كازينو النفط العالمي لا يفيد سوى لاعبيه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كازينو النفط العالمي لا يفيد سوى لاعبيه

    يُقال لنا إن التوترات في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا هي السبب في الارتفاع الأخير في أسعار النفط العالمية التي بلغت أعلى مستوى لها منذ عامين ونصف. لكن في حين ظل سعر خام برنت الأسبوع الماضي فوق 120 دولاراً للبرميل، تراوح سعر البنزين في طرابلس حول 34 بنساً للجالون. وهذا ليس خطأ مطبعيا. والتفسير الشائع لكون أولئك الأقرب إلى القتال، في هذه الحالة، يعانون أقل من أولئك الأبعد هو مبالغ الدعم الليبية الضخمة. لكن التفسير الذي لا يحب البعض أن يسمعه هو أنه تم تصميم أسواق الطاقة العالمية بعناية للانتفاع من أدنى عقبة تواجه الإمدادات، حتى ولو لم يكن هناك دليل يذكر على وجود نقص فعلي.

    لم تسمح طبيعة التداول في الطاقة أبدا للحقائق بالوقوف في طريق مخاوف الإمدادات. صحيح أن هذه السوق الهشة تاريخيا عرضة لتقلبات الأسعار في الوقت الذي يهدد فيه الطلب بالقفز إلى أعلى على نحو أسرع من الإنتاج. لكن الأمر يتعلق بأكثر من ذلك. وفي الواقع، الأمور المتعلقة بعيوب سوق الطاقة العالمية، التي لم يأت الرئيس باراك أوباما على ذكرها في خطابه الخاص بأمن الطاقة في الأسبوع الماضي، يمكن أن تملأ أحد حقول النفط.


    سوق النفط التي خرجت من رماد بورصة فاشلة لبيع البطاطس في وسط مانهاتن، برزت بشكلها الحديث المعروف اليوم في الثمانينيات. وكان المهندس الرئيسي لها هو مايكل ماركس، وهو ابن تاجر خضراوات مولود في باريس. ويظل ماركس حتى يومنا هذا غير سعيد بالكيفية التي أصبحت عليها السوق التي ابتكرها. فمع مرور الوقت تضخمت السوق لتشمل العقود الآجلة، والخيارات، وعقود المقايضة التي يتم تداولها في عدد من البورصات في أنحاء العالم. وهناك أيضا سوق خاصة مزدهرة خارج البورصة الرسمية، يتم فيها بيع وشراء البراميل الفعلية ''الرطبة'' (أي بيع وشراء النفط بصورة تجارية وليس كأوراق مالية). واليوم تبلغ القيمة اليومية لسوق النفط العالمية نحو 600 مليار دولار، وإن كانت الشفافية المحدودة تعني أنه لا يتيسر الحصول على الأرقام الحقيقية. والسوق المركزية للنفط هي الآن جزء من بورصة شيكاغو التجارية، على الرغم من أنها تشق طريقها إلى لندن في محاولة واضحة للهروب من القواعد الأمريكية الجديدة التي يفرضها قانون دود - فرانك.


    وكما هو الحال في الأسواق السائلة التي تخضع لتغيرات الأسعار السريعة، اجتذبت سوق النفط المضاربين منذ بدايتها. وكان دورهم، ولا يزال، ضروريا - وهو إتاحة المجال لأولئك الذين يحفرون ويخزنون ويبيعون النفط لإدارة المخاطر التي يمكن أن تعرِّض أعمالهم للخطر لولا هذه التعاملات. ويستغرق ضخ النفط من الأرض سنوات عديدة، لذا فإن قدرة المنتجين على الاستمرار أمر حيوي للإمدادات. وفي الوقت الذي تعيد فيه الحكومات في كل مكان تقييم قواعدها، اقترح بعضها فكرة طرد المضاربين خارج السوق. وستكون تلك فكرة سيئة. ومع ذلك، فإن ترخيصهم للمضاربة يجب أن يتوقف عند مبالغ محددة - وأن تكون أقل بكثير مما هي عليه في الوقت الحاضر.


    مثلا، منذ الحرب العراقية الثانية ارتفعت قيمة سوق العقود الآجلة للنفط (التي هي نوع من المضاربة) أكثر من ثلاث مرات. وفي الوقت نفسه كمية النفط الذي يتم إنتاجه فعلياً لم ترتفع بهذا القدر. كذلك المضاربون يتنبأون هذا العام بزيادات مستقبلية في الأسعار بعامل يبلغ 3 إلى 1، وفقاً لبيانات الحكومة الأمريكية. لكن هذا يأتي في الوقت الذي سجل فيه الإنتاج العالمي للنفط أعلى مستوياته في التاريخ في شباط (فبراير). ونحن نعلم أن زيادة العرض تؤدي في العادة إلى تهدئة الأسعار. من جانب آخر، هجرة الأسواق من التداول في القاعات إلى التداولات الإلكترونية تشهد مشاكل جديدة مرتبطة بالتداولات السريعة عبر الكمبيوتر، التي لا تدوم سوى فترات قصيرة للغاية (قد تستغرق من جزء من الثانية إلى بضع ساعات).


    إن القواعد التي تحكم عمل هذه الأسواق لم تواكب هذه الزيادة في المضاربة. ويستطيع المضاربون أن ينفذوا عمليات التداول من دون دفع أية أموال، الأمر الذي يمكنهم من التأثير على الأسعار عبر القيام بمراهنات كبيرة، بينما لا يجازفون في أغلب الأحيان إلا بما نسبته 5 إلى 10 في المائة من القيمة الكلية للعملية. وعمد الكونجرس الأمريكي، بين الحين والآخر، إلى تعنيف ''شركات النفط الكبرى'' في جلسات استماع علنية، لكنه تجنب التطرق إلى تخفيض الاستخدام واسع النطاق للديون من جانب المتداولين.


    وفي الحقيقة لم تفعل واشنطن إلا القليل لمعالجة الوضع، ليس هذا فحسب، بل كثيراً ما جعلته أسوأ. وأحد الأمثلة الساطعة على ذلك هو ''إعفاء التحوط الحقيقي'' الذي منح للمرة الأولى لبنك جولدمان ساكس في عام 1991. وسمح ذلك الإعفاء للبنك – وبعدئذ لكبار المضاربين الآخرين – بالقيام بمراهنات كبيرة على السلع كانت محظورة في السابق من دون التسلم الفعلي للمنتج الأساسي. وفي عام 2000، أجازت الولايات المتحدة قانون تحديث عقود السلع الآجلة الذي منع الجهات التنظيمية من ضبط التحايل في أسواق الطاقة والأسواق المالية عالية الخطورة والفورية. وهيأ هذا المسرح لأزمة الائتمان، بينما ارتفعت أحجام السلع المتداولة خارج البورصة ارتفاعاً حاداً في السنوات الخمس التالية إلى 32 ألف مليار دولار، حسب بنك التسويات الدولية. وفي المملكة المتحدة فشلت هيئة الخدمات المالية في إنتاج منظومة متسقة من القواعد الخاصة بالسلع، رغم أنها سارعت إلى تغريم أحد الوسطاء جراء التسبب في زيادة سعر خام برنت وهو في حالة سكر.


    باختصار، هذه سوق تعمل ما يحلو لها منذ فترة طويلة جداً. لكن المملكة المتحدة، وأوروبا، والولايات المتحدة تنظر في وضع قواعد جديدة معقدة تهدد بمعالجة المرض بمزيد من السم – ما يمهد الطريق للالتفاف على الأنظمة في البورصات العالمية الرئيسة. وبدلاً من ذلك يجدر بهذه المناطق أن تنظر في وضع حل أبسط. فعوضاً عن وضع قيود على المضاربة مباشرة، ينبغي أن تطالب المضاربين بدفع مزيد من أموالهم مقدماً عندما يُقدِمون على مراهناتهم. لقد تم استبعاد رفع الهوامش، أو الدفعات المقدمة على عمليات التداول منذ فترة طويلة من قبل وول ستريت باعتباره الخيار النووي. وهناك سبب وجيه لذلك: سينجح.




    الكاتبة مؤلفة كتاب ''الملتجأ: الخوارج الذين اختطفوا سوق النفط العالمية'' Asylum: The Renegades Who Hijacked The World's Oil Market وهي زميلة في مركز الصحافة البيئية في جامعة كولورادو.
يعمل...
X