حسن الظن بالناس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حسن الظن بالناس

    من آداب الإسلام.. حسن الظن بالناس
    بقلم: د.سعيد فؤاد السعيد أبوالأسعاد

    يدعو الإسلام إلى حسن الظن بالناس والابتعاد عن سوء الظن، فلنا الظاهر والله سبحانه وتعالى يتولى السرائر، ولسنا مطالبين بالتفتيش فى دخائل الناس والبحث عن أسرارهم.

    وفى كتب التراث اهتمام بهذا الجانب العظيم من أخلاقيات الإسلام فقد كتب العارف بالله على بن محمد المصرى كتاباً سماه (الأكياس فى حسن الظن بالناس) وهو من أنفع الكتب فى مجاله.

    قال رحمه الله: (أول وصية عليكم أيها الإخوان بحسن الظن بالمسلمين ما استطعتم) أى الزموا حسن الظن بالمسلمين فإنه باب من أبواب الخير.

    فقد روى أبو داود وحسنه ن أبى هريرة رضى الله عنهما: "حسن الظن من حسن العبادة"، وفى رواية: "من حسن عبادة المرء حسن ظنه".

    وأقوال السلف والخلف فى مدح حسن الظن والحث عليه كثيرة: وكان الإمام الشافعى رحمه الله يقول: "من احب أن يختم له بخير فليحسن الظن بالناس".

    وقال بشر الحافى: "من سره أن يسلم فليلزم الصمت وحسن الظن بالخلق"، وقال أحمد الرفاعى رحمه الله: من اقتفى أثر حسن الظن حجبه عن رؤية المناقض فى الخلق، وانتفع بعمله وعلمه واستراح من الشواغل وسلم من الغدر والغيبة والحسد وحصل له مقام التواضع.

    وقال الشيخ عبد العزيز الدريني رحمه الله: من أراد أن يمده الوجود كله بالخير فليجعل نفسه تحت الخلق كلهم فى الدرجة فإن المدد الذى مع الخلق كالماء، والماء لا يجرى إلا فى المواضع المنخفضة دون العالية أو المتساوية، ولا يرى الإنسان نفسه كذلك إلا إن أحسن ظنه بالخلق.

    وكان الشيخ أبو محمد اليافعى رحمه الله يقول: عليكم بحسن الظن بالمسلمين، فإن حسن الظن بالمسلمين فضلاً عن الصالحين باب كبير من أبواب الخير والنفع فى الجلب والنفع، أعنى جلب المحبوبات المحمودات، ودفع المكروهات المذمومات فى الحياة والممات، وذلك مشهور ومعروف عند كل من هو بالخير موصوف، وغير ذلك كثير تمسك عنه خوفاً من الإطالة.

    ومحل حسن الظن كما قالوا: إنما هو فى الأخلاق التى تحتمل التأويل، أى الخير والشر وهو من الأعمال القلبية المتعلقة بالنيات.

    أما الأفعال التى صرح الشارع بتحريمها فلا يجوز لمؤمن أن يحمل صاحبها على محمل حسن، كشرب الخمر والزنا وأخذ الرشوة وأكل الحرام ونحو ذلك.

    وقد أجمعوا على أنه لا يصل أحد إلى مقام حسن الظن إلا أن طهر الله تعالى باطنه من سائر الرذائل، إما بالفطرة وإما بالعلاج والرياضة، بحيث يصير لا تخطر الفحشاء على باله، وإذا كان فى باطنه شئ من الرزائل فمن لازمه غالباً سوء الظن بالناس قياساً على ما عنده.

    فمن طهر باطنه من سائر الرذائل فهو الذى يصح منه حسن الظن بالمسلمين كلهم، قال الشيخ على الخواص رحمه الله: إن الشخص لا يسيئ الظن بأخيه ويقبل ذلك فى حقه إلا وهو صورة حاله هو، فإما وقع ذلك له، وإما عزم عليه، وإما خطر له، لأن المؤمن مرآة لأخيه.

    ومن كلام الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربى: أجمع القوم على أن من حمل الناس على المحامل السيئة فإنما ذلك صورة نفسه هو، فكأنه يقول: أنا من اهل ذلك القبيح.

    ومذهب أهل السنة والجماعة: ان الشخص الواحد يجتمع فيه الخير والشر فى وقت واحد، وهذا هو الحق الواضح الذى شواهده كثيرة من الكتاب والسنة بخلاف من قال بالإحباط وكفر المؤمنين بالمعاصى والذنوب كما فعلت الخوارج وغيرهم.

    والشرع الحكيم لم يات لنا أو يشرع لنا أو يحثنا على سوء الظن بإخواننا ثم أن ورد ذلك ففيه تأويل.

    فلا يجوز حمل أحد من المسلمين على المحامل السيئة ما دام الأمر قابلاً للتأويل، وقال سلفنا الصالح: إن صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار.

    والله سبحانه وتعالى لا يسأل عبداً فى الآخرة عن حسن ظنه بخلقه، وإنما يسأله عن سوء ظنه بهم.

    وكان الإمام جعفر الصادق رضى الله عنه يقول: إذا بلغك عن اخيك ما تكرهه فاطلب له من عذر واحد إلى سبعين، فإن لم تجد عذراً فقل لعل له عذراً لا أعرفه.

    تلك هى أخلاق آل البيت رضى الله عنهم وعنا معهم بفضله ومنه بكرمه.

    وفى الحديث الشريف: "إذا رأيتم من اخيكم حسنة فأحبوه عليها، واعلموا أن لها أخوات".

    وفى الحديث أيضاً: "إا قال الرجل هلك الناس فهو اهلكهم"، وقال بعض السلف: إذا رأيتم من أفنى عمره فى علم الكلام فإياكم أن تقولوا: غنه مغرور لأن إيمان العوام صحيح، ولو لم يعرفوا ما قاله المتكلمون، بل اشكروه لأنه ربما قام بدعى يجادل فى الشريعة ويصمها بالشبهات والأباطيل فيكون هذا مستعداً بقطع الحجيج بما تعلمه من علم الكلام من كيفية الدفاع والمنافحة ورد الأباطيل والشبهات0 وذلك حادث منذ زمن بعيد وحتى الأن.

    فقد رد علماء الكلام والمعتزلة على أمثال هؤلاء البدعيين وأعداء الدين وكان للقاضى عبدالجبار المعتزلى باع طويل فى هذا المجال فى كتابيه: تثبيت دلائل النبوة، وتنزيه القرآن عن المطاعن.

    قال الإمام على بن محمد الشهير بالمصرى رحمه الله: إذا رأيتم واعظاً يدعو الناس إلى الخير فإياكم أن تظنوا إنه لا يعمل بما يقول، بل ظنوا أنه متخلق بما دعاكم إليه، إنه ما دعاكم إلى الإخلاص إلا بعد أن اخلص ولا غلى الزهد إلا بعد أن زهد، ولا إلى غير ذلك إلا إذا كان متخلقاً به.

    ندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يحسن الظن بإخوانه، إنه سميع مجيب، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    (حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت و هو رب العرش العظيم)

يعمل...
X