القتل دون الكشف عن الجثة نصر بلا محتوى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القتل دون الكشف عن الجثة نصر بلا محتوى

    ثمة أمر غريب في الحديث عن اغتيال دون إبراز الجثة. وكما حدث مع إيفا بيرون، السيدة الأولى في الأرجنتين التي اختفت جثتها على نحو غامض لمدة 16 عاماً، فإن غياب الجثة أمر غير مريح. وإذا استثنينا ما قاله باراك أوباما، فإن هناك دليلاً موثوقاً قليلاً على أن أسامة بن لادن مات بالفعل. وسيضطر الرئيس الأمريكي بعد فترة ليست طويلة إلى تقديم الصور – مثيرة للمشاعر كانت أو لم تكن – الخاصة بزعيم القاعدة المقتول.

    طبيعي أن قليلين هم الذين تساورهم شكوك جدّية بأن أسامة بن لادن قتل، أو أن العالم ليس أفضل من دونه. كذلك قليلون يمكنهم إنكار الدعم النفسي الذي حصلت عليه أمريكا من القصاص من أكثر أعدائها كُرها بطريقة دامية. لكن الخطر هو أن نتائج هذا العمل سيتبين أنها فارغة باعتباره اغتيالاً من دون جثة. وربما يتبين أن أوباما حقق نصرا بتكلفة باهظة.


    ويعود ذلك جزئياً إلى أن العالم تغير منذ أن اعتبر بن لادن أخطر رجل في العالم. فبحسب كل الاحتمالات، كان مختبئاً خلال السنوات الخمس الماضية في مدينة أبوت أباد المحاطة بالخضرة، من دون هاتف، أو بريد إلكتروني. وبدلاً من أن يكون منظماً للإرهاب، أصبح فكرة للإرهاب. وانتشرت فكرة السرطاني في أنحاء باكستان، ثم اليمن، والصومال، وأماكن أخرى. وبالطبع، قتل فكرة أصعب من قتل شخص.


    كذلك تغير كثير من العالم العربي. وليست هناك علاقة بين الفكر الذي يلهم الثورة عبر شمالي إفريقيا والشرق الأوسط، ورؤية بن لادن المانوية للدولة الإسلامية. فالمحتجون من مصر إلى ليبيا شربوا الأفكار غير السامة للديمقراطية الغربية.


    إن قتل بن لادن نقل إلى المنطقة حقيقة قوته المتقلصة. لكن الأمر الذي ما زال أشد تدميراً، هو أنه كشف العيوب العميقة في حملات المطاردة الأمريكية الخفية في أفغانستان وباكستان.


    غزت الولايات المتحدة أفغانستان في الشهر التالي لهجمات 11/9. وكان السبب واضحا: حكومة طالبان الأفغانية تؤوي بن لادن وترفض تسليمه. ورأى معظم الأمريكيين أن القاعدة وطالبان اتحدا في كيان واحد. غير أن أهداف طالبان الأفغانية ظلت على الدوام أكثر اعتدالاً من أهداف القاعدة. وتريد طالبان تخليص أفغانستان من الأجانب وأن تحكم هذا البلد. وحين أدت قوة الغزو الأمريكية إلى الإطاحة بطالبان وحملت معظم مقاتلي القاعدة على الهرب إلى باكستان، تركت لتحارب في جبهة أفغانية مختلفة: بناء أمة.


    إن اكتشاف وجود بن لادن في باكستان يعرض المهمة الأمريكية لوميض ضوء يعمي العيون. وبقتل زعيم القاعدة واقتراب تموز (يوليو)، المحدد موعدا للبدء بسحب الجنود، أصبح من السهل على منتقدي الحرب الأفغانية الحث على انسحاب كامل. وقال بارني فرانك، الديمقراطي الممثل لولاية ماساشوستس في الكونجرس، لمحطة cnn هذا الأسبوع إنه ''ليس بإمكان الولايات المتحدة استخدام القوة المادية لإصلاح كل الحكومات السيئة''. وفي إشارة إلى عدم فائدة مطاردة الإرهاب من ملاذ آمن إلى آخر، قال: ''إنها لا تستطيع إغلاق جميع جحور الجرذان في العالم''.


    إن قتل بن لادن يسلط ضوءا آخر على تحالف واشنطن مع إسلام آباد. وأياً كان موقف الاستخبارات الباكستانية، فهو لا يبدو جيداً. فإما أنها فشلت في معرفة مكان أكثر رجل مطلوب في العالم، وهو موجود بالقرب منها – وبوجود 18 مليار دولار من المساعدات الأمريكية، فإنك لا تشك في أنها تستطيع شراء سلم حبال لتسلق جدار مخبأ بن لادن ـ أو أنها كانت تتعمد حمايته. وقال ليون بانيتا، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، إنه لم يتم إخبار الباكستانيين بعملية الأحد، لأنه كان من المحتمل أن يخبروا بن لادن بالأمر. ومن الصعب تصور حكم أشد إدانة من هذا.


    كتب براهما شيلانسي، خبير الدفاع الهندي غير الصديق لباكستان، في تعليق افتتاحي لاذع ''إن الإرهاب الباكستاني ينبعث أكثر من جنرالات البلاد الذين يحتسون الخمور الاسكتلندية، أكثر مما ينبعث من الملالي الذي يحملون المسابح''. ويمكن رفض وجهات نظره من منطلق أنها خاصة بعدو هندي، لو لم يتردد صداها من جانب الأصدقاء الأمريكيين لباكستان. وطلب عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي قطع كل المساعدات الأمريكية المقدمة إلى إسلام آباد. وقال فرانك لوتنبيرج، السيناتور الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي: ''قبل أن نرسل أي دعم إضافي نحتاج إلى معرفة ما إذا كانت باكستان تقف إلى جانبنا بالفعل في الحرب على الإرهاب''.


    مع ذلك، ليس بمقدور أمريكا التخلي عن باكستان. وأظهر أوباما ذلك من خلال ثنائه على باكستان لتعاونها في اصطياد بن لادن، على الرغم من الدلائل على أن دورها في أفضل الحالات كان ثانوياً للغاية. إن باكستان المسلحة نووياً بلد شديد التقلب وأرض لتفريخ التطرف على نحو لا يمكن معه للولايات المتحدة ببساطة التخلي عنها. وستبقى الولايات المتحدة وباكستان ملتصقتين في سريرهما غير المريح.


    النقطة الثالثة التي يكشفها موت بن لادن هي مدى تكلفة الجهد الذي أدى إلى قتله. وقدرت شبكات الإعلام الأمريكية تلك التكلفة، بما فيها الحرب على أفغانستان والعراق، بأكثر من ألفي مليار دولار. وذلك هو صلب ''التمدد الإمبريالي المفرط'' الذي يصفه بول كينيدي، المؤرخ من ييل، في كتابه ''نهوض وسقوط القوى العظمى''، وهو يكتب عن ملوك أسرة هابسبيرج: ''لقد وسعوا على نحو ثابت تدخلهم في مسار الصراعات المتكررة وأصبحت نفقاتهم العسكرية أثقل بكثير من أن تتحملها قاعدتهم الاقتصادية الآخذة في الضعف''.


    بينما كانت الولايات المتحدة تطارد بن لادن في أنحاء الشرق الأوسط كافة، وتعاني عجوزات غير مستدامة، تابعت الصين نهضتها الهائلة. وأصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم في العام الماضي، وحلت محل الولايات المتحدة أكبر الدول تصنيعاً. لقد قضت واشنطن على بن لادن، لكن ربما تكون قد أضاعت طريقها.
يعمل...
X