توقّف التعافي وباتت الكآبة عنواناً للاقتصاد الأمريكي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • توقّف التعافي وباتت الكآبة عنواناً للاقتصاد الأمريكي


    كان من المفترض أن يكون اقتصاد الولايات المتحدة في حالة ازدهار بحلول أواخر فصل الربيع، لكنه بالكاد يحقق أي نمو. فالتوقعات الخاصة بالنمو في الربع الثاني ليست أفضل بكثير من معدل 1.8 التافه، على أساس سنوي، الذي تحقق في الربع الأول. ولا يعتبر ذلك المعدل سريعاً بما يكفي لخفض مستوى البطالة العالي بصورة كبيرة في الولايات المتحدة. وستخبرنا وزارة العمل عما إذا كان وضع الوظائف قد تحسن في شهر أيار (مايو)، لكن لم تكن هناك مؤشرات على زيادة معدلات التوظيف.

    في هذه الأثناء، تواصل أسعار المنازل انخفاضها وهي الآن أقل بنسبة 33 في المائة من أعلى مستوى بلغته في عام 2006. وهذا انخفاض أكبر مما تم تسجيله في الكساد العظيم. إن البيوت أكبر أصل واحد للطبقة المتوسطة الأمريكية، ولذلك عندما تنخفض أسعارها يشعر كثير من الأمريكيين بأنهم أفقر حالاً. ويسهم كل هذا في جو من الكآبة العامة. وليس من المفاجئ أن ثقة المستهلكين منخفضة هي الأخرى.

    لقد توقف التعافي. ومن غير المرجح أن تجد أمريكا نفسها وقد عادت إلى الركود، لكن إمكانية حدوث ركود عميق للغاية لا يمكن استبعادها. ولا تتعلق المشكلة بجانب العرض في دفتر الحسابات. فما زالت أرباح الشركات صحية. وما زالت الشركات تتربع على خزينة نقدية. وتستطيع الشركات الكبيرة ومتوسطة الحجم أن تقترض المزيد بسهولة، بأسعار فائدة منخفضة. إن المشكلة في جانب الطلب. إذ لا يستطيع المستهلكون الأمريكيون الذين يشكلون 70 في المائة من مجموع الاقتصاد أن يشتروا، ولن يشتروا بما فيه الكفاية، للمحافظة على حركته. ولديهم قلق مبرر من ألا يكونوا قادرين على دفع فواتيرهم، أو من ألا يستطيعوا إرسال أبنائهم إلى الجامعة، أو أن يتقاعدوا. والبنوك التي لديها مبررات مساوية تحجم عن إقراضهم. لكن طالما غل المستهلكون أيديهم، تظل الشركات محجمة عن توظيف عمال جدد، أو رفع أجور العمال الحاليين، الأمر الذي يغذي هذه الدائرة الشريرة.

    إن التوقيت غير ملائم، ذلك أن المستهلكين الأجانب لن يساعدوا كثيراً حتى لو واصل الدولار انخفاضه. كما أن أزمة الديون الأوروبية وتبني بلدانها سياسة التقشف، ومأساة اليابان، وتشدد الصين المالي قللت الطلب العالمي. وفي الوقت نفسه، التحفيز الاتحادي في الولايات المتحدة وصل إلى نهايته. وبنك الاحتياطي الفيدرالي على وشك أن ينهي مشترياته من سندات الخزينة البالغة قيمتها 600 مليار دولار، والمصممة لخفض أسعار الفائدة طويلة الأجل، وكي يكون من السهل على أصحاب البيوت أن يعيدوا تمويلها. والأسوأ من ذلك أن حكومات الولايات – المتعطشة للإيرادات والتي يحظر عليها بموجب الدستور أن تدير عجوزات - تواصل خفض برامجها.

    في ظل الظروف العادية، كان يمكن أن يكون هذا هو الوقت المناسب لتقوم الحكومة الاتحادية باتخاذ إجراء شجاع لتجنب ركود عميق للغاية. مثلا، كان يمكن أن تضع أموالا نقدية في جيوب الناس وفي الوقت نفسه تعطي أصحاب العمل حافزاً إضافياً للتوظيف عبر إعفاء أول 20 ألف دولار من الأرباح من ضريبة الرواتب لمدة عام أو عامين، أو يمكنها أيضاً أن تقرض الأموال لحكومات الولايات وللحكومات المحلية. ويمكنها أن تطلق إدارة لمشاريع العمل الجديدة (على غرار سابقتها التي شكلت أثناء الكساد العظيم) وذلك لجعل العاطلين عن العمل لآجال طويلة يعملون في المشاريع العامة. ويمكنها أن تصلح قانون الإفلاس بما يسمح للناس أن يشملوا مساكنهم الرئيسية في الإفلاس الشخصي، الأمر الذي يعطي أصحاب البيوت مزيداً من الفاعلية لجعل مؤسسات الرهن العقاري تخفف شروط قروضها.

    لكن هذه ليست ظروفاً عادية، فقد مرت أمريكا بركود مدمر أحدث ثقباً ضخماً في الميزانية الاتحادية. ومع الانتخابات الرئاسية التي تجري في العام المقبل، بدأ الحزبان يناوران لتحقيق ميزات تكتيكية. فمنذ أن سيطروا على مجلس النواب في كانون الثاني (يناير)، يركز الجمهوريون على خفض الإنفاق الحكومي وعلى تشذيب الأنظمة. وزملاؤهم في مجلس الشيوخ الذين أعلن زعيمهم أن هدفه الرئيسي هو الإطاحة بالرئيس باراك أوباما، وطدوا عزيمتهم بالقدر نفسه تقريباً لتحقيق هذا الهدف. وقد يظن المتشككون أن الجمهوريين يأملون في أن يظل الاقتصاد في حال يرثى لها حتى يوم الانتخابات.

    ويتصرف الديمقراطيون في الوقت نفسه كما لو أنهم عاجزون كلية عن التأثير في الاقتصاد، رغم أن ديمقراطياً يشغل البيت الأبيض وأن الأشخاص المعينين من قبله يديرون الحكومة الاتحادية. وهم يفضلون عدم الحديث عن التباطؤ الاقتصادي لأنهم لا يرغبون في ترويع سوق الأسهم، أو زيادة الكآبة السائدة (فقد عملت ملاحظة جيمي كارتر المشؤومة عن ''اعتلال صحة'' البلد أثناء تضخم مصحوب بركود في أواخر سبعينيات القرن الماضي كتذكرة دائمة للرؤساء بأن يظلوا متفائلين). ويعلق الديمقراطيون آمالهم الانتخابية على استمرار الفوضى في صفوف الجمهوريين الطامحين لتولي منصب الرئاسة، وعلى خطة الجمهوريين الانتحارية لتحويل ميديكير، نظام التأمين الصحي الخاص بكبار السن الذي يحظى بشعبية واسعة، إلى كوبونات توجه الأموال إلى شركات التأمين الخاصة التي تعمل من أجل تحقيق الأرباح.

    والنتيجة هي كما لو أن واشنطن تعيش في كوكب آخر غير الذي تعيش فيه بقية البلد (كثير من الأمريكيين يمكن أن يقولوا إن هذه ليست بالظاهرة الجديدة). إن أشرس المعارك في عاصمة البلد تدور حول رفع الحد النظامي، أو القانوني للدين – لعبة الصقر والحمامة التي يطالب فيها الجمهوريون، مقابل أصواتهم، بوضع سقف للإنفاق الاتحادي في المستقبل في حين يصر الديمقراطيون على الإبقاء على إمكانية زيادة الضرائب المفروضة على الأثرياء. إن أعداداً لا تحصى من محللي الميزانيات ينقبون في توقعات لا نهاية لها للإيرادات والنفقات الحكومية في خمسة أو عشرة أعوام. وتقوم المراكز الفكرية والهيئات الرفيعة المستوى بإصدار تقارير ضخمة عن كيفية خفض عجز الميزانية في العقود المقبلة. وفي هذه الأثناء، يحاول الرئيس أن يبدو متقشفا على الصعيد المالي قدر الإمكان – حيث يقلل الإنفاق الاستنسابي غير الدفاعي، ويجمد أجور الموظفين المدنيين، ويقدم خططه الخاصة بخفض العجز.

    إن الشلل الذي تعيشه واشنطن في ظل توقف التعافي يعتبر خبراً سيئاً، ليس فقط بالنسبة للأمريكيين العاديين بل لبقية العالم. ومن المفارقة أنه يزيد أزمة الميزانيات المستقبلية لأمريكا سوءاً، لأنه يؤجل اليوم الذي يبدأ فيه الدين بالانكماش كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. لكن مع اقتراب موسم الحملات في 2012، يبدو أن الاحتمالات الخاصة بانتهاج سياسة معقولة تتناقص يوماً عن يوم.



    الكاتب أستاذ السياسة العامة في جامعة كاليفورنيا في مدينة باركلي، ووزير عمل أسبق في عهد الرئيس بيل كلينتون. وأحدث كتاب له ''ما بعد الصدمة: الاقتصاد التالي ومستقبل أمريكا''.


يعمل...
X