تهديد جديد لديون منطقة اليورو

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تهديد جديد لديون منطقة اليورو

    في هذه الأيام لا تكتمل أية قمة أوروبية من دون اتفاقية جديدة لحل أزمة الديون المترتبة على منطقة اليورو. ومن المثير للاهتمام دائماً رؤية كم تستغرق الأسواق حتى تفقد ثقتها في الحل الأخير. فأحياناً يدوم الحل أشهراً، وأحياناً أسابيع، وأحياناً أياماً فقط.

    الاتفاقية التي تم التوصل إليها في عطلة نهاية الأسبوع في بروكسل لتعزيز صندوق الإنقاذ البالغة قيمته 440 مليار دولار، الذي خصصته المجموعة للبلدان المبتلاة بالدين، هي أحدث حزمة إنقاذ. وستغطي عليها الأحداث المرعبة الجارية في ليبيا واليابان. وربما يعمل ذلك على تأخير رد الفعل المتشكك في الأسواق ويشتري بعض الوقت لأوروبا. لكن تأكدوا أن أزمة الدين الأوروبية ستعود.


    والسبب في ذلك هو أن المشكلة الأوروبية الأساسية الآن ليست اقتصادية – بل سياسية. إن الشك الأوروبي يتزايد عبر الاتحاد الأوروبي، في البلدان التي تلقت عمليات الإنقاذ وفي البلدان التي مولت تلك العمليات. وذلك يزرع مشاعر الاستياء بين البلدان ويجعل من المستحيل على الزعماء أن يقدموا التنازلات الضرورية.


    والخلاف الذي وقع حول إيرلندا في عطلة نهاية الأسبوع الماضي يوضح هذه النقطة. فقد تم إبلاغ الحكومة الإيرلندية الجديدة بأنها ستحصل على تخفيض لسعر الفائدة الربوي الذي تتقاضاه بقية البلدان الأوروبية منها، فقط إذا وافق الإيرلنديون بدورهم على زيادة معدل الضريبة المتدنية جداً التي تفرض على الشركات. وهذا تنازل لا تستطيع أية حكومة إيرلندية أن تقدمه. ذلك أن قدرة إيرلندا على تحديد معدل الضريبة التي تفرضها على الشركات أصبحت رمزاً للسيادة الوطنية. وتعهدت الحكومات المتعاقبة بعدم التخلي عنه – بسبب أهميته كوسيلة لاستقطاب الاستثمار في وقت يصارع فيه البلد لإنعاش اقتصاده.


    لكن بالنسبة للحكومتين الفرنسية والألمانية من الضروري من الناحية السياسية أن تطلبا إدخال تغيير على المعدلات الضريبية في إيرلندا. فكيف يمكنهما إقناع الناخبين بتقديم التنازلات لبلد يعتبر أنه يسرق الوظائف عبر ''خفض الضرائب؟''.


    إن جميع الحكومات المعنية واقعة تحت ضغط هائل. فقد رأت إندا كيني، رئيسة الوزراء الإيرلندية، الحكومة الإيرلندية الأخيرة للتو يطاح بها في صناديق الاقتراع على يد الناخبين الذين أثارت أزمة اليورو غضبهم. ويواجه الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، استطلاعات الرأي بخصوص الانتخابات الرئاسية التي ستجري في العام المقبل، ويأتي فيها خلف مارلين لو بان، من الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، التي ترفض المشروع الأوروبي باعتباره مخالفاً للمصالح الوطنية الفرنسية.


    وبالنسبة إلى المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، فهي تخشى أيضاً من كارثة انتخابية. فالصحافة الألمانية والشعب الألماني يصرخان بشأن إمكانية تقديم مزيد من القروض الطارئة لأوروبا. وهددت المحاكم بالحكم بعدم قانونية عمليات الإنقاذ. والأحزاب التي كانت تؤيد التوجه الأوروبي في وقت من الأوقات، كحزب الديمقراطيين الأحرار، يتزايد شكها في أوروبا.


    وفي الأجواء الاقتصادية والسياسية الجديدة داخل الاتحاد الأوروبي، لا تشعر أي من الحكومات الوطنية الرئيسية أن لديها أي مجال للمناورة. وعلى جانبي الانقسام حول اليورو تخشى الحكومات الوسطية من صعود الأحزاب القومية والمتطرفة. وهذا يجعل التوصل إلى اتفاقيات في الاتحاد الأوروبي أمراً أصعب بكثير، ما يزيد الأزمة الاقتصادية سوءاً، وهذا بالتالي يزيد الأزمة السياسية سوءاً.


    وتعتبر ألمانيا البلد الرئيسي الذي يدفع لإدخال إصلاحات اقتصادية هيكلية قاسية في منطقة اليورو. وقد تم تقديم مقترحاتها في هذا الشأن بالاشتراك مع فرنسا. لكن القيود المتشددة على الدين، والعجوزات، وتأخير سن التقاعد التي تم الاتفاق عليها في معاهدة اليورو في الأسبوع الماضي ذات صبغة ألمانية في روحها.


    إن الألمان قادرون على ممارسة نفوذهم لأن اقتصادهم آخذ في الازدهار، في حين أن كثيرا من بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى ما زال يصارع. ويقول أحد كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي في بروكسل إن هذه ليست العلاقة الفرنسية الألمانية التي بنيت على أساس المساواة: ''ألمانيا بحاجة إلى فرنسا كي تخفي مدى قوتها. وفرنسا بحاجة إلى ألمانيا كي تخفي مدى ضعفها''.


    إن البلد الذي يشارك ألمانيا موقفها بشأن أزمة اليورو هو هولندا التي يوضح تاريخها السياسي الحديث الضغوط التي تمارس على ميركل. وبالفعل، صعود الشك الألماني في اليورو، غطت عليه الأحداث التي جرت في هولندا. فالهولنديون، كما الألمان، كانوا أعضاء مؤسسين لما أصبح الاتحاد الأوروبي في عام 1975. وفاخرت النخبة الهولندية، كنظيرتها الألمانية، بالتزامها بالوحدة الأوروبية.


    لكن موقف هولندا التقليدي من أوروبا انقلب إلى النقيض عندما رفض الناخبون الهولنديون دستوراً مقترحاً للاتحاد الأوروبي عام 2005. وأدرك ساسة البلد أنهم أخطأوا في قراءة مشاعر الناخبين وتبنوا منذ ذلك الوقت سياسات أكثر تشدداً بشأن كافة المواضيع، من الهجرة إلى الإنفاق الأوروبي. لكن انحراف السياسة الهولندية إلى اليمين تواصل. ويعتبر حزب الحرية الذي يتزعمه جيرت ويلدرز، والذي يعارض بقوة هجرة المسلمين والاتحاد الأوروبي، الآن قوة رئيسية في السياسة الهولندية.


    وتعلم المستشارة الألمانية أن الغضب بشأن الاتحاد الأوروبي وبشأن الهجرة قوي ويحسب حسابه في بلدها أيضاً. لقد تحدث ويلدرز إلى الجماهير المتحمسة في ألمانيا. وتعتبر فكرة ظهور ويلدرز ألماني أكبر كابوس بالنسبة لميركل. ويعد هذا أحد الأسباب الرئيسية التي تجبرها على اتخاذ خط متشدد في المفاوضات الأوروبية. إن صعود اليمين المتطرف خبر سيئ في فرنسا وهولندا، لكنه سيكون كارثة في ألمانيا.


    ولتجنب خطر التطرف السياسي في ألمانيا ، فإن المشكلة هي أن ميركل تطالب بسياسات تقشفية في بلدان كاليونان تشكل خطراً في المدى الطويل على استقرارها السياسي. ولا يعرف الزعماء الأوروبيون ما إذا كان يتعين عليهم أن يخافوا أكثر من أسواق السندات أو من ناخبيهم.
يعمل...
X