رحلة أوروبية شاقة إلى التخلف عن السداد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رحلة أوروبية شاقة إلى التخلف عن السداد

    هناك قصة تُروى عن رجل حُكم عليه بالموت. ويقول له الحاكم إن بإمكانه المحافظة على حياته إذا استطاع أن يعلّم حصان الحاكم أن يتكلم في غضون عام واحد. ووافق الرجل المحكوم عليه بالموت. وحين سئل لماذا فعل ذلك، أجاب أن أي شيء يمكن أن يحدث خلال هذه الفترة: ربما يموت الحاكم، أو يموت هو، وربما يتعلم الحصان الكلام. كان هذا هو أسلوب منطقة اليورو تجاه الأزمات المالية التي أحاطت باليونان، وإيرلندا، والبرتغال، وتهدد دولا أخرى أعضاء. وقرر صانعو السياسة أن يلعبوا على وتر الوقت، على أمل أن تستعيد البلدان التي تعاني صعوبات جدارتها الائتمانية. وحتى الآن فشلت هذه الجهود: ارتفعت تكاليف الاقتراض ولم تنخفض. وفي حالة اليونان، أول البلدان التي تلقت مساعدة، فإن فرص وصولها مجددا إلى الإقراض الخاص بشروط يمكن للبلاد أن تتحملها ضئيلة للغاية. لكن تأجيل يوم الحساب لن يجعل المشكلة اليونانية أفضل، بل على النقيض من ذلك يجعل إعادة هيكلة الديون أكثر إيلاما حينما يحين أجلها.

    إن الديون اليونانية في طريقها الآن لأن تتجاوز 160 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. ولسوء الحظ، يمكن بسهولة أن تكون أعلى بكثير، حسبما يشير بحث صدر عن نوريل روبيني وزملائه من روبيني جلوبال إيكونوميكس. وربما تفشل اليونان في تحقيق أهدافها المالية بسبب التأثير المدمر للتشديد المالي على الاقتصاد، أو بسبب مقاومة التدابير المتفق عليها. وسيرفع التخفيض الفعلي، اللازم لاستعادة قدرتها التنافسية، نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، بينما يسهم الفشل في تحقيق مثل ذلك التخفيض في تقييد العودة الضرورية إلى النمو. وعلى الأرجح أن يتم رفع قيمة اليورو، الأمر الذي يزيد من تقويض القدرة التنافسية. وفي النهاية، على الأرجح أن تفشل البنوك في دعم الاقتصاد.

    بالنظر إلى عبء الديون هذا، ما هي فرص أن يكون بلد بتاريخ اليونان قادرا على تمويل ديونه في الأسواق بشروط تتسق مع التراجع في عبء الديون؟ قليلة للغاية. إذا فرضنا أن أسعار الفائدة على ديون اليونان طويلة الأجل كانت 6 في المائة، بدلا من نسبة أيامنا هذا البالغة 16 في المائة، وإذا فرضنا كذلك أن الناتج المحلي الإجمالي الاسمي ينمو بنسبة 4 في المائة - لاحظ أن هذه افتراضات متفائلة تماما - عندئذ، حتى لجعل الديون مستقرة، فإن على الحكومة أن تحقق فائضا مبدئيا (قبل دفعات أسعار الفائدة) بنحو 3.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وإذا تعين أن تنخفض ديون اليونان إلى المستوى الذي حددته معاهدة ماسترخت، البالغ 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2040، فإن البلاد في حاجة إلى فائض مبدئي يبلغ 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي كل عام، بناءً على ذلك، ينبغي مداهنة وإكراه الشعب اليوناني على دفع ضرائب أعلى بكثير سنويا مما يتلقونه على شكل إنفاق حكومي. ما الذي يمكن أن يقنع المستثمرين بأن ذلك سيبرر على الأرجح بشكل كافٍ تمويل اليونان؟ لا شيء كما أتخيل شخصيا. لكن علينا أن نتذكر أن نسبة 6 في المائة ستشكل فرقا بأقل من 3 في المائة على السندات الألمانية. وليس هناك ضرورة لأن تكون مخاطر التخلف عن السداد عالية للغاية لجعل هذا غير جذاب تماما. باختصار، اليونان في وضع لا يمكنها فيه أن تفوز على الإطلاق: يعرف المقرضون أنها تفتقر إلى الصدقية للاقتراض بأسعار فائدة يمكنها تحملها. وستبقى معتمدة على كميات أكبر من التمويل الرسمي. وعلى أية حال، ذلك يولد فجوة أعمق بكثير. إذا فرضنا، مثلا، أن نصف الديون اليونانية سيملكها مقرضون رئيسيون، مثل صندوق النقد الدولي، وآلية الاستقرار الأوروبي التي ستحل مكان تسهيلات الاستقرار المالي الأوروبية في عام 2013. وإذا افترضنا كذلك أن التخفيض في الديون، اللازم للحصول على القروض من الأسواق الخاصة بشروط يمكن تحملها، سيكون 50 في المائة من القيمة الاسمية. عندئذ سيتم القضاء على المقرضين الخاصين. وفي ظل هذا التهديد القاسي، لن يفكر أي مقرض عاقل في تقديم الأموال بشروط يمكن تحملها. وإذا قام الممولون الرسميون بالاستحواذ على الديون اليونانية، فمن شأن ذلك أن يجعل العودة إلى التمويل الخاص غير محتمل على الإطلاق. إذا اتخذ المرء، على محمل الجد، وجهة النظر التي تقول إن أية إعادة هيكلة للديون يجب استبعادها، والتي قدمها لورينزو بيني سماجي، وهو عضو إيطالي مؤثر في مجلس البنك المركزي الأوروبي، فإن على المصادر الرسمية أن تموّل اليونان إلى ما لا نهاية. وعلاوة على ذلك، يجب أن تكون على استعداد لتنفيذ ذلك بشروط سخية بشكل كافٍ لجعل التخفيض طويل الأجل في عبء الديون مجديا. وهذا أمر ممكن. لكنه كابوس سياسي: المخاطر الأخلاقية المتعلقة بذلك ستكون هائلة. وستفقد اليونان تقريبا سيادتها كاملة بشكل قاطع، وسيصل الامتعاض إلى درجة الغليان عند الطرفين. وسيمنع الأعضاء من غير البلدان الأوروبية في صندوق النقد الدولي، الصندوق من تقديم مثل هذا الكرم الذي ليس له نهاية. وسيقع العبء على كاهل البلدان الأوروبية. ويبدو من غير المحتمل أن تتم المحافظة على الاتفاق الضروري.ويتمثل البديل في إجراء إعادة هيكلة وقائية للديون، العام المقبل على الأرجح. ولأن أسعار السوق تبلغنا أن هذا ما يتوقعه المستثمرون، فينبغي ألا يأتي كصدمة. ويجب أن ترفع إعادة الهيكلة من الجدارة الائتمانية للبلاد وأن تزيد الحوافز للمحافظة على برنامج الاستقرار والإصلاح. وعلاوة على ذلك، بإجراء إعادة هيكلة وقائية مخطط لها، بإمكان السلطات كذلك أن تجهز الدعم اللازم للبنوك، داخل اليونان وخارجها.
    هناك طرق عدة لإعادة هيكلة الديون، بعضها إكراهي أكثر من الطرق الأخرى. ولحسن الحظ، 95 في المائة من الديون العامة اليونانية تصدر بموجب القانون المحلي، الأمر الذي يجب أن يقلل المشاكل القانونية المتمثلة في فرض إعادة الهيكلة العميقة المرغوبة. لا داعي للقول إن ذلك سيكون بمثابة فوضى كبيرة، على الرغم من ذلك. وعلاوة على ذلك، ليس هناك يقين بأن إعادة الهيكلة ستعيد اليونان إلى حالة النمو؛ لأن البلاد تعاني كذلك فقدان القدرة التنافسية. وداخل منطقة اليورو لا توجد طريقة بسيطة لحل الضعف الأخير القائم. وعلى الأرجح أن يحكم على البلاد بالانكماش المطول.بغض النظر عن عدم شعبية إعادة الهيكلة، إلا أن البديل سيكون أسوأ. ينبغي عندئذ تمويل الديون بلا نهاية. وهذا بدوره سيكون طريقا خلفيا إلى آلية الدعم المالي للبلدان الأعضاء، أكثر تطرفا بكثير من مثيله للولايات الأمريكية. ومن غير المرجح أن تنتهي القصة مع اليونان. فمن المحتمل كذلك أن تجد بلدان طرفية أخرى - إيرلندا والبرتغال، مثلا - نفسها محبوسة خارج نطاق الوصول إلى الأسواق الخاصة إلى فترة طويلة. ولن تكون هناك عودة في الحالتين إلى وضع جيد على الصعيد المالي بأي طريقة مضمونة، بالنظر إلى نقاط البداية الصعبة للغاية. إن البلدان المثقلة بالديون، ولديها عملتها الخاصة ستصاب بالتضخم. لكن البلدان التي تقترض بعملات أجنبية ستتخلف عن السداد. وبالانضمام إلى منطقة اليورو، انتقل الأعضاء من الحالة الأولى إلى الحالة الثانية. وإذا تم استبعاد إعادة الهيكلة، فإن على الأعضاء تمويل ومراقبة كل منهم الآخر. وعلى نحو أكثر دقة، فإن العضو الأكبر والأقوى، يجب أن يمول ويراقب العضو الأصغر والأضعف. والأسوأ من ذلك، عليهم مواصلة تنفيذ ذلك إلى أن تستطيع جميع هذه الأحصنة أن تتكلم. فهل هذا هو المستقبل الذي يريدونه؟

يعمل...
X