المصائب تبرز أفضل ما في الأمة وأسوأ ما فيها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المصائب تبرز أفضل ما في الأمة وأسوأ ما فيها

    الزلزال الذي ضرب شمال شرقي اليابان في الأسبوع الماضي، إلى جانب الموجة المدية الضخمة، أظهرا عدداً من أسوأ سمات أهل اليابان، وكذلك أفضل ما فيها.

    على الجانب السلبي، كشفت الكارثة بصورة وحشية عن جوانب الإخفاق في صناعة الطاقة النووية التي كان كثير من اليابانيين ينظرون إليها منذ عدة عقود بشك وريبة.


    وبفعلها ذلك، فإنها تشير إلى التكلفة العالية للغرور التكنولوجي والإيمان بالإنشاء حلا لأية مشكلة اجتماعية أو اقتصادية، هذا الغرور الذي كان عنصراً قوياً في صنع السياسة حتى قبل أن يحدد رئيس الوزراء الراحل، كاكوي تاناكا، في السبعينيات للحكومة مهمة ''إعادة تشكيل الأرخبيل الياباني''.


    إن الأزمة المتصاعدة في معمل داي إيتشي الذي أصابه الشلل في فوكوشيما، أثارت السخرية من مزاعم شركة كهرباء طوكيو، المدعومة بحملة دعائية مكلفة، بأنها تستطيع بصورة مأمونة تشغيل المفاعلات النووية على هذه الجزر المشهورة بانتشار النشاطات الزلزالية فيها.


    ومما لا شك فيه أن الزلزال الضخم الذي ضرب اليابان في 11 آذار (مارس) وما تبعه من موجة مدِّيَّة ضخمة كان نكسة مزدوجة ذات أبعاد مخيفة وخطيرة. لكن حتى الزلزال البالغ تسع درجات لا يتجاوز بصورة تذكر حدود ''أكبر زلزال يمكن تصوره''، والذي صممت المَعامل والمفاعلات النووية لأن تتحمله، حسب ادعاءات شركة كهرباء طوكيو.


    وفي حين ستمر فترة من الزمن قبل التوصل إلى جميع الصلات والروابط التي شكلت سلسلة الكوارث التي أحاطت بمعمل فوكوشيما، إلا أن من الصعب ألا نفكر في أن المشاكل المزمنة المتعلقة بالسلامة والإفصاح في شركة الكهرباء اليابانية لم تكن من العوامل التي ساهمت في الأزمة الحالية.


    وربما تضاءل دور ناووتو كان، رئيس الوزراء الياباني، إلى المطالبة بأن يخبره تنفيذيو شركة الكهرباء ''عما يجري'' بعد أن انتظرت الشركة ساعة قبل إخباره بنبأ انفجار المعمل.


    ويشير هذا التأخير إلى أن مهندسي شركة الكهرباء ربما استمروا في المعاناة من اتجاه عام يتمثل في ''الابتعاد عن إبلاغ حكومة البلاد بالمشاكل''، وهو تقصير اضطرت الشركة نفسها إلى الإقرار به عام 2002، بعد أن تبين أنها زورت تقارير السلامة على مدى السنوات الـ 20 السابقة على ذلك.


    ربما ينتهي المطاف بالأزمة إلى الإضرار من جديد بالسمعة المتعثرة للسياسيين اليابانيين. فهؤلاء السياسيون هم الذين أخفقوا في نهاية المطاف في حماية الصالح العام من حيث تحقيق صناعة نووية مأمونة. وفي حين أن الوقت القصير الذي أمضته في السلطة الحكومةُ الحالية بزعامة الحزب الديمقراطي يعني أنه لا يمكن تحميلها تبعة خلق هذه الأزمة، إلا أن رئيس الوزراء لم يُظهر أنه الزعيم القادر على طمأنة وتهدئة روع الأمة في وقت من هذا القبيل.


    مع ذلك، أي شخص أمضى فترة من الزمن بين الناجين سيوافق بالتأكيد على أن هذه الكارثة أظهرت كذلك أفضل ما في الأمة اليابانية. ورغم أن استجابة الحكومة كانت قاصرة في بعض المناطق، إلا أن جهود الإغاثة كانت منظمة وتتسم بالكفاءة بصورة عامة. كما أن السياسيين الذين يتعرضون لانتقادات كبيرة تمكنوا على الأقل من إيقاف النزاع بين الأحزاب الحاكمة وجماعات المعارضة، وهو نزاع هدد بعرقلة الميزانية الحكومية للسنة المقبلة.


    وعلى طول الساحل الشمالي الشرقي، كان الناس الذين فقدوا أحباءهم ومساكنهم كانوا يتصرفون بانضباط ودون شكوى أو اعتراض. وما يشير إلى المعايير العالية للنظام الاجتماعي الذي وضعه اليابانيون لأنفسهم أن سكان ميناء أوفوندو المتضرر بقوة، يشعرون باستياء شديد من الإشاعات التي تقول إنه تم اعتقال أربعة أشخاص لقيامهم بالسرقة من المنازل المدمرة. ويقول أحد المقيمين: ''كنت أظن أن هذه بلدة طيبة''.


    وحتى بين الحطام كان من الممكن أن تسمع الجيران وهم يحيون بعضهم بعضاً ويحيون الزائرين بفكاهة مؤدبة. وحين سئل ماساتو ميورا، وهو رئيس لإحدى الجمعيات التعاونية لصيد الأسماك من قرية في منطقة كامايشي الساحلية، كيف لا يزال بمقدوره الضحك في وقت عصيب من هذا القبيل، أثار ضحك أصدقائه بقوله: ''نحن الساموراي اليابانيون''.


    ويضيف ميورا: ''نحن نضحك بوجوهنا ونبكي بقلوبنا. لا أستطيع التفكير في المستقبل. كل ما أستطيع أن أفعله هو التعامل مع اللحظة الحاضرة''.


    هذه القدرة على تنحية الحزن وفقدان الأحبة جانباً في سبيل التصدي للتحديات القائمة أمام الناس ستجعل ضحايا الكارثة يظهرون بمظهر جيد أثناء المسيرة الطويلة والشاقة نحو التعافي في المرحلة المقبلة. لكن حين يتم تبريد المفاعلات المتضررة وتنظيف الحطام الناتج عن الزلزال، ينبغي أن تضع اليابان لنفسها مهمة إنشاء مرافق نووية يمكن الوثوق بها، وحكومة قادرة على الإشراف التنظيمي المناسب السليم لهذه المرافق. في هذه الحالة فقط يكون للناجين الصابرين على قدرهم الزعماء والمؤسسات التي يستحقونها.
يعمل...
X