتمانية التي قدمتاها لصندوق الاستقرار المالي الأوروبي. وستكون هذه كارثة سياسية. سيصرخ المحافظون الألمان ''اتحاد الحوالات'' ويجرّون ميركل إلى المحكمة الدستورية الألمانية. ولذلك، الدول الدائنة لن تسمح بالعجز عن السداد حتى عام 2013.


    في 2013 سوف تحل آلية جديدة محل صندوق الاستقرار المالي الأوروبي، هي الآلية الأوروبية للاستقرار. والفرق المهم بين الآليتين هو أن القروض المقدمة بموجبهما سيكون لها الأولوية على قروض المستثمرين الخاصين. والفكرة هي جعل العجز عن السداد ممكناً، بخطر معتدل فقط على ميزانية البلدان الدائنة. وبحلول عام 2013، ينبغي أن تكون البنوك الأوروبية في مراكز أفضل من اليوم لاستيعاب الخسائر الكبيرة، أو هذا ما يأمل فيه المرء. وهذه هي نهاية الأزمة.


    إن الإتيان بهذه الفكرة يتطلب قدراً كبيراً من الجهل بالكيفية التي تعمل بها الأسواق المالية. ومن سوء الحظ أن الأمية المالية هي ـ على الدوام ـ سمة تميز كثيرا من السياسات الاقتصادية الأوروبية.


    الأمر الذي كان يحدث هو أن المستثمرين الذين يتطلعون إلى الأمام يرون من خلال هذا النظام، ويقيمون بشكل صحيح خطر العجز عن السداد في المستقبل، وبالنسبة للسندات الحالية أيضاً. وهم يعلمون أنه عندما يعجز أحد البلدان عن السداد سيتم التعامل مع السندات القديمة والجديدة بالطريقة نفسها. ولديهم تخوف أيضاً بشأن سندات البلدان المجاورة. إن إسبانيا ميسورة الحال بالطبع، لكن حدوث تفجر داخلي في البرتغال وتراجع آخر محتمل في أسعار المساكن الإسبانية يشكلان عوامل خطر. وهكذا ربما تكون إسبانيا بحاجة لوصول مؤقت إلى آلية الاستقرار الأوروبية في وقت من الأوقات، وعندها يصبح جميع حملة السندات الإسبانية تلقائياً في مرتبة ثانوية. وبعدئذ لن يعود أولئك المستثمرون يمتلكون سنداً حكومياً تقليدياً، بل شريحة ذات تصنيف متوسط من منتج دين معقد - وهو منتج تم خفض تصنيفه من قبل وكالة تصنيف كبيرة في الأسبوع الماضي. وعليه، إذا كنت أحد حاملي السندات الإسبانية وسمعت خبراً من بروكسل بأنه تم الاتفاق الآن على آلية الاستقرار الأوروبية، وهي كبيرة بما يكفي لتشمل إسبانيا، فإن لديك سبباً يدعو إلى الخوف الشديد.


    لكن خسارتك ربما لا تكون بالضرورة ربحا لشخص آخر. وهذه هي المفارقة في ذلك كله. ومن غير المرجح لصناع السياسات في ألمانيا أو فرنسا أن يدفعوا نحو عجز مدار عن السداد في 2013 كما يفعلون الآن. فبعد انهيار بنك ليمان رفضوا بحق الإقدام على خطر انهيار شامل يمكن أن يعتبروا مسؤولين عنه. لكن إذا كانوا خائفين من حدوث عجز عن السداد الآن، فسوف يكونون كذلك في 2013. وفي ذلك الوقت سوف يقول السياسيون لأنفسهم: دعونا نعمل ما نتقنه أكثر من غيره، ونعبث مرة أخرى. سوف يقدمون قرضاً آخر بأسعار فائدة عالية جداً ويطالبون بخطة تقشف أخرى - خطة لديها فرصة ضئيلة للنجاح كالخطط الحالية.


    سوف تستمر هذه اللعبة إلى أن ينهار اقتصاد البلد المدين تحت عبء الدين المترتب عليه، وعندها يكون العجز الذي لا مفر منه عن السداد في منتهي الفوضى. وإذا كنت محظوظاً لن تكون على رأس منصبك في ذلك الوقت وتستطيع أن تلوم من جاء بعدك على تلك الفوضى.


    إذن، ما الذي ينبغي عمله بدلاً من ذلك؟ يمكنك إما أن تقبل منطق العجز عن السداد وأن ترتب له الآن، يليه برنامج ضخم لعمليات إنقاذ البنوك وإعادة رسملة البنك المركزي الأوروبي ودعم ائتماني للبلد الذي يعجز عن السداد. وإما أن تقبل بمبدأ الإنقاذ، ليس من خلال الحوالات العابرة للبلدان، بل من خلال سند أوروبي موحد يحل محل كل الدين الوطني. وأنا شخصياً سآخذ بذلك الخيار. وكان يمكن لآلية إنقاذ ضخمة وعالية المرونة تساوي بين الجميع، والقدرة على تعهد الدين أو شراء السندات في الأسواق الثانوية، أن تكون خطوة في ذلك الاتجاه.


    لقد قالت ميركل في مؤتمر صحافي إن التنازل الوحيد الذي قدمته – كي تكون آلية الاستقرار الأوروبية قادرة على شراء السندات في الأسواق الرئيسية - لن يحدث فرقاً كبيراً. إنها على حق. ذلك أن آلية الإنقاذ في شكلها الحالي هي مجرد تسهيلات للطوارئ. لقد حصل الاتحاد الأوروبي لنفسه على ترتيب يحتل مركزاً وسطاً بين الإنقاذ والعجز عن السداد، وهو يعبث بأزمة لا نهاية لها.
يعمل...
X