رأسمالية المحسوبية تنشر البؤس في مصر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رأسمالية المحسوبية تنشر البؤس في مصر

    تمكن الثوار الشباب في مصر وتونس، بعد نجاحهم في إسقاط حسني مبارك وزين العابدين بن علي، من تطهير الحكومتين من أتباعهما وبدأوا الآن باستهداف منفذي قانون الدولة البوليسية. لكن في وقت يبدو فيه أن تعطشهم إلى الإصلاح السياسي كبير جداً، لم يظهر الكثير عن موقفهم تجاه الإصلاحات الاقتصادية التي تحتاجها دولتاهما بشدة. والجدل حول هذا الأمر، حين يأتي، سيكون موجعاً بقدر الاضطرابات السياسية. ويعود هذا لأن نظامي مبارك وابن علي اللذين كانا يديران الاقتصادين كمضاربين في يد دائرة ضيقة من الفاسدين وأصحاب الامتيازات، ربما يكونان قد أفقدا فكرة الإصلاح صدقيتها.

    وتشويه الصدقية هذا هو الأعظم حتى الآن، لأن مصر وتونس كانتا تعتبران من قبل هيئات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، رائدتين في الإصلاح الاقتصادي في المنطقة، في حين أن ما رآه المصريون والتونسيون هو المحسوبية والتمسك بالنظام. وكان عذر الحكومات الغربية وعملائها العرب أن ''الإصلاح الهيكلي'' يمكن أن يطلق العنان للإصلاح السياسي - ''أعطونا بعض الليبراليين لنستخدمهم في التحرير'' كما قال سفير الولايات المتحدة لدى القاهرة - مثيرا للضحك.


    وأشركت مصر أحياناً التكنوقراطيين في محاولة موثوقة نظرياً، لتخطيط الانتقال من الاقتصاد الموجه الذي يسيطر عليه القطاع العام، إلى الاقتصاد عالي النمو، المدفوع بالاستثمار والتصدير. وأدت تدابير مثل التخصيص المحدودة، في الواقع، إلى ارتفاع ملموس في الاستثمار. إلا أن الفحص الدقيق للسياسة كان سيكشف صورة من التحول وليس التغيير.


    مثلا، كان التخصيص يحابي دائما الموالين للنظام، مثل أحمد عز، المهيمن على صناعة الصلب، والذي أصبح زعيماً للحزب الحاكم لمبارك وحليفاً لابنه المصرفي، جمال مبارك. ويواجه عز اتهامات تتعلق بأعماله التجارية وأنشطته السياسية، في حين تم تجميد أصول عائلة مبارك. وعن طريق تجزئة الامتيازات لرجال الأعمال الموالين، وسّع النظام القائم على الجيش والأجهزة الأمنية قاعدته. ورفض رجال الأمن الموالون للنظام الإصلاحات الحقيقية - بما في ذلك إدخال تغييرات أمر بها مبارك على قانون الشركات - ووصفوها بأنها قيود على سلطاتهم التقديرية. لذا، بدلا من التصدي لاقتصاد الداخليين، وسع النظام دائرة الداخليين.


    وفي هذا المهد من الإثراء المتبادل، دخل عشرات رجال الأعمال البرلمان - مقعد رعاية بدلا من سلطة - في حين انضم الضباط المتقاعدون إلى مجالس إدارة شركاتهم. وفي هذا ''التعايش الشرير بين السلطة ورأس المال''، كما يصفه نادر فرجاني، المؤلف المصري الرئيسي لتقرير التنمية البشرية العربية لعام 2002 للأمم المتحدة، ازدهر شكل كسول من رأسمالية المحسوبية، إلا أن معظم المصريين لم يزدهروا.








    وزاد عدد المصريين الذين يعيشون على دولارين يومياً، أو أقل، من 39 في المائة إلى 43 في المائة تحت رئاسة مبارك. ومن عام 2005، بعد استئناف الإصلاح، اضطرت حكومته إلى زيادة الإنفاق على إعانات الغذاء والوقود بنسبة ثلاثة أضعاف، من 8.1 في المائة إلى 26.1 في المائة من النفقات الحكومية الجارية. وتقلص الإنفاق على المدارس والبنية التحتية. والآن، وفق حسابات صندوق النقد الدولي، يجب أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 10 في المائة سنوياً في العقد المقبل فقط، لاستيعاب العاطلين عن العمل حالياً والداخلين الجدد إلى القوة العاملة.


    وأدت الأزمة إلى إضطرابات أطلقت العنان للمطالب المكبوحة بالحصول على أجور وظروف أفضل. ومعظم أجزاء الاقتصاد في حالة جمود.


    وتمكنت مصر حتى الآن من المضي مترنحة كاقتصاد ريعي منحرف من نوع مختلف عن أنموذج الدول الغنية بالنفط، إذ تجني ما بين ثلثي وثلاثة أرباع عملتها الأجنبية من المساعدات الخارجية، ومبيعات الغاز، ورسوم قناة السويس، والحوالات المالية، والسياحة. علاوة على ذلك، المؤسسة العسكرية معزولة في امبراطوريتها التجارية الخاصة بها، وهي تحصل على معظم أسلحتها من المساعدات السنوية التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر بقيمة 1.3 مليار دولار.


    إن ما تحتاج إليه مصر هو نظام تعليم حديث. وهي بحاجة إلى مؤسسات قائمة على القانون. وتحتاج إلى بيئة تنافسية لاجتذاب الاستثمارات الصحيحة. ولا يزال هناك كثير من الاضطرابات في الأفق.
يعمل...
X