أمريكا مقعدة وعاجزة عن النهوض

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أمريكا مقعدة وعاجزة عن النهوض


    تتزايد المخاوف من أن الولايات المتحدة بسبيلها إلى السقوط في الانكماش مجددا. فالمستهلكون خائفون وسوق الإسكان مشلولة، مع استمرار الأسعار في الهبوط. وشهد الأسبوع الماضي مزيدا من الأخبار المخيبة للآمال بخصوص الوظائف والصناعة التحويلية. وأرقام الوظائف التي تتم مراقبتها عن كثب، كانت أسوأ من المتوقع يوم الجمعة. فقد توقع المحللون 175 ألف وظيفة جديدة في القطاع الخاص، وهو رقم يعتبر متدنياً، فجاء العدد 83 ألف وظيفة. وارتفعت نسبة البطالة إلى 9.1 في المائة.

    وخلال أسابيع سيصطدم الاقتراض الفيدرالي بالسقف القانوني للدين ويزيد من احتمال حدوث عجز ـ والمحادثات من أجل منع ذلك لا تحقق تقدماً. يضاف إلى ذلك أن برنامج التسهيل الكمي 2، الخاص بالاحتياطي الفيدرالي في نهايته. وأدت الأسعار الأعلى للسلع إلى ظهور صورة التضخم على شاشة الرادار. وكان من المفروض أن تخفض هذه العوامل ثمن دين الحكومة الأمريكية، وتدفع سعر الفائدة طويل الأجل إلى أعلى. غير أن مدى المخاوف بخصوص التعافي الفاتر جعل سعر الفائدة على السندات لأجل عشر سنوات يتراجع إلى أقل من 3 في المائة في الأسبوع الماضي، أي أقل مما كان عليه خلال العام كله.

    وحتى في ظل حكومة نجحت في مهمتها، من الصعب اجتراح إجراء علاجي. يضاف إلى ذلك أن السياستين المالية والنقدية متوسعتان للغاية، وبالتالي الخيارات لاتخاذ مزيد من الإجراءات محدودة وخطيرة. لكن فكرة السياسة الأمثل في الوقت الحالي إنما هي فكرة طوباوية، لأن الولايات المتحدة ليست لديها حكومة تستطيع أداء مهامها. ولو كان حكومة ناجحة لما كانت الساعة في عدٍ تنازلي الآن باتجاه عجز يتم بتفويض من جانب الكونجرس، حتى في وقت يتعطل فيه الاقتصاد.

    ومع أن توجيه السؤال لا يتعدى كونه ممارسة أكاديمية، ما الذي ينبغي للسياسة المالية الأمريكية أن تفعله؟ عليها أن تمزج بين حافز مالي جديد قصير الأجل (بصيغ تقدم المساعدة للوظائف) وإجراءات لتقليص الاقتراض (زيادات في العوائد وإصلاحات في التخويل) في الأجل الطويل. فكيف لأمر بهذا الوضوح أن يكون موضع جدل؟ على أية حال، في الواقع لا يوجد جدل، فالديمقراطيون والجمهوريون متفقون على رفض ذلك تماماً.

    وكي يتم استبعاد أي اعتبار آخر، يريد الجمهوريون تخفيض الإنفاق بأعمق وأسرع درجة ممكنة، الأمر الذي يضيف إلى مخاطر حدوث انكماش ثان. وبالنسبة إليهم، المزيد من الحوافز المالية قصيرة الأجل أمر مستبعد تماماً.

    الديمقراطيون، من الجانب الآخر، يجفلون من فكرة السيطرة المالية طويلة الأجل. ويعتقدون أن ذلك إنما هو غطاء للقضاء على مشروع ميديكير (التأمين الصحي لكبار السن)، وكذلك الضمان الاجتماعي (تعويضات التقاعد). ويقولون إنك بمجرد أن تبدأ القلق بخصوص العجوزات طويلة الأجل، فإنك تكون قد تخليت عن نصف الحجة للطرف الآخر. وفي واشنطن لا تتخلى عن شيء.

    الديمقراطيون على حق في أن الحماس لتخفيض فوري للإنفاق أمر خطير، لكنهم مخطئون ـ مخطئون في الاقتصاد ومخطئون في السياسة – بأنه يمكن ترك الاقتراض طويل الأجل ليعالج نفسه بنفسه. وعلى المنحنى المالي الحالي، حتى الولايات المتحدة ستستنزف قدرتها على الاقتراض. وبالنسبة للسياسة، فإن رضا الديمقراطيين عن النفس بخصوص الدين حرك الرأي للوقوف وراء تحرك الحزب الجمهوري لإجراء تخفيض فوري في الإنفاق. ويعود الفضل جزئياً إلى الديمقراطيين في جعل موقف يستحق قليلا من الدعم، يحصل على كثير منه.

    ومن خلال التمسك بوجهة نظريهما بصورة عنيدة بهذا الشكل، استبعد الجانبان التشدد المالي طويل الأجل للسماح بحافز مالي جديد. كما أن موقف الحزبين بخصوص الضرائب لا يعمل إلا على تعقيد المشكلة.

    فالجمهوريون يرفضون البحث في زيادة ضريبية من أي نوع – حتى كجزء من إصلاح يمكن أن يخفض معدلات الضرائب الحدية. ووعد الديمقراطيون بعدم زيادة الضرائب على 98 في المائة من الأسر. ورفع الضرائب على الأسر التي يزيد دخلها السنوي على 250 ألف دولار، يكاد يكون توصيتهم الوحيدة من أجل السيطرة على العجز. ومن الواضح أن هذا غير كاف للتعامل مع المشكلة في الأجل الطويل. وليس لدى أي من الطرفين أي اهتمام بصورة الاقتراض العام بمرور الوقت – الذي هو المتغير المالي الأكثر أهمية.

    ربما يكون من المتأخر للغاية إثارة هذه الحجج مرة أخرى. فالمواقف متخندقة بعمق. وأصبح النجاح في محادثات سقف الدين يعني، في الوقت الراهن، تجنب كارثة عجز ذاتي السبب. وما أن تتخلص من الضجة المثارة، فإنك تجد أن إصلاح السياسة المالية بمفهوم أكثر ذكاءً أمر لا يناقش.

    وبذلك تظل أمامنا سياسة الإسكان. وكان الإسكان في صلب الانكماش، كما أنه مستمر في إفساد التعافي. وفي ظل عجز السوق عن التعامل السليم مع الزيادة الكبيرة في حبس الرهون، فقد عجزت عن إيجاد أرضية لأسعارها، وعن استقرارها. وحتى في الوقت الراهن، يجب على الإدارة إعادة بحث هذه القضية والبحث عن وسائل لتقليص حبس الرهون، أو إنهاؤه، إما بانتزاعها من أيدي خادمي القروض، أو بمنح المقترضين المتعثرين خيارات لتقليص أصل الدين.

    تأتي بعد ذلك السياسة النقدية. والاحتياطي الفيدرالي منقسم حول إلى أي مدى يحث خطر التضخم الأعلى على التزام الحذر في الإبقاء على الحافز المالي المقدم من خلال أسعار الفائدة المتدنية للغاية في الأجل القصير والتسهيل الكمي، ناهيك عن زيادته. وأصبحت الأسواق تفترض أنه لن يكون هناك تسهيل كمي 3 حين تنتهي فترة التسهيل الحالي: وكان السؤال هو ما مدى السرعة التي سينتهي بها التسهيل الكمي 2.

    إن التعافي المتوقف والعجز الواضح من جانب الكونجرس والإدارة عن الاستجابة يجب أن يسكت الحديث عن خروج سريع من التسهيل الكمي 2 ووضع التسهيل الكمي 3 على طاولة البحث. إن المبررات لتسهيل إضافي قوية. وأي بنك مركزي مسؤول يكون مهتما على الدوام بمخاطر التضخم – لكن مع عدم إظهار الأجور أية علامة على الاستجابة لزيادة الأسعار، فإن هذا الخطر ليس فورياً. صحيح أن الخروج حتى من برنامج تسهيل أوسع سيتسبب في مشاكل، لكن يجب مرة أخرى أن تتم موازنة ذلك مع التكاليف الأعلى بكثير لتعافٍ فاشل.

    إن الاقتصاد يترنح والحكومة – إذا لم تكن بالفعل تزيد الأمور سوءا – فاشلة وعديمة الفائدة. والاحتياطي الفيدرالي هو كل ما تبقى لنا.


يعمل...
X