صانعو السياسات يتعلمون عبارة جديدة خادعة ومقلقة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صانعو السياسات يتعلمون عبارة جديدة خادعة ومقلقة

    أسبوع آخر وموجة أخرى من اختناق الحركة المالية في واشنطن. لكن بينما يتشاجر السياسيون الأمريكيون حول كيفية تخفيض الدين، يبدأ مفهوم آخر باسم خادع، الزحف بهدوء إلى النقاش السياسي: ''الكبح المالي'' financial repression.

    قبل أسابيع قليلة أعدت كارمن راينهارات، الاقتصادية الأمريكية التي استقطبت شهرة قبل عامين من خلال مشاركتها في تأليف كتاب مهم حول الديون السيادية بعنوان This Time is Different، ورقة عمل مشتركة لصندوق النقد الدولي حول موضوع ''الكبح المالي'' في الغرب. وعلى الرغم من أن هذه العبارة لم تصبح شائعة بعد، إلا أنها بدأت بتوليد طنين في أوساط النخب السياسية في واشنطن وبعض العواصم الأوروبية.

    والقضية التي في المحك تدور حول: أين ''يختار'' المستثمرون وضع أموالهم؟ وافترض المدخرون الغربيون عموماً خلال العقود الثلاثة الماضية أن بإمكانهم وضع أموالهم أينما أرادوا؛ لأن أسواق المال كانت منظمة حسب شعار العولمة ورأسمالية السوق الحرة ـــ وبذلك فإن ثمن الأموال (أو أسعار الفائدة) كان يحدده الطلب في الغالب. لكن كما تشير راينهارت، وزميلتها بيلين سبرانشيا، تلك الحرية كانت غير عادية. وكانت أسواق رأس المال في العشرينيات حرة تماماً، لكن من الأربعينيات حتى الثمانينيات فرضت الحكومات الغربية قيوداً على رأس المال وسقوف أسعار الفائدة، بحيث عملت على تقييد تدفقات رأس المال، الأمر الذي حد من خيارات المستثمرين.

    وغالباً ما يفترض أن هذه القيود كانت مدفوعة بموجة من الإصلاحات المالية بعد انهيار أسواق الأسهم عام 1929 (تماماً كما تطبق الحكومات إصلاحات مالية في أيامنا هذه). هذا صحيح جزئياً، غير أن راينهارات وسبرانشيا تجادلان بأن هذه القيود كان لها أثر مالي حاسم. وتصاعدت ديون الاقتصادات المتقدمة بعد الحرب العالمية الثانية، فبلغت نحو 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يقارب ما هي عليه الآن، الأمر الذي يعني أن الحكومات الغربية كانت في حاجة شديدة إلى العثور على مستثمرين لشراء السندات.

    ومن بين نتائج القيود أنها أوجدت لهذه السندات جمهوراً محلياً مقيداً. والأفضل من ذلك، أنه بسبب كون تلك السندات تعطي عائداً أدنى من معدل التضخم، فإنه كلما اشترى هؤلاء المستثمرون سندات، فإنهم يدفعون بالفعل دعماً خفياً للحكومة، الأمر الذي مكنها من تخفيض الدين. وتجادل كل من راينهارات وسبرانشيا بأن العالم نسي أن النظام واسع الانتشار للكبح المالي ''لعب دوراً مهماً في تقليص، أو تسييل كميات الديون الكبرى التي تجمعت خلال الحرب العالمية الثانية''. وتقولان إنه خلال الفترة من 1945 إلى الثمانينيات بلغ التسييل السنوي للديون من خلال أسعار الفائدة السلبية الفعلية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، 3 ـــ 4 في المائة في المتوسط من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، أو 30 ـــ 40 في المائة من تخفيض الدين بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال عقد من الزمن. ولا أحد في أيامنا هذه يتحدث عن تطبيق قيود صريحة على رأس المال، أو سقوف لأسعار الفائدة في الغرب. ويبدو أن البنوك المركزية مصممة على لجم التضخم، لكن بعض المستثمرين المؤثرين يخشون في النهاية من إغراء أن السماح للتضخم بالقفز فوق متوسط عائد السندات سيظهر مرة أخرى. ويقول بيل كروس، رئيس صندوق بيمكو الاستثماري: ''بينما اعتاد قدماء الرومان سك العملات المعدنية في محاولة لتحويل الديون إلى أموال، فإن نظامنا المالي المتطور استخدم أساليب أكثر تقدماً (لتخفيض الديون)''، مضيفا: ''ليس بالضرورة أن تهبط أسعار السندات كي لا يتم الدفع للمستثمرين''.

    وكانت البنوك المركزية، مثل الاحتياطي الفيدرالي، تشتري السندات بالفعل. وهناك الآن بعض التلميحات المثيرة للاهتمام بأن مؤسسات القطاع الخاص يتم حثها على الاحتفاظ بمزيد من السندات. وأرغم تطبيق الإصلاحات المالية في المملكة المتحدة البنوك على شراء مزيد من السندات. وعلى الطريق خطوات أخرى للتطبيق في أجزاء من أوروبا، كما أن بعض صانعي السياسة في واشنطن يفكرون بهدوء فيما إذا كان بإمكان البنوك وصناديق التقاعد الأمريكية أن تتبع ذلك، أو أن عليها أن تقوم به بالفعل، ولا سيما إذا توقف المشترون الأجانب (الذين يملكون نصف الدين الأمريكي) عن شراء السندات الأمريكية.

    مثل هذه التحركات تخيف بعض اقتصاديي السوق الحرة الذين يجادلون بأن ''الكبح'' يبعد استثمارات القطاع الخاص، ومن ثم يقوض النمو. غير أن سياسيي ما بعد الحرب قرروا بوضوح أن هذا كان ثمناً يستحق الدفع لتخفيض الدين وتجنب عجز مباشر، أو تخفيضات إنفاق هائلة. وكلما طال أمد ازدحام حركة الإصلاح المالي، زادت فرصة ظهور ''الكبح'' ليكون أقل الشرور، مقارنة بالشرور الأخرى التي يمكن أن تنجم عن الديون الغربية المحلقة في الأعالي.


يعمل...
X