خواطر طاجيكية في زفاف وليام وكيت

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خواطر طاجيكية في زفاف وليام وكيت

    في الوقت الذي كان فيه هوس الزفاف الملكي يهبط على بريطانيا، وعلى كل مكان في العالم يصل إليه التلفزيون عبر الأقمار الصناعية، انتابني شعور غريب بأنني شهدتُ ذلك من قبل. إلى حد ما يعود السبب في ذلك إلى أنني تذكرت أول زفاف ملكي شاهدتُه على التلفزيون في عام 1981 وشعوري آنئذ بالحماسة الشديدة. لكن هناك سبب آخر جعلني أشعر بأن المناسبة كانت مألوفة. في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، أمضيت سنتين أجري بحثاً حول طقوس حفلات الزفاف الضخمة. ولم يكن بحثي متركزاً على قصر باكنجهام، وإنما على عائلات كانت على بعد آلاف الكيلومترات في طاجيكستان. من بعض الاعتبارات ليس هناك ما هو أكثر اختلافاً بين هذين العالمين. ففي طاجيكستان يحتفل الناس بالأعراس بأكوام من لحم الخروف المقلي والرز، على خلفية من الملابس الزاهية ذات الألوان المتعددة. لكن في الزفاف الملكي كانت العروس ترتدي فستاناً من تصميم إحدى دور الأزياء، وكان الضيوف يعلمون أنه ستقدَّم لهم حلوى من اللبن المجمد (الشبيه بالآيس كريم) المصنوع من مواد طبيعية غير معدلة وراثياً. مع ذلك، الزفاف الملكي ليس مختلفاً تماماً عن هذه الاحتفالات التي شهدتُها في طاجيكستان؛ ولا يختلف بالتأكيد عن شعائر الزواج في الهند وإفريقيا وفي أي مكان آخر. ذلك أن ما يقوم به الزواج هو إحداث ''التكاثر'' في المجتمع على مدى الزمن، كما يحب علماء الأنثروبولوجيا أن يقولوا لنا. والزواج يفعل ذلك من الناحية المادية بإنجاب الأطفال، ومن الناحية الاجتماعية من خلال إنشاء عائلات جديدة وتفعيل الشبكات الاجتماعية. لكن الزواج يؤدي كذلك إلى ''تكاثر'' الأنماط الثقافية، ويتم ذلك إلى حد ما لأن الأعراس تشتمل على شعائر تضطر المجتمع إلى إبراز قيمه الأساسية. وهذا يجعل الأعراس مناسبات مشحونة من الناحية العاطفية، بصرف النظر عن المكان الذي تقام فيه.

    وهذا أمر اكتشفته نوعاً ما بطريق المصادفة. حين ذهبت للمرة الأولى إلى تلك الجمهورية البعيدة، كنت أعتزم دراسة الكيفية التي حافظ بها أهل طاجيكستان على هويتهم الدينية في ظل الحكم السوفياتي. لكن في تلك الأيام كانت المخابرات السوفياتية متغلغلة في كل مكان في البلاد، وقيل لي إنه لم يكن أمامي فرصة تذكر للحصول على تأشيرة لدراسة موضوع الإسلام المثير للجدل.لذلك، وعلى نحو من التحايل لتحقيق غرضي، قلت للسلطات السوفياتية إنني أريد دراسة ''شعائر الزواج التقليدية''، على اعتبار أن هذا الموضوع ممل على نحو يكفي ليجعله مأموناً. ونجحت حيلتي، فقد حصلت على إذن بإجراء بحث عن الأعراس، وهو ما قمت به بالفعل من خلال قراءة المراجع المناسبة في المكتبات السوفياتية، وحضور عدد لا يحصى من الأعراس في جبال طاجيكستان العالية.لكن بعد أن قطعتُ بضعة أشهر في البحث، أدركت أن الحيلة التي لجأت إليها لم تكن ''غطاءً'' في نهاية الأمر. فقد كانت الأعراس بالفعل ممتعة ومثيرة للاهتمام، بل إنها على نحوٍ ما كانت المفتاح لفهم مجتمع طاجيكستان. قبل العشرينيات من القرن الماضي كان أهل البلاد يحتفلون بأعراسهم وفقاً للأحكام الشرعية الإسلامية. وبعد الثلاثينيات حاول الشيوعيون إكراههم على تبني العادات السوفياتية. وبالتالي، بحلول عام 1989 تطورت أعراس الطاجيك إلى ساحة معارك خفية على المستوى الثقافي والسياسي: في كل مرة يتزوج فيها الطاجيك، كان عليهم اختيار الطريقة التي يجمعون فيها بين العادات السوفياتية والطاجيكية، أو الشيوعية والإسلامية. أحياناً كان هناك تضارب مباشر، وفي أغلبية الأحيان كان الطاجيك يستخدمون المماطلة الثقافية والتحايل والقبول بالتناقضات. وفي جميع الحالات كانت الخيارات صورة للتناقضات في المجتمع الطاجيكي السوفياتي، وإن لم يكن ذلك بطرق كان المشاركون يرتضون مناقشتها بأي شكل من الأشكال، على الأقل ليس مع رجال المخابرات السوفياتية. بطبيعة الحال، لم يعمل الأمير وليام وكيت مدلتون على التعامل مع صراعات ثقافية عجيبة على هذا النحو. فلم يكن هناك أي شخص يقاتل بالبنادق في الفترة الأخيرة حول معنى كون المرء إنجليزياً، أو يشعر بالحاجة إلى إخفاء هويته، أو دينه بعيداً عن أعين رجال المخابرات. بل على العكس من ذلك، فإن كثيراً من الجانب الرمزي في هذا الزفاف تمت إدارته على موقع المناسبة بصورة مرتبة ودقيقة من قبل جيش من المخططين والرسميين. لكن على الرغم من هذا التخطيط، أو ربما بسبب هذا التخطيط، اشتمل حفل الزفاف على مجموعة من التناقضات الثقافية شبه المعترف بها. كان الزفاف حديثاً وتقليدياً في الوقت نفسه، وكان إنجليزياً ودولياً، وكان لاطبقياً وملكياً، وكان يسير وفق أحدث الاتجاهات والأزياء وفي الوقت نفسه يتمسك بأشد التقاليد والمعايير الجامدة. ولم يعكس فقط لقطة عن بريطانيا في لحظة من لحظات الزمن، وإنما قام كذلك بإحداث ''التكاثر'' في الافتراضات والتوترات الثقافية لأجل المستقبل، كما في طاجيكستان. إن تركة الزفاف الملكي ستظل معنا إلى زمن طويل بعد انتهاء سيرك الإعلام، سواء أحببتَ ذلك أم كرهتَه. أو كنتِ تحلمين الآن، مثل طفلتيّ، بأن تصبحي أميرة.
يعمل...
X