على الحسن وتاره إظهار أنه ليس أداة فرنسية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • على الحسن وتاره إظهار أنه ليس أداة فرنسية

    لو كانت علاقة لوران باجبو أفضل مع باريس، لكان قد تمكن من المغادرة إلى المنفى بأمان عبر نفق محفور تحت الأرض، يربط بين قصره في أبيدجان ومقر إقامة السفير الفرنسي القريب منه.

    النفق بناه فيلكس هوافيه بوانيه، الفرانكفورني المستبد الذي حكم ساحل العاج منذ استقلالها عام 1960 حتى وفاته عام 1993. وكان مصمماً ليكون طريقا للنجاة إذا حدث انقلاب، لكنه ظل منذ فترة طويلة بمثابة حبل سُرِّي يربط فرنسا، عسكرياً وتجارياً، بجوهرة مستعمراتها الإفريقية السابقة.


    وحتى العقد الماضي الذي اتسم بالاضطرابات، كانت ساحل العاج أكثر دول غربي إفريقيا الناطقة بالفرنسية رخاء وتحررا من العصبيات القومية والجهوية.


    وحين أغلق باجبو النفق عام 2004، بعدما ساوره الشك في إمكانية أن يتم استخدامه من جانب قتلة فرنسيون، كانت تلك الخطوة نذيرا بتصدع العلاقة بين حكومته الشعبوية وفرنسا. وعندما طوقته قوات غريمه الحسن وتاره، انسحب باجبو المعزول عالميا، إلى غرفة محصنة في المجمع نفسه، بدلاً من اللجوء إلى النفق ـ بينما كان جنرالاته يفاوضون حول شروط استسلامه.


    ولأنه سياسي عرف عنه العناد وتحجر القلب، ولأنه من طراز الحكام الأفارقة المستبدين، يمكن أن يكون باجبو واقعا الآن تحت سيطرة شعور بالمرارة وخيبة الأمل لاضطراره إلى التخلي عن السلطة بعد سلسلة من الهزائم: في الانتخابات، وعلى المسرح الدبلوماسي العالمي الذي أصبح منبوذاً فيه بعد رفضه نتائج الانتخابات، إضافة إلى هزيمة أخرى في ميدان المعركة.


    لكن من جانب واحد على الأقل، نهايته تنسجم مع ما كان يردده. فقد كان باجبو في الساعة الأخيرة ـ كما ادعى طوال الوقت – ضحية مؤامرة دولية.


    فالهجمات الجوية التي شنتها القوات الفرنسية وقوات الأمم المتحدة على قواعد القوات الموالية له دمرت ميزته الوحيدة الباقية، المتمثلة في الأسلحة الثقيلة. وبدا أن الدمار الذي ألحقته تلك الهجمات كان حاسماً في منح القوات الموالية للحسن وتاره اليد العليا في القتال للسيطرة على أبيدجان – العاصمة التجارية ومقر السلطة.


    ربما يكون التدخل الفرنسي في اللحظات الأخيرة ـ كما أخبر جيرار لونجيه، وزير الدفاع الفرنسي، الجمعية الوطنية في باريس ـ أنقذ أعداداً لا تحصى من المدنيين، من خلال تقصير أمد المعركة على الرئاسة، بعد أربعة أشهر من العنف المتصاعد. لكن التدخل يضفي أيضا مسحة من الشك على موقف وتاره الذي فاز في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر)، وفقاً لنتائج صادقت عليها الأمم المتحدة، لكنه لم يستطع تحويل الفوز إلى سلطة إلا من خلال استخدام القوة وبمساعدة فرنسا والأمم المتحدة.


    ومنذ أن نجا من تمرد عسكري نتجت عنه حرب أهلية في 2002 – 2003، قدم باجبو نفسه باعتباره وطنيا يشن حرب استقلال جديدة ضد فرنسا. ولم تكن استراتيجيته بعيدة عن استراتيجية روبرت موجابي في زمبابوي – من حيث إشعال الغضب الشعبي ضد القوة المستعمرة السابقة وتحريك الرفض لاستمرار هيمنتها على الاقتصاد. ووصف وتاره بأنه أداة فرنسية وأنه متواطئ في التمرد الذي شق وحدة البلاد.


    وبعد الأحداث الأخيرة تبدو تلك الرواية أكثر قبولاً. فهي تلمس على الدوام وتراً حساساً لدى ملايين العاجيين العاطلين عن العمل وغيرهم من المسيحيين جنوبي البلاد، الذين يخشون من احتمال أن يكونوا تحت حاكم مسلم من الشمال. كذلك لقيت الرواية ارتياحاً في أنحاء أخرى من إفريقيا الناطقة بالفرنسية، المستاءة من تدخل باريس المستمر في شؤونها الداخلية.


    وخلافاً لبريطانيا ظلت فرنسا منخرطة بقوة وبعاطفة فيما يطلق عليه ساحتها الإفريقية الخلفية.


    وفي حالة ساحل العاج تحولت علاقة مبنية على المشاركة – فهم أن بإمكان فرنسا دعم الأنظمة الصديقة ـ إلى عداوة متبادلة في ظل حكم باجبو الذي دام عقدا من الزمن. واهتزت كثيرا الثقة بالقوة الاستعمارية السابقة بوصفها ملجأ أولا وأخيرا.


    ولدى وتاره علاقات أفضل بكثير مع باريس، لكن عليه أن يبتعد قليلاً إذا أراد أن يكسب قلوب العاجيين.


    ويقول مسؤولون إقليميون وغربيون يعرفون الرئيس المتنحي جيداً، وشاركوا في أشهر من المحادثات غير المجدية التي استهدفت إقناعه بالتخلي عن السلطة، إنه كان أكثر رغبة في التنحي خلال الأسابيع الأخيرة. لكنه كان موافقاً على ذلك بشرط أن يتنحى خصمه الحسن وتاره كذلك – لترك الساحة لجيل جديد يتولى الأمور ويعيد توحيد البلاد.


    وحين فشل في ذلك، صمم باجبو على تعقيد مهمة وتاره. وكان ناجحاً في هذا الأمر.


    <center>
    </center>
يعمل...
X