إحياء وليس محو العصر النووي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إحياء وليس محو العصر النووي

    سيكون هذا أسبوعا سيئا آخر للصناعة النووية. فوق الانبعاثات النووية المستمرة من وحدة فوكوشيما المنكوبة في اليابان، توفر الذكرى الـ 25 لكارثة تشرنوبيل في أوكرانيا، لمناهضي الطاقة النووية فرصة للاحتشاد. خلال نهاية الأسبوع، مثلا، بعث تسعة من الحائزين على جائزة نوبل للسلام بخطاب إلى رؤساء دول مطالبين بمحو الطاقة النووية، لتمكين الناس في كل مكان من ''العيش في سلام وأمان أكبر''.

    في الحقيقة، عالم خالٍ من الطاقة النووية سيكون عالما أقل أماناً. ففي المستقبل المنظور لن يقدر أي من الوقود الأحفوري، أو المصادر المتجددة على تعويض الـ 14 في المائة من الكهرباء المولّدة عالمياً من المفاعلات النووية، دون أن تتعرض أسواق الطاقة لمخاطر تقلبات واختناقات حادة. ببساطة، أمن الطاقة يستلزم تنويع المصادر، بما في ذلك المصدر النووي.


    عندما يتعلّق الأمر بالسلامة، فإن الطاقة النووية يجب الحكم عليها بمعايير مختلفة. فمنذ البداية المتفجرة في عصر هيروشيما الذري، دأب الناس على الخوف من الانشطار النووي المدمر والخطر الغادر الأخرس للتلوث الإشعاعي.


    مع ذلك، عدد قتلى ومصابي الطاقة النووية منذ بداية العصر الذري – من تعدين وتكرير الوقود وحتى التلوث من محطات الكهرباء – كان أقل من عدد المتضررين من حرق الفحم أو النفط والغاز، حتى إن تجاهلنا العواقب الثانوية لتغير المناخ المثيرة للجدل الناتجة عن الوقود الكربوني. على الساسة احترام المخاوف النووية لدى الشعب. هناك شيء مرعب بشأن التداعيات الإشعاعية طويلة الأجل من تشرنوبيل، التي جعلت مزارعين في أجزاء من بريطانيا على بعد ألفي كيلو متر غير قادرين حتى الآن على رعي قطعانهم بحرية. وللأسف، الناس الذين يعيشون في نطاق يمتد بضعة كيلو مترات من فوكوشيما دييتشي ربما لا يتاح لهم استئناف حياتهم العادية لأعوام عديدة مقبلة. لذا، الحكومات على امتداد العالم كانت مُحقة في الاستجابة لحادثة فوكوشيما بتعليق توسيع المحطات النووية ومراجعة سلامة المفاعلات القائمة – على الرغم من أن ألمانيا مضت بعيداً جداً بأمر الإغلاق المؤقت لسبع محطات، بالنظر إلى أن الظروف الخاصة بالزلزال والسونامي، لا يرجح أن تنطبق على شمالي أوروبا. وفي حين أن المراجعات ينبغي أن تكون محاولات صادقة لتقييم السلامة في ضوء ما حدث في فوكوشيما، بدلاً من الإيماءات الرمزية، إلا أن من المهم كذلك ألا يتم الاستغناء عنها بلا داع لتمكين الساسة من تفادي اتخاذ قرارات صعبة، لكنها جوهرية حول سياسة الطاقة. المظهر المؤسف للطاقة النووية اليوم هو أن معظم قدرات توليدها قديمة، لأن حادث ثري مايل آيلاند في 1979 تلاه تشرنوبيل، ما جمّد الاعتمادات والإنشاءات الجديدة. والأغلبية الطاغية من الوحدات النووية في العالم تم بناؤها منذ أكثر من 20 عاماً، وفق تصاميم مستوحاة من صناعة الدفاع منتصف القرن العشرين. وتصاميم الجيل الثالث اليوم، كمنتجات شركتي إريفا ووستينغهاوس، تحتوي على مظاهر سلامة مثل نظم تبريد سلبية يمكنها، بما يشبه اليقين، أن تمنع التسخين الحاد الذي ضرب فوكوشيما عقب السونامي. لكن هذه التصاميم بعيدة عن الكمال، وهناك حاجة إلى مزيد من البحث لتطوير مفاعلات أفضل للمستقبل – مثلا تلك التي تستخدم الثوريوم بدلاً عن وقود اليورانيوم، أو تشغيلها في أعماق بعيدة داخل الأرض. وبالطبع هناك قضايا أخرى بحاجة إلى معالجتها، إلى جانب سلامة المفاعل، ولا سيما التخزين والتخلص من النفايات النووية في الأجل الطويل. فوكوشيما ستترك للعالم إرثاً مرعباً إن جمدت التطوير النووي خلال الأعوام الـ25 المقبلة بالفعالية نفسها التي كانت لتشرنوبيل خلال ربع القرن الماضي.
يعمل...
X