استبدال الدولار كعملة احتياط لن يحدث قريبا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • استبدال الدولار كعملة احتياط لن يحدث قريبا

    تيسير هشام سمكة :

    ليس امرا حتميا ان تهيمن عملة وطنية واحدة مثلما يهيمن الدولار . فقبل عام 1970 مثلا كان جزء كبير من احتياطات الدول بالذهب . وكان عدد من الدول يوزع احتياطاته بشكل اكثر تساويا على عدد من العملات بحيث تبقى قيمة الاجمالى غير معرضة لتقلبات الاسعار .

    واليوم ينتاب الصينين القلق من انهيار للدولار عن قصد او غير قصد ياخذ معه الاحتياطات الصينية . وبلغ الامر بحاكم البنك المركزى الصينى حد القول ان دور الدولار كعملة احتياط ساعد على حدوث الازمة المالية الحالية باجباره البلدان ذات الاحتياطات المتزايدة على نقلها الى الاسواق الامريكية حيث وفرت التمويل للفقاعة بما ترتب عليها من نتائج كارثية . اعتقد ان فى هذا شيئا من المبالغة . فقد كان باستطاعة الصين ان تنفق اموالها على شراء سلع وخدمات بدلا من شراء اصول مالية فى الخارج .وقدم الصينيون مساهمة كبيرة فى احداث الفقاعة من خلال ادخارهم المفرط وهو ما ادى الى تراكم احتياطات صينية هائلة بالعملات الاجنبية . وادى ذلك بدوره الى بداية ركود فى الغرب مما استدعى اتباع سياسة اسعار فائدة متدنية للغاية .

    وسواء وضعت الاحتياطات الصينية بالدولار او بعملة اخرى فان هذه مسألة ثانوية . ولكن حقيقة انها وضعت بالدولار بكثافة هى التى اوقعت الصين فى مأزق خطر . فهى تمتلك احتياطيات من العملات الصعبة تصل الى 2000 مليار دولار اى نحو ثلث الاجمالى العالمى .ونحو 7% من هذة الاحتياطات هى بالدولار اى ما يعادل ثلث الناتج الاقتصادى السنوى للصين ، وبالتالى اذا ما انهار الدولار فان البنك المركزى الصينى سيتكبد خسائر كبيرة . ولكن مشكلة الصين هى ان هنالك القليل مما يمكنها عمله . فهى تحتفظ بكمية كبيرة من الدولارات التى لا يمكنها بيع كمية معتبرة منها من دو ان تطلق شرارة انهيار الدولار اى الشئ ذاته الذى تخشاه . وفضلا عن ذلك فمع استمرار فائضها التجارى الهائل ومع استمرار الابقاء على انخفاض قيمة عملتها من خلال بيع الينمينبى مقابل الدولار فان مخزونها من الاحتياطات سيواصل تصاعده .

    هذه السياسة الصينية كانت خطا كبيرا . فقد كبحت بلا مبرر مستويات معيشة الشعب الصينى وهو لا يزال فقير جدا فى المتوسط و اوقع ذلك السلطات الصينية فى مأزق كبير وهو كيفية ادارة الاحتياطات . كما ان مساهمتها فى الازمة العالمية تهدد بالتسبب فى انهيار النظام المالى و الاقتصادى العالمى الامر الذى ستكون له عواقب وخيمة على الصين .


    وبدلا من معالجة الاتجاه الخاطئ للسياسة الاقتصادية العامة فى الصين تركز السلطات حاليا على اتجاه اخر وهو تشجيع استخدام عملتها بدلا من الدولار فى بعض التعاملات مع عدد من الشركاء التجاريين ، كما انها تحث صندوق النقد الدولى على اصدار سندات حقوق سحب خاصة ، وهى عملة داخل الصندوق ، كبديل لاصحاب الاحتياطات .


    وهنالك من يرى فى هذه الخطوات جبهة ثانية فى محاولات تجريد الدولار من دوره العالمى . ولكنها اذا كانت صحيحة فمن غير المرجح ان تنجح هذه المحاولات فى المستقبل القريب . واذا ما اتيح لعمليات السوق الطبيعية ان تعمل فان الصين ستحصل على بغيتها فى نهاية المطاف مع التراجع التدريجى لاهمية الدولار نتيجة للتراجع النسبى لأهمية اميركا فى التجارة العالمية و للقبول المتزايد لبدائل اخرى للدولار . ولكن تجربة الجنية الاسترلينى تشير الى ان ذلك يمكن ان يستغرق عقودا من الزمن . لقد تخطى حجم الاقتصاد الامريكى حجم الاقتصاد البريطانى فى سبعينيات القرن التاسع عشر ولكن الامر احتاج الى حربين عالميتين لكى يفقد الجنيه مركزه كعملة الاحتياط الرئيسية فى العالم . انا اشك فى ان ينتظر العالم كل هذا الوقت . فاجتماع تأثير النظام المصرفى المهشم و الخلل التجارى الهائل و الاحتياطيات الصينية الهائلة يهدد بحدوث اضطراب شديد . وقد لا يكون الدولار السبب الرئيسى فى هذه المشكلات ولكنه قد يكون الضحيه الرئيسية لها .


    هنالك مخرج للصين و لأميركا على السواء . فلابد من التوصل الى صفقة تشتمل على مزيد من الانفاق الدخلى من قبل الصينيين وعلى عملة اقوى ربما مقابل ترتيبات مقايضة عالمية لمخزون الصين من الدولارات ودور اقوى للصين فى المنتديات العالمية . ويمكن ان يؤدى ذلك فى النهاية الى الى تكوين نقد عالمى مثاما اقترح كينز عام 1944 . وكان اقتراحه بانشاء نقد عالمى جديد يحمل اسم ((بانكور)) قد رفض من قبل الامريكيين الذين ارادوا للدولار ان يكون فى المركز الاول .

    لقد جاء اقتراح كينز بعد تجربة الكساد واضطراب العملات ونزعة الحماية فى ثلاثينيات القرن العشرين . ويحتاج الاميركيون و الصينيون الى التصرف بقدر كبير من الخيال و القيادة لكى يحولوا دون تكرار ذلك .
    تيسير هشام سمكة
    ->< ابو باسل ><-
يعمل...
X