لهاث لمواكبة عالم يتحرك بإيقاع متسارع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لهاث لمواكبة عالم يتحرك بإيقاع متسارع

    ابحث عن خاصية للتنظيم في عالمنا اليوم وستجد أن السرعة بين أبرز الخصائص. وسواء تعلق الأمر بالتكنولوجيا، أو الأسواق المالية، أو السخط الشعبي، أو الجيشان الجيوسياسي العالي، فإن كل شيء يمضي الآن إلى الأمام بوتيرة سريعة.

    كان تقدم الصين إلى مرتبة الدولة العظمى موجوداً في الأفق منذ التسعينيات، لكن قليلاً من السياسيين، أو صانعي السياسة الغربيين توقعوا السرعة التي تخطف الأنفاس التي تم بها ذلك. كان الاقتصاد الصيني في مستهل القرن الحالي يعادل نحو ربع اقتصاد اليابان. وبعد عقد من الزمن تجاوزت الصين جارتها الآسيوية الشرقية لتصبح الاقتصاد الثاني عالمياً، معيدة تشكيل النظام العالمي أثناء ذلك.


    وكان تزامن التغير الديمغرافي، والفساد المستفحل، والقهر السياسي، والفرصة الاقتصادية المخنوقة في العالم العربي بمثابة فاصل اشتعال بانتظار عود الكبريت. ويصر الدبلوماسيون الغربيون، من دون حياء، على أن انفجاراً شعبياً كان منذ فترة بعيدة بين فرضياتهم السياسية. دعونا نمنحهم ميزة الشك، وإن لم يتوقع أحد منهم السرعة التي انتشرت بها النار التي اشتعلت في تونس إلى أنحاء العالم العربي.


    في أحد الأيام السابقة تعرضت إلى توبيخ من مسؤول أمريكي رفيع لأنني كتبت أن باراك أوباما كان بطيئاً في الاستجابة للانتفاضات العربية. ومقارنة باستجابة واشنطن لسقوط فرديناند ماركوس في الفلبين، فقد تصرف أوباما بسرعة الضوء. هذا صحيح، لكن العالم في منتصف الثمانينيات كان يتحرك بالسرعة البطيئة.


    أنظر إلى ما كان يحدث للسياسة في الديمقراطيات الغنية. ففي اللحظة التي تتطلب فيها الاتجاهات والأحداث الخارجة عن سيطرتها اهتماماً فورياً، فقدت الحكومات قدرتها على التحرك. وبصورة متكررةً، تصطدم المطالبة بمنظور استراتيجي بالضغوط اليومية للسياسة المحلية.


    ويظهر هذا الانفصال في اجتماع مجموعة الثماني في بلدة دوفيل. فالأحاديث الصادرة عن الجمهور تؤكد على تأييد الربيع العربي. وكما قال أوباما ورئيس وزراء المملكة المتحدة، ديفيد كاميرون، هذا الأسبوع، هذا ليس وقتا ينظر فيه الغرب إلى الداخل. لكن حتى حين يتحدثون، فإن هؤلاء الزعماء يظلون ينظرون من فوق أكتافهم. وأشعر بأن معظم الأمريكيين لا يهتمون كثيراً بما يحدث في الشرق الأوسط، وأن معظم الأوروبيين يخشون عواقب ذلك.


    وتبلغ التوترات حدّها الأعلى في أوروبا. وإذا كان الاتحاد الأوروبي قدم شيئاً للعالم خلال نصف القرن الماضي، فقد كان ذلك يتمثل في فهم أن الدول تستطيع مواصلة الاهتمام بمصالحها الوطنية من خلال العمل على تحقيق المصالح المشتركة. وتتلخص الفكرة في كلمة واحدة؛ ''التضامن'' الذي يعني الاستعداد لتحمل توترات الاعتماد المتبادل من أجل الفوز بالمكاسب.


    إن التضامن سلعة نادرة في الاتحاد الأوروبي في أيامنا هذه. فإذا تحدثت إلى السياسيين الأوروبيين حول الإطاحة بالرئيس المصري، حسني مبارك، أو الاحتجاجات ضد الرئيس السوري، بشار الأسد، فإنهم يسمعونك كل الأمور الجيدة. وهناك ضرورة أخلاقية لدعم حركات التحرر، فالمصلحة الذاتية الاستراتيحية لأوروبا تكمن بوضوح في تأييد رحلة الديمقراطية لدى جيرانها الجنوبيين.


    إن أكثر ما شجع تحرك هؤلاء الزعماء خلال الفترة الأخيرة، على أية حال، هو الخوف من العواقب الانتخابية للهجرة غير المسيطر عليها من الجنوب. وحتى الآن ما زالت الأعداد التي تعبر البحر المتوسط قليلة، لكن الحكومات ترقص بالفعل على نغمات اليمين المتخوف من الأجانب.


    والتحرك لإغلاق الحدود عبر القارة يهدد المبدأ الرئيسي للاتحاد الأوروبي المتعلق بحرية انتقال الناس. ويقول المنطق إن التحدي الناجم عن الهجرة يتطلب عملاً جماعياً، لكن السياسة الشعبوية تعمل على تغذية الوهم بأن بالإمكان دفع ذلك إلى جهة أخرى.


    والعملة الموحدة هي بالطبع عمود استناد آخر للتكامل الأوروبي. وهنا نشاهد أمراً بدأ يظهر وكأنه رقصة بطيئة لتدمير الذات. فالبلدان التي تعاني أزمة ديون سيادية في منطقة اليورو في وضع صعب بما فيه الكفاية، لكن التهديد الوجودي يكمن في السياسة.


    ومن الصعب تصور مشروع مشترك أكثر اعتماداً على التضامن من اتحاد نقدي، ومع ذلك سُمِع أن أحد محافظي البنوك المركزية في أوروبا لاحظ أن شروط الإنقاذ التي فرضت على اليونان، وإيرلندا، والبرتغال، من جانب الشركاء الأوروبيين تشبه التعويضات التي تمت مطالبة ألمانيا بها في معاهدة فرساي.


    لقد بدأت السياسة الوطنية في تجاوز المصالح الأوروبية. ولسنا بعيدين عن النقطة - وربما تجاوزناها - التي يكون من المستحيل عندها إحداث توافق بين تقييم أنجيلا ميركل الجبان لما يؤيده الناخبون الألمان من جهة، والحقائق المالية للاقتصادات المدينة من الجهة الأخرى.


    وبالطبع أوروبا ليست وحدها في ذلك. ففي اجتماع عقدته أخيرا ''مجموعة القرن 21 البريطانية - اليابانية'' تم تذكيري بالمرونة غير العادية لليابانيين بعد سونامي هذا العام. وبعيدا عن البطولة التي ظهرت في الأشهر الأخيرة هناك نظام سياسي في حالة توقف، غالبا ما يَعُدُّ فيه رؤساء الوزراء فترة حكمهم بالأشهر وليس بالسنوات. واستُقبل صعود الصين في اليابان بقلق ظاهر وشلل سياسي.


    والولايات المتحدة ليست محصنة هي الأخرى. ويبدو أوباما الآن أقوى مما كان عليه قبل فترة من الزمن. فقد عمل قتل أسامة بن لادن على تلميع مؤهلاته المحلية في وقت يصارع فيه الجمهوريون لإيجاد مرشح ذي صدقية للانتخابات الرئاسية عام 2012. ولا يمكن لأحد ادعاء أن الولايات المتحدة في حالة انشغال بالشأن العالمي. فأكثر ما يهم الناخبين الأمريكيين هو وضع الاقتصاد. ومن الآن حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 سيرتب الرئيس أولياته وفقا لذلك.


    وهكذا، بينما يتغير العالم بسرعة تعمل السياسة على إبطاء استجابة الغرب. ومن المغري القول إن هذا نتيجة طبيعية للنظام العالمي المتغير. وكان التكيف مع التراجع النسبي مؤلماً على الدوام، لكن في كل الأحوال كان السياسيون يجعلون ناخبيهم في مقدمة اهتماماتهم.


    كان ذلك قبل أن تتسارع حركة العالم. وتحدث أوباما في لندن هذا الأسبوع عن موضوع تكيف الزعامة الغربية مع الحقائق العالمية الجديدة. وكانت الفكرة التي خطرت على بالي هي أنه قبل أن يستطيع هؤلاء الساسة ممارسة القيادة في الخارج، عليهم التعافي محلياً.
يعمل...
X