لماذا يأتي الادخار بصورة طبيعية في عصر القلق؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لماذا يأتي الادخار بصورة طبيعية في عصر القلق؟

    ''أستطيع أن أرى المشكلة التالية، ''هذا ما قاله لي رئيس مجلس إدارة شركة متعددة الجنسيات ذات يوم''. ستكون على هذا النحو: ما الذي ستفعله بأموالك النقدية''؟

    إن شركته تسبح في بحر من النقد بالكاد بعد عامين من وصولها إلى الحضيض عندما كانت الأزمة في أوجها. وهو يستطيع أن يستشعر أنه إذا مرت أشهر عديدة أخرى من دون القيام بعمليات استحواذ كبيرة أو استثمارات جديدة، فسوف ينتاب حملة الأسهم شعور بالقلق من أجل القيام بتوزيعات خاصة للأرباح أو إعادة شراء الأسهم ـــ والمقصود القيام بأي شيء للاستفادة من النقد القابع في خزن الشركة.

    لقد بدا عازماً على القتال. ''ينبغي علينا أن نركز على المركز الذي ستكون فيه بعد خمسة أعوام، ولن نحصل لأنفسنا على ميزانية عمومية متوسعة مرة أخرى. من المؤكد أنه ينبغي أن يكون مقبولاً وجود ميزانية عمومية خاملة لفترة من الوقت''.

    ليس وحده الذي لديه هذا الشعور. إن رؤساء الشركات في سائر أرجاء العالم لديهم أموال نقدية كثيرة ويريدون الاحتفاظ بها وهذا عرض خطير لعصر جديد من القلق في وقت يحاول فيه عالم الشركات ويفشل في إقناع نفسه بأن الأزمة المالية العالمية قد فجرت نفسها. وحسب تعبير ريتشارد دوبز، مدير معهد ماكينزي العالمي: ''إن الشركات غير متأكدة إلى أين سيذهب العالم. وإلى أن تتأكد من ذلك، فإنها لا تريد أن تتصرف بالأموال''.

    إن لديه كل الأسباب لعدم اليقين. فقد جلب هذا الأسبوع وحده ضراوة جديدة لأزمة الدين السيادي في منطقة اليورو. وإذا صدقنا الأسواق، فإن من المتصور الآن أن تعجز حتى إسبانيا، وهي واحدة من أكبر الاقتصادات الأوروبية، عن سداد ديونها. وزادت المواجهة البشعة في شبه الجزيرة الكورية إمكانية نشوب حرب تشترك فيها دولة مارقة تمتلك أسلحة نووية.

    جاءت هذه التطورات المخيفة في وقت أثارت فيه التدابير الاستثنائية التي اتخذها بنك الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) الأمريكي أعصاب الأسواق. ويتحدث الناس العقلاء عن ''حرب عملات'' بين أمريكا والصين. وفي هذه الأثناء يشتد الجدل حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تتعرض لخطر الانكماش أو التضخم. ويبدو كلا الأمرين خطراً حقيقياً، ما يجعل خزن الشركات أكثر إحجاماً عن القيام بتحرك حاسم.

    لكن الشعور بعدم اليقين لا يقتصر على الشركات وحدها. وكما يريد الساسة بشكل يائس من المستهلكين أن ينفقوا ومن البنوك أن ُتقرض، فإن لدى الشركات رغبة شديدة في الإفراج عن الأموال النقدية. وإذا اقترضنا أن العالم سيتجنب السقوط في ركود مزدوج، فسيكون ذلك على رأس أجندة المستثمرين في العام المقبل.

    من المؤكد أن هناك الكثير من النقد المتوافر. وبحكمه على هذا الأمر من خلال مقياس السيولة، فإن ديفيد موريس من شركة جلوبال ويلث الوكيشن في لندن يقدر أن مجموع أرباح الشركات التي تؤلف مؤشر msc1 لجميع بلدان العالم تبلغ حالياً قرابة ثلاثة آلاف مليار مليار دولار في السنة أي بارتفاع نسبته 24.5 في المائة عن أدنى مستوى لها في شهر كانون الثاني (يناير) وبانخفاض نسبته 7 في المائة فقط من أعلى مستوى حققته قبل انهيار بنك ليمان برذرز منذ 27 شهراً. وخارج الولايات المتحدة، بلغت الأرباح النقدية مستوى عالياً جديداً.

    لكن هذه الأرباح محجوزة. وهي ما زالت قابعة داخل الشركات دون أن يكون لها أثر واضح على العالم من حولها. فحسب بنك كريدي سويس، تشكل التدفقات النقدية الحرة للشركات غير المالية في اكبر أربعة اقتصادات متقدمة الآن نسبة 4.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا ضعفا ما كان عليه قبل عقد من الزمن، وهو رقم قياسي. لكن حصة الناتج المحلي الإجمالي الموجهة للاستثمار في أدنى مستوى لها في عقود عند نحو 16 في المائة.

    من أين جاءت الأموال النقدية إذن؟ تحركت الشركات بقوة لخفض التكاليف في أعقاب صدمة بنك ليمان برذرز. وقد أدى ذلك إلى حدوث بطالة، لكنه ترك مبالغ نقدية أكبر بكثير في دفاترها لتوظيفه عندما يبدأ التعافي. وليس لدى الشركات الكبيرة مشكلة في الوصول إلى التمويل الرخيص المتوافر من الحكومات والبنوك المركزية ـــ خلافاً للمستهلكين وللشركات الصغيرة التي يجب عليها أن تخضع لمعايير أشد تفرض عليها من قبل مسؤولي الأقراض على الأرض.

    في الصين، تدفع الشركات توزيعات أرباح أقل مما تدفعه نظيراتها الأمريكية، وتدخر أكثر منها حتى. لكن زيادة الطلب الصيني ولد النقد في أماكن أخرى. إن شركات التعدين، لا سيما المجموعات التي تعمل في مجال الموارد الطبيعية، لديها أموال نقدية وفيرة بسبب ارتفاع أسعار السلع الذي يبدو غير قابل للدوام.

    لا عجب إذن أن يتصرف المستثمرون والشركات كما لو كانت الأرباح المنتعشة غير حقيقية. وما زالت أسواق الأسهم أقل من أعلى المستويات التي وصلت إليها قبل الأزمة بكثير. وتجري عمليات إعادة شراء أسهم الشركات فوق متوسطها التاريخي، وذلك حسب بحث أجراه تريم تابز، لكنها ما زالت أقل بكثير من المستويات القياسية التي شوهدت في عام 2006، حين كان المستثمرون يلحون على الشركات أن تقترض الأموال بما كان أسعار فائدة رخيصة جداً في ذلك الوقت واستخدامها في استرداد الأسهم.

    وما زال عقد الصفقات نادراً. ولم تحدث موجة الاندماجات والاستحواذات المتوقعة، لأن الشركات التي تمكنت من البقاء تهدف إلى الارتباح من الأزمة بشكل كامل. ولا تريد الشركات أن تزيد توزيعات الأرباح بسبب صعوبة الأوضاع التي تمر بها. إن خفضها يسبب إزعاجاً حقيقياً لحملة الأسهم، ولذلك فإن أي زيادات يمكن أن توحي بالثقة بأن بالإمكان تحمل مستويات جديدة من الرواتب العالية.

    إن التنفيذيين ليست لديهم تلك الثقة. ورغم ذلك، لا مفر من الضغط لعمل شيء بهذه الأموال النقدية. ويريد المستثمرون أنفسهم أن يروا بعضاً منها. وسيستفيد الساسة الذين يبذلون جهوداً مضنية في مواجهة الركود من حقيقة أن الشركات رفعت هوامش الربح بشكل حاد ورغم ذلك فإنها تتمسك بما لديها من أموال.

    لا عجب إذن أن التنفيذيين عازمون على الاحتفاظ ''بميزانية عمومية خاملة''. لكن ينبغي أن يعلموا أنهم سيواجهون معارضة في ذلك.


يعمل...
X