البنوك جيدة الأداء ينبغي ألا تتعرض للعقاب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • البنوك جيدة الأداء ينبغي ألا تتعرض للعقاب

    لقد تم تصميم إطار بازل 3 لجعل النظام المصرفي أكثر مرونة، لكن على العكس من ذلك ربما يخلق مخاطر جديدة عبر مساندته تطور نظام ظل مصرفي غير منظم بما فيه الكفاية، وعبر معاقبته أنموذجا مصرفيا شاملا ومنوعا أثبت مرونته خلال الأزمة.

    وزيادة على ذلك يبدو أنه ليست هناك إجراءات مهمة لتعزيز العمل الإشرافي الذي يبدو أنه أكثر أهمية في منع وقوع الأزمات المصرفية من التنظيم نفسه.


    ينشأ التناقض الأول من وجود نظام ظل شاسع أقل تنظيماً، إلى جانب قطاع مصرفي يزداد تنظيماً. لقد تم حقاً احتواء الأنموذج المصرفي القائم على مبدأ ''ولِّد ووزع'' الذي كان مصدر الأزمة. فقد تم تقليل التوريق بشكل كبير لأسباب سوقية وتنظيمية. وفي الولايات المتحدة يجب أن تتقيد البنوك بـ ''قاعدة فولكر'' ويحظر عليها قانونياً مزاولة التداول بأموال الغير، أو الاحتفاظ بأموال صناديق التحوط وشركات الأسهم الخاصة.


    بيد أن هذه الأنشطة تظل مغرية لكثير من المستثمرين. وهكذا يوجد إغراء لتحويلها إلى نظام الظل المصرفي الذي يمكن أن يتوسع من دون قيود تذكر. والرد المنطقي الوحيد على ذلك هو إخضاع نظام الظل المصرفي للتنظيم وللقيود الرأسمالية. إن الجهات المسؤولة عن التنظيم تدرك هذا الاستنتاج (بموجب قانون ''دود ـ فرانك'' يمكن إعلان أن المؤسسات غير المصرفية مهمة بالنسبة للنظام ككل والتعامل معها على هذا الأساس).


    لكن هذه الجهات تؤكد على الصعوبات العملية التي ينطوي عليها هذا النهج. ويبدو أنه لم يتم القيام بأي شيء على هذا الصعيد، رغم أن مجلس الاستقرار المالي يعمل على هذه المشكلة.


    ويتعلق التناقض الثاني بأوروبا تحديداً. فالأنموذج المصرفي السائد في القارة الأوروبية هو نظام البنوك الشاملة المنوعة التي لديها محافظ تشتمل على تقديم القروض الفردية، وقروض الشركات، وتمويل المشاريع، والصيرفة الاستثمارية، وإدارة الأموال. وتحتفظ هذه البنوك بقروضها في ميزانياتها العمومية وتقوم بالقليل على صعيد التوريق. وهذا الأنموذج يناسب الطريقة التي يتم بها تمويل الاقتصاد الأوروبي بشكل جيد، وهي أن نسبة ثلاثة أرباع هذا التمويل تتم من خلال وساطة البنوك.


    وباستثناء بعض المؤسسات في سويسرا، وألمانيا، وهولندا، والمملكة المتحدة التي أفرطت في تضخيم سجلاتها الخاصة بالتداول، أثبتت هذه البنوك الشاملة مرونتها خلال الأزمة. ففي ضوء دورها المركزي في تمويل الاقتصاد ولجوئها المتواضع للتوريق، فإن لديها ميزانيات عمومية ضخمة، لكنها تحظى بقواعد إيداعات كبيرة تعزز سيولتها.


    غير أن مستويات رأس المال العالية التي تنشأ من معاهدة بازل 3 (المتطلبات الرأسمالية تضاعفت خمس مرات في المجمل) والمبالغ الإضافية التي يجري العمل على الانتهاء منها بالنسبة للمؤسسات المهمة للنظام ككل (ناهيك عن القواعد الجديدة الخاصة بالسيولة) ستعاقب البنوك الشاملة.


    إن المطلب الذي يقضي بأن تقوم البنوك الأوروبية التقليدية بزيادة أموالها الخاصة ينطوي على عاقبتين. أولا، في ضوء تكلفة رأس المال والتنافس على الودائع، سيتعين عليها أن تزيد سعر فائدة القروض التي تقدمها، الأمر الذي يزيد من تكلفة الائتمان. ثانياً، سيكون هناك ميل لتقليل الإقراض كي تعمل على تحقيق مستوى نسب رأس المال، ولتقصير آجال الإقراض. وستقع البنوك تحت إغراء الاحتفاظ بالموجودات الأكثر إدراراً للربح، لكنها خطرة في ميزانياتها العمومية.


    ويتعلق التناقض الثالث بالدورين اللذين يلعبهما كل من التنظيم والإشراف. فكلنا يعلم أن الضعف الشديد للإشراف - خاصة في البلدان التي تبنت أسلوب ''اللمسة الخفيفة'' – كان أحد العوامل الكبيرة التي أدت إلى حدوث الأزمة. وبطبيعة الحال كان التنظيم بعيداً عن درجة الكمال وهو في حاجة إلى الإصلاح. لكن لو كانت الضوابط أكثر نجاعة (كما هي في بلدان مثل كندا، وإيطاليا، وفرنسا) لأمكن تجنب الأسوأ. وليس مصادفة أن تغطي خريطة عدم الكفاءة الإشرافية حالات فشل البنوك بشكل تام تقريباً.


    ورغم ذلك، ركزت معظم السلطات عملها على التنظيم وليس على الإشراف. إن إدخال قواعد تزداد تعقيداً يوماً عن يوم لن يعود بفائدة كبيرة ويعمل فقط على تشجيع مصرفية الظل والالتفاف على الأنظمة.


    وحتى إذا أتت مجموعة الاقتصادات الرئيسية العشرين أخيرا على ذكر الإشراف في البيانات الصادرة عنها، فإن المرء لا يرى أن الكثير يجري على الأرض. ويقع الكثير على عاتق السلطات الأوروبية الجديدة تحديداً. وسيتعين عليها أن تكون مجهزة بالموارد الكافية والاستقلالية كي تعمم أفضل المعايير والممارسات الإشرافية على الصعيد العالمي. وسيكون دور مجلس الاستقرار المالي في تطوير سياسات إشرافية ودور صندوق النقد الدولي في مراقبة التقيد بهذه السياسات بالغ الأهمية أيضاً، إذا أردنا إنشاء ملعب مستوٍ.




    الكاتب رئيس مؤسسة يوروفي الفكرية المختصة بالخدمات المالية.
يعمل...
X