اعتقال ملاديتش يطوي صفحة في البلقان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اعتقال ملاديتش يطوي صفحة في البلقان

    أمامنا ثلاث سنوات فقط قبل حلول الذكرى المئوية لحادث الاغتيال الذي شهدته سراييفو وأشعل الحرب العالمية الأولى. وفرص العلاقات العامة التي من هذا القبيل نادرة الحدوث في حياة بني البشر. وبعد أن ألقت الحكومة الصربية القبض على الجنرال المجرم، راتكو ملاديتش، ما عليك إلا أن تتخيل ما الذي يمكن لاتحاد أوروبي مبدع أن يستفيده من ذلك.

    يمكن لزعماء الاتحاد الأوروبي والبلقان أن يجتمعوا عند النقطة التي أطلق منها جافريلو برنسيب الطلقتين اللتين قتلتا الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند وزوجته صوفيا. وفي الأثناء يمكن أن يعلنوا انضمام غربي البلقان إلى الاتحاد الأوروبي، وأن يرددوا كذلك كيف أن هذا المشروع السلمي الأوروبي العظيم تمكن أخيرا من إبطال الأذى الناشئ عن ''برميل البارود الأوروبي'' ـ الوصف الذي كان يطلق على البلقان في بداية القرن العشرين.


    بهذه المناسبة، بدلاً من أن يبدو الاتحاد الأوروبي كجماعة من البيروقراطيين من أصحاب الشعر الرمادي الذين ينحنون تلبية لرغبات القادة السياسيين للبلدان الأعضاء، الساعين إلى تحقيق أجنداتهم الانتهازية، بإمكان الاتحاد أن يظهر كمؤسسة ذات رؤية، تتماشى بوعي مع عالم ينتصر فيه السلام والتعاون الاقتصادي على التوتر العرقي والتخلف التنموي.


    حسنا، يمكنني أن أحلم، أليس كذلك؟ بالعودة إلى العالم الواقعي تبدو أمور البلقان أقل إشراقاً. النقطة المضيئة الوحيدة هي كرواتيا التي يمكنها توقع دعوة قريبة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. أما بالنسبة إلى صربيا، وبقية غربي البلقان، فإن توقعات الانضمام لا تزال بعيدة.


    فلا تزال المنطقة مبتلاة بثلاث مشاكل دستورية نجمت عن تقسيم يوغسلافيا: كوسوفو، والبوسنة، ومقدونيا. واثنتان من نتائج الأزمة المالية العالمية تجعلان حل هذه المشاكل أمراً أكثر صعوبة. الأولى، زيادة المعارضة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي للتوسيع المستمر لهذا الاتحاد. والأخرى، أن دول البلقان تعرضت إلى أذى شديد من الأزمة – تراجعت الاستثمارات الأجنبية بصورة حادة عبر المنطقة، والبطالة عند مستويات مرتفعة.


    مع ذلك، وعلى الرغم مما يبدو من مشاكل مستعصية وتوقعات اقتصادية كئيبة، ساهمت كل دول غربي البلقان في نهضة مثيرة للإعجاب على صعيد التعاون الإقليمي. لم يجبرها الاتحاد الأوروبي على القيام بذلك وبإمكانها المفاخرة بنجاحها في مجالات حرجة، مثل الجريمة المنظمة والفساد. فقد استطاعت إبطال عملية تهريب دولية رئيسية لإدخال الكوكايين إلى الاتحاد الأوروبي في العام الماضي.


    وترافق هذا التعاون آليات سياسية فعالة يمكن أن تكون مفتاح حل مزيد من المآزق السياسية المزعجة. وتتعلم المنطقة أن بإمكانها في بعض الأحيان تحقيق إنجازات أوسع بالعمل معاً، بدلاً من التحرك بتوجيه من الاتحاد الأوروبي، أو الولايات المتحدة.


    وينتظر الجميع ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيكافئ بلغراد على إلقائها القبض على الجنرال ملاديتش. ومن المحتمل أن الرئيس الصربي، بوريس تاديتش، يتوقع أن تخفف بروكسل الضغط على حكومته بخصوص تقديم تنازلات حول كوسوفو. ومع اقتراب انتخابات صربيا، يبدو مترددا في الظهور بمظهر السخي للغاية في المفاوضات المستمرة، وإن كانت غير مثمرة، بين صربيا وكوسوفو.


    وفي الوقت نفسه، الحكومة في برشتينا لديها حافز قليل للتوصل إلى صفقة بعدما بدأت طريق العضوية في الاتحاد الأوروبي. وبدلاً من ذلك، فهي تعتمد على الدعم الأمريكي، كما أن واشنطن شجعتها على انتزاع أقصى ما يمكنها من التنازلات من صربيا.


    وفي السنوات الأخيرة تفاقمت مشاكل البوسنة. فاتفاقيات دايتون التي أنهت الحرب وشكلت دستور البلاد لم تعد تعمل. ويظل أهم سياسي في البلاد أجنبياً، وهو الممثل الأعلى الذي يواصل تقرير مصير البلاد بأوامره.


    لكن الخوف الذي عبر عنه الممثل الأعلى السابق، بادي أشداون، من احتمال أن تتحول البوسنة ثانية إلى العنف، الأمر الذي يمكن أن يشعل حريقاً إقليمياً كبيراً آخر، في غير مكانه. ولا يمكن لذلك أن يحدث إلا إذا رغبت زغرب وبلغراد، العاصمتان الأم لكروات البوسنة وصرب البوسنة، في إشعال الحرب. لكنهما مشغولتان للغاية بإظهار مدى مسؤوليتهما أمام الاتحاد الأوروبي ولن تبددا رصيدهما السياسي في صراع عديم الفائدة في البوسنة.


    وينصح كارل بيلدت، وزير خارجية السويد، وأول ممثل سامٍ في البوسنة، بالصبر. ويقول: ''بما أن كرواتيا وصربيا على طريق الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فلا يمكن أن تتجنب البوسنة التحرك بالاتجاه نفسه. سيساعد ذلك إذا توقف الدبلوماسيون الدوليون عن الاعتقاد أن بإمكانهم إصلاح البلد، وهو ما كان يعزز ثقافة تجنب تحمل المسؤولية بين زعمائها (...) لم تعد عصا دايتون تنجح، لكن جزرة بروكسل يمكن أن تنجح بمرور الوقت''.


    ومن المفارقات أن مقدونيا ربما تقود إلى الطريق المؤدي إلى الخروج من هذه المشاكل. فعلى الرغم من سنوات من المعاناة بسبب السياسيين الفاسدين، وكذلك بسبب انقسام عرقي منهك ونزاع مرير مع اليونان حول اسم البلد، تواصل حكومة سكوبي محادثات هادئة ومكثفة مع أثينا للخروج من الطريق المسدود – دون وساطة من جانب الاتحاد الأوروبي، أو الولايات المتحدة.


    إن الإدارة المصغرة، سواء من جانب الولايات المتحدة في كوسوفو، أو الاتحاد الأوروبي في البوسنة تعمل ضد الأهداف المرادة منها. وبدلاً من ذلك، فإن حوافز فعلية للحكم الرشيد ستنقل المنطقة باتجاه إصلاح دستوري فعّال. لقد احتاجت بريطانيا وإيرلندا، والوطنيين والموالين، إلى 30 سنة للتوصل إلى حل لمشاكل أدت إلى مقتل ثلاثة آلاف شخص. وفي ظل الصراعات المتعددة والوفيات الأكثر بكثير التي شهدتها يوغسلافيا السابقة خلال التسعينيات، فإن اعتقال الجنرال ملاديتش يجب أن يكون لحظة للاعتراف بالتقدم الكبير الذي أحرزته المنطقة في تطلعها إلى أن تصبح جزءا من أوروبا.




    الكاتب مؤلف ''البلقان 1804 – 1999: التعصب الوطني، والحرب، والقوى العظمى'' The Balkans 1804-1999: Nationalism, War and the Great Powers
يعمل...
X