مرحى! الأمريكيون عائدون إلى بلادهم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مرحى! الأمريكيون عائدون إلى بلادهم

    الجنود الأمريكيون يلوحون بإشارات الوداع. ينبغي للأوروبيين الطيبين أن يحيوهم بالهتافات وهم في طريق العودة. فقد مر أكثر من عقدين منذ نهاية الحرب الباردة ولا ينبغي أن تكون فرنسياً (أو روسياً) لتوافق على أن الوقت قد حان كي يذهب الأمريكيون إلى بلدهم.ما زال لدى الولايات المتحدة نحو 80 ألف جندي في أوروبا، منتظمون حول أربع فرق قتالية. ويجري حالياً سحب إحدى هذه الفرق من قبل إدارة باراك أوباما. وربما تلحق بها فرقة أخرى عما قريب. ويأتي هذا القرار قوياً على أثر مرسوم يقضي بأن تلعب الطائرات الحربية الأمريكية دوراً ثانوياً في ليبيا.

    وتدور شائعات في الأوساط الدبلوماسية مفادها أن الرئيس يمكن أن يقوم أيضاً بإلغاء الخطط الخاصة بنشر أحدث الدفاعات الصاروخية في أوروبا. إن الأوروبيين يرغبون في نشر درع صاروخي تابع لحلف الناتو لحمايتهم من الأنظمة المارقة، كالنظام الموجود في طهران، لكن المشكلة أنهم لا يريدون أن يتحملوا القسط الذي يترتب عليهم.في المجمل، يعطي موقف أوباما صدقية للفكرة القائلة إن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر أوروبا نقطة مركزية في مصلحتها الاستراتيجية. صحيح أن الرئيس سيصل إلى لندن في الشهر المقبل بدعوة لأخذ الصور على مدى يومين مع الملكة في قصر باكنجهام. وسيعرج كذلك على قمة مجموعة الثماني في فرنسا ويمضي بضع ساعات أيضاً في وارسو، لكن هذا نوع من تفضيل الشكل على الجوهر. لقد بدأ الأمريكيون يتخلون عن أوروبا. لدى الولايات المتحدة أولويات أكثر إلحاحاً – في شرق آسيا، وفي باكستان وأفغانستان، وفي منطقة الشرق الأوسط. ربما تكون أوروبا قد نسيت موضوع العراق، لكن الولايات المتحدة ما زالت منشغلة به بشدة. وفي الوطن، لدى أوباما عجوزات بتريليونات الدولارات ينبغي سدها. وإذا لم يكن الأوروبيون على استعداد للدفع من أجل أمنهم الخاص، فلماذا يتحمل دافعو الضرائب الأمريكيون الفاتورة؟ليس كل واحد في واشنطن مرتاحاً من هذا. فالسيناتور ريتشارد لوغار، الصوت الجمهوري البارز في السياسة الخارجية، عارض عمليات السحب الأخيرة للقوات. وهو يقول إن حضوراً متقدماً في أوروبا رمز حيوي لالتزام الولايات تجاه التحالف. لكن لوغار من بين مجموعة متناقصة من الأطلسيين الذين ينتمون إلى المدرسة القديمة، حتى في حزبه. فقد اقترحت إدارة جورج دبليو. بوش حتى إجراء تخفيضات أعمق في القوات الموجودة في أوروبا.يمكنك أن تفهم سبب التخوف الذي يشعر به الزعماء الأوروبيون. فهم يجدون منذ الآن صعوبة بالغة في فرض منطقة الحظر الجوي فوق ليبيا، التي لا تعتبر حتى صراعاً من الحجم المتوسط. وما زاد الأمر صعوبة أن ألمانيا انحازت إلى روسيا والصين في معارضة هذه العملية. وكذلك فعلت بولندا.لقد أسهمت إيطاليا والسويد بالطائرات الحربية، لكن مع عدة تحفظات. فقد وافقت على أن يجوب الطيارون التابعون لها الأجواء، لكن يجب ألا يطلقوا النار على أي شيء. وهذا يترك معظم العبء على عاتق الفرنسيين والبريطانيين الذين يقال إن القنابل الموجهة بدأت تنفد لديهم. فما الذي يمكن أن تفعله أوروبا في حرب حقيقية؟لقد أمضيت جزءاً لا بأس به من وقتي أخيرا في حضور المؤتمرات، والندوات، والاجتماعات التي تتعلق بمستقبل الأمن الغربي. لقد ألقى أخرها، وهو اجتماع ممتاز عقد في مؤسسة ديتشلي، نظرة متفحصة معمقة على طبيعة وتوزيع القوة الأوروبية.إن مواضيع عدة تتخلل كل نقاش من هذه النقاشات. ويقول أحدها إن ساحة أوروبا الخلفية أخذت تصبح مكاناً أقل قدرة على التكهن به وأكثر خطورة، ويقول موضوع ثان إن أوروبا تواجه تهديدات جديدة وغير متناسقة، سواء من الهجمات عبر فضاء الإنترنت أو من الإرهابيين، ويقول ثالث إن الولايات المتحدة بدأت تسأم من العمل كصراف رئيسي للرواتب في حلف الناتو، ويقول رابع إن الناخبين الأوروبيين ليسوا على استعداد لمواجهة التحدي الأمني.إن التهديدات واضحة بما فيه الكفاية. وتقود الانتفاضات العربية الاحتمال طويل المدى بوجود جوار أكثر استقراراً ورخاءً في جنوب البحر الأبيض المتوسط. وفي المدى القصير، كما نشاهد في ليبيا، فإن المخاطر تنطوي على صراع وفوضى طويلين على عتبة أوروبا.وتشكل بلاد البلقان الغربية مصدراً آخر للخطر. فبعد مضي نحو 15 عاماً على اتفاقيات دايتون، ما زالت المنطقة تشهد عدم استقرار مسلح. فالبوسنة تبدو قريبة لدرجة الخطر من الانقسام العرقي. والصرب ترفض قبول قيام دولة في كوسوفو. ويعمل جزء كبير من يوغوسلافيا السابقة كمركز قيادة وسيطرة للجريمة الدولية، والاتجار بالمخدرات، والهجرة غير الشرعية.وعبر النصف الشرقي من القارة توجد مخاوف مبررة من أن تستغل روسيا الأكثر تأكيداً لنفسها، رحيل الأمريكيين لإعادة تأكيد سيطرتها على بلدان الاتحاد السوفياتي السابق وخارجها. لقد أعطى ديمتري ميدفيديف السياسة الخارجية الروسية وجهاً أكثر وداً بقليل، لكن القرارات الحقيقية ما زالت تتخذ من قبل فلاديمير بوتين.في ظل هذه الظروف يقول كثيرون إن النهج الذكي بالنسبة للأوروبيين هو التوسل إلى الأمريكيين للبقاء. لكن الحقيقة الصعبة هي أن أوروبا بحاجة إلى العلاج بالصدمات. فطالما استكانوا بارتياح تحت المظلة الأمنية الأمريكية، سوف يستمر الأوروبيون في العيش في مدينة فاضلة في عصر ما بعد الحداثة يكون الشيء الوحيد الذي يفعلونه بالإنفاق الدفاعي فيها هو خفضه، وتكون القوة الوحيدة التي يجدر الحديث عنها قوة ذات طابع ناعم بصورة واضحة.صحيح أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يقولان لنا إن العالم مكان خطر. وتقع على أوروبا أيضاً مسؤولية منع أنظمة كنظام معمر القذافي من ذبح شعوبها. لكن ما الذي يقوم به هذان الزعيمان حتى وهما يسعيان للإطاحة بالنظام الليبي؟ فرض تخفيضات عميقة على قواتهما المسلحة.الأرقام معلنة من قبل توماس فلاسيك في تقرير يلقي الأضواء على هذا الموضوع لمركز الإصلاح الأوروبي. إن معظم البلدان الأوروبية تنفق أقل بكثير من الهدف الذي حدده حلف الناتو، البالغ 2 في المائة من الدخل القومي. الدنمارك وحدها تخطط لزيادة ميزانيتها الدفاعية في الأعوام المقبلة. وهناك بلد أو بلدان يخططان لتجميد الإنفاق. وتقوم بقية البلدان بخفض الإنفاق.إن فلاسيك مصيب في الدعوة إلى الإسهام في التكاليف والقدرات. لكن المشكلة تتجاوز العزة الوطنية. فمن ناحية، تتعلق التخفيضات بالتقشف المالي، ومن ناحية تتعلق بالإحجام عن شرح التهديدات الجديدة للناخبين المتشككين. وفي حقبة ما بعد العراق يبدو كثيرون من صانعي السياسات غير قادرين على تمييز الحذر الحصيف من الخطط الطائشة للشروع في حروب غير ضرورية. وبناء على تجربتي الخاصة، فإن القول بأنه ينبغي على أوروبا أن تنفق بما يكفي لحماية مواطنيها يجعلك توصف بأنك من مريدي المحافظين الجدد الأمريكيين المتحمسين للحروب.لكن الحقيقة – المخرج الذي يسمح للسياسيين وصانعي القرارات بالعيش في ظل تناقص مستويات التهديد المتصاعدة وتقلص القوات المسلحة – هي مظلة الأمن الأمريكية. فطالما ظل الجنود الأمريكيون موجودين هنا، يمكن لأوروبا أن تخدع نفسها. وكما قلت، حان الوقت كي يعود الأمريكيون إلى بلدهم. وعندها نستطيع نحن الأوروبيين أن نكبر وننضج.
يعمل...
X