مدينة مناهضة للقذافي تؤكد عمق توجهها الديني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مدينة مناهضة للقذافي تؤكد عمق توجهها الديني

    تبدو مدينة درنا بعيدة عن الثورة، فهي بلدة ناعسة على ساحل ليبيا الشمالي الشرقي على البحر المتوسط، تحميها تلال جيرية محيطة بها. فهناك عدد قليل من نقاط التفتيش والأعلام الثورية، وتسمع فيها بين الفينة والأخرى زخّات من نيران الأسلحة الأتوماتيكية التي أصبحت جزءاً من الحياة اليومية في شرق ليبيا الذي يسيطر عليه الثوار.

    لكن لا يشك أحد في البلاد في مؤهلات درنا الثورية. فالمباني التي كانت توجد فيها قوات الأمن التابعة للعقيد معمر القذافي لم تحرق فقط، بل تم تدميرها بشكل جزئي أيضاً، ويقوم أبناء البلدة بإطباق قبضاتهم ويبدأون بالشتم عندما يتطرق الحديث لحاكمهم السابق.


    ويعزو بعضهم موقف درنا المناهض للقذافي إلى ما يعرف عن المدينة من استقلال وتدين. إن جميع الليبيين تقريباً من المسلمين السنة، وهم على درجة متفاوتة من التدين، لكن عدداً كبيراً من الرجال في درنا يتفاخرون بالزبيبة، وهي الأثر الذي تخلفه الصلوات المتكررة على الجبهة عندما تلامس جباه المصلين الأرض.


    رأى العقيد القذافي في مظاهر التدين العلنية هذه تهديداً لسياسته المزاجية، كما يقول غيث الفخري، أستاذ القانون الإسلامي في جامعة جاريونس في بنغازي: ''كان يعتقد أن كل من يصلي إرهابي''.


    لقد دفعت أعوام من الاضطهاد والقمع بعض أبناء مدينة درنا في نهاية المطاف إلى الالتحاق بالمجاهدين ضد السوفيات في أفغانستان وأدت إلى تشكيل الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية التي خاضت حرب عصابات ضعيفة ضد العقيد القذافي في الجبال المحيطة بالمدينة في منتصف تسعينيات القرن الماضي.


    تمت هزيمة المقاتلين الإسلاميين عبر شن حملة قصف عليهم بمدافع الهليوكوبتر كما يقول أبناء المدينة. ويتذكر مفتاح بن ناصر الذي يعمل محاسباً في درنا: ''لقد حرق الجبال كي يخرجهم منها''.


    وذكرت تقارير في الآونة الأخيرة أن عدداً كبيراً بشكل غير عادي من سكان درنة ظهروا في العراق متمردين وانتحاريين. وتسبب هذا في ربط المدينة بتنظيم القاعدة الذي حاول العقيد القذافي أن يصم به جميع الثوار – الأمر الذي أثار غضب أبناء المدينة.


    يقول رجب بشير الذي يعمل مؤذناً في مسجد درنا الرئيس: ''إننا مسلمون صالحون ولسنا إرهابيين''. ويشير آخرون إلى أن معظم أبناء درنا، مثلهم مثل جميع الليبيين، يتبعون المذهب المالكي الذي يعتبر مدرسة معتدلة للإسلام السني.


    وبالفعل، توجد في المدينة مقاه تقدم الشيشة، ومحال موسيقى، ونساء بوجوه مكشوفة – وكل هذه تعتبر أموراً محرمة بالنسبة للمسلمين السلفيين المتشددين.


    ويرى بعض المسؤولين الغربيين أنه ربما كانت هناك مبالغة في عدد المقاتلين المتمردين الذين تقول التقارير إنهم يأتون من درنا، وذلك لأن المتطوعين العرب الذين يأتون من بلدان أخرى في شمال إفريقيا كانوا يستخدمون المدينة نقطة انطلاق إلى العراق.


    ويدعي بعض الليبيين أيضاً أن العقيد القذافي كان يشجع الشباب الليبيين على القتال في العراق، رغم تحسن علاقته مع الولايات المتحدة في ذلك الحين. وتقول آمال عبيدي، أستاذة العلوم السياسية في جامعة جاريونس: ''كان العقيد القذافي يقدم التسهيلات لهؤلاء الأشخاص لمقاتلة الولايات المتحدة الاستعمارية''.


    وفي حين أثار غزو الولايات المتحدة للعراق غضب كثير من الليبيين، تلقى الضربات الجوية التي يوجهها حلف الناتو ضد العقيد القذافي ترحيباً كبيراً – على الأقل في درنا. وكتب الشباب على جدران إحدى المدارس المحلية: ''إننا مقاتلون من أجل الحرية ولسنا إرهابيين'' وذلك باللغتين العربية والإنجليزية، وترى الأعلام الأمريكية والفرنسية ترفرف فوق كثير من المباني.


    إن الكراهية الشديدة التي تكنها المدينة للعقيد القذافي حولتها بالتأكيد إلى واحد من المزودين الرئيسين للمقاتلين الثوار. ويقدر ابن ناصر أن ألفين من سكان المدينة البالغ عددهم نحو 12 ألف نسمة، ذهبوا للقتال.


    ربما يكون بعض المقاتلين ذوي توجهات إسلامية، لكن الدبلوماسيين الغربيين واثقون أن القاعدة وغيرها من الجماعات الإسلامية ليس لها موطئ قدم في ليبيا.


    ورغم ذلك، من الواضح أن الدور الذي سيلعبه الإسلام في ليبيا ما بعد الثورة سيكون موضوعاً مهماً وربما حساساً إذا تمت الإطاحة بالعقيد القذافي.


    ورغم أنه حاول أحياناً أن يصور نفسه كبطل إسلامي وعبر عن دعمه للشريعة الإسلامية، إلا أن نظام العقيد قمع الإخوان المسلمين الذين يعتبرون أكبر حزب إسلامي دولي، وكثيراً ما كان يضيّق على علماء الدين.


    وتحتفظ القوات الأمنية التابعة للنظام بملفات لكثير من الأئمة، والمؤذنين والمواطنين العاديين الذين تشتبه في أن لديهم ميولاً إسلامية. ويريد هؤلاء الآن أن تسمع أصواتهم في تشكيل مستقبل ليبيا.


    وقام المجلس الوطني المؤقت، وهو الحكومة التي شكلتها المعارضة في بنغازي، بتشكيل لجنة لدراسة الدساتير ونماذج الحكم الممكنة.


    ويقول أغلبية الليبيين إنهم يريدون دستوراً على الطراز الغربي، يحترم حقوق الإنسان، وحرية التعبير، والديمقراطية والتعددية، لكن كثيرين يريدون أن يضعوا مبادئ الشريعة الإسلامية في الاعتبار.


    ويمكن أن يؤدي هذا إلى وقوع صدامات مع الليبيين ذوي التوجهات العلمانية، الذين تلقى معظمهم تعليمهم في الغرب، خاصة فيما يتعلق بمواضيع كالمساواة بين الجنسين.


    لكن ما زال من غير الواضح إلى أي مدى يمكن للشريعة الإسلامية أن تلهم دستوراً جديداً، ويحجم كثير من الليبيين في الوقت الحاضر عن التطرق لهذا الموضوع. ويقول الفخري: ''عندما تتم إزاحة القذافي، يمكننا الحديث عن كيفية الدمج بين الشريعة والقانون الوطني''.
يعمل...
X