الأمريكيون لم يتعلموا بعد كيف يتقاسمون الألم بعدالة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأمريكيون لم يتعلموا بعد كيف يتقاسمون الألم بعدالة

    حضرت أمس الأول حفل عشاء في فندق بلازا نيويورك أقامته مجموعة تسمى ''هيئة ميزانية المواطنين''. وبالنسبة إلى مراقب بريطاني لا يوقّر الأمر، فإن هذا الاسم لا يبدو جاداً، على الرغم من أن سكان نيويورك (وهذا أمر في صالحهم)، ينظرون بجدية إلى هيئات المواطنين. وكان زملائي على العشاء مجموعة من المشاهير بينهم بن برنانكي (الرئيس الجاد، والملتحي، للاحتياطي الفيدرالي)، ومايكل بلومبيرج (عمدة نيويورك). ودار النقاش حول موجة مد الديون التي تحيط بالولايات المتحدة في الوقت الراهن.

    والشخص الذي كانت لديه أمتع قصة يرويها، فهو فيلكس روهاتين، وهو نيويوركي في سن الثانية والثمانين، يعمل الآن في تقديم الاستشارات إلى بنك لازارد. لكن قبل 35 عاماً كان روهاتين يترأس مجموعة من النيويوركيين مهمتها حماية المدينة من العجز. وبينما كنا نجلس في قاعة الاحتفالات في فندق بلازا، طلبت من روهاتين أن يفسر لي كيف استطاع مع فريقه إنجاز تلك المهمة الخاصة.


    وقصته توحي بالإلهام والقلق في آن معاً. قال روهاتين شارحاً الأمر، إنه في عام 1975 (وتستطيعون قراءة ذلك في كتابه Dealings)، كانت نيويورك ولاية محفوفة بالمخاطر. كانت الجريمة تنتشر، وكانت البنية التحتية تتهاوى، وكانت المدينة تغرق في الديون. وحين طلب من روهاتين التدخل كان اليأس هو أول رد فعل من جانبه ـــ كانت النقابات العمالية والسياسيون على درجة من الحماقة جعلت من المستحيل وضع خطة تقشف ذات صدقية.


    ظلت المدينة لعدة أشهر تترنح بين الاقتراب من عجز إلى الاقتراب من عجز آخر. لكن حين تبين أن الكارثة مؤكدة، عملت الأزمة أخيراً على تركيز التفكير: وافقت الأحزاب السياسية على خطة للتقشف، ودخلت الحكومة الاتحادية على الخط وتمت استعادة الصدقية. وهكذا جرى ''إنقاذ'' نيويورك.


    كان الأمر بذلك مشجعاً للغاية. ويمكن للمرء أن يشعر بسهولة الآن، بيأس مشابه فيما يتعلق بالنقاشات المالية الأمريكية. فالديون تحلّق عالياً، ويبدو (مرة أخرى) أن من المستحيل جعل السياسيين يوافقون على خطة ميزانية عقلانية. وطالما أن هناك فرصة لحدوث هذا الخلاف، فإن الحكومة الاتحادية يمكن أن تصاب بالشلل في غياب الميزانية. ولذلك هناك نزاع سياسي عميق. لكن قصة روهاتين يمكن أن توحي بأنه ما من داعٍ للغضب. وإذا كان التاريخ يعيد نفسه، فإن هذه هي أحلك ساعات ما قبل الفجر ـــ كما حدث عام 1975.


    رغم ذلك، فإن روهاتين ورفاقه السابقين ليسوا متأكدين على الإطلاق من أن الوضع الراهن حالة مماثلة لعام 1975. فهو يقول: ''هناك كثير من الغضب في أيامنا هذه. كان الناس يلقون خطابات غاضبة في الماضي، لكننا كنا نستطيع الجلوس حول الطاولة كي نتفاوض. وسعينا في الأيام السالفة إلى فرض ضريبة على كل فرد وتأكدنا من أن الجميع دفعوا ضرائبهم بصورة عادلة، حتى يمكن التوصل إلى صفقة. لكنني لا أعتقد أن بإمكانهم فعل ذلك في أيامنا هذه. هناك كثير من المرارة''. وبعضهم لا يوافق على ذلك. فقد استطاع أندرو كومو، حاكم ولاية نيويورك، التوصل إلى صفقة ميزانية هذا الأسبوع تم بموجبها فرض بعض التقشف. ورغم ذلك يبين روهاتين نقطة مهمة، هي أن مستوى الغضب والاختلاف في المجتمع الأمريكي يبعث على الصدمة. وما يلاحظ هو أن مستوى النقد اللاذع والقبلية يخترقان بعمق النقاش السياسي العرضي الدائر خلف الكواليس.


    لماذا ذلك؟ يفسر عدم المساواة الاقتصادية بعض ما يحدث من أمور، وكذلك تفعل بنية الحياة السياسية، أو الدورة قصيرة الأجل لوسائل الإعلام. لكنني أعتقد أن هناك جانبا أكثر عمقا في هذا الأمر هو أن المجتمع الأمريكي لديه مؤسسات، أو ممارسات ثقافية قليلة نسبيا يمكنه من خلالها تقاسم الألم على نحو ''عادل''. وفي بلاد قامت على الرواد لم يكترث أحد بكيفية تقسيم الكعكة، وتوقع الجميع أن ذلك القالب سيكبر وينتفخ.


    وفي أيامنا هذه يدرك الأمريكيون أن اللعبة تغيرت، وأن هناك صراعا على موارد محدودة. وهذا هو سبب الغضب والشلل اللذين تصاب بهما السياسة. ويحاول كثيرون، وبجهد كبير، التوصل إلى حل وسط يتسم بالعقلانية. لكن إذا كان روهاتين على حق، فإن هذا الأمر ربما يكون ضرباً من الخيال ـــ ولا سيما إذا استمرت الكعكة الاقتصادية في التقلص بطريقة غير معتادة.
يعمل...
X