الحياة في فترة إعادة تأهيل الاقتصاد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحياة في فترة إعادة تأهيل الاقتصاد

    تيسير هشام سمكة

    ربما يجعلك ارتفاع بورصة الأوراق المالية خلال الأسبوع الماضي تعتقد بأن سنوات الرخاء ستعود مرة أخرى، ولكنني رسمت صورة أقل وردية للمستقبل الاقتصادي من خلال استماعي إلى المسؤولين في إدارة أوباما ورجال الاقتصاد في الأسابيع الماضية. فمن المتوقع أن يكون تعافينا الاقتصادي على شكل حرف «v» عريض للدرجة التي تجعله يبدو وكأنه حرف «l» والذي يميل كذلك للأعلى كلما تعافت أميركا بعد فترة الازدهار الطويلة المحفوفة بالديون والتي بدأت في الثمانينات. فيمكنك أن تقول إن اقتصادنا خاضع لعملية إعادة تأهيل يحاول من خلالها التخلص من الإفراط وعدم التوازن اللذين أديا إلى الانهيار في عام 2008.
    وسوف تحافظ معدلات الادخار على ارتفاعها، حيث يحاول الناس حماية أنفسهم وحماية عائلاتهم من أي انهيار جديد يتعرض له السوق، وسوف تخف حدة عدم التوازن التجاري الذي ساد عدة عقود ماضية نظرا لأن الأميركيين سوف يخفضون استهلاكهم لكل شيء بما في ذلك تقليل الاستيراد من الخارج.
    فهو اقتصاد ما بعد الإفراط، حيث يسود الحذر والحرص مع انخفاض القدرة على المخاطرة وبالتالي ينخفض كذلك تحقيق المكاسب.
    يتمنى بعض الناس أن ينتعش الاقتصاد وأن تعود الحياة إلى الوضع الذي كانت عليه قبل الانكماش الاقتصادي، وهذه الرغبة قد تجلت في صعود مؤشر داو جونز الصناعي الأسبوع الماضي إلى أكثر من 9000. فربما تخيل المستثمرون أن الكابوس قد انتهى وأننا سوف نستيقظ لنجد أنفسنا في عالم قوي يحقق معدلات نمو مرتفعة وعائدات ضخمة. فكرة مثيرة للاهتمام، ولكنني لا أعتقد أن ذلك سوف يحدث. فعلى الأرجح، سيبدأ الاقتصاد في النمو مرة أخرى تتخلله فترات من الهدوء، وسوف ترتفع الضرائب وأسعار الفائدة لكي نتمكن من تسديد ديوننا، وسوف تقل العائدات عن المعدلات التي اعتدنا أن نراها خلال العقود الماضية، مما يؤدي إلى تراجع الرغبة في المخاطرة.
    وسيتمكن الناس من تحقيق أرباح جديدة في مرحلة إعادة تأهيل الاقتصاد، ولكن من المستبعد أن يستطيعوا مراكمة ثروات، مثلما كان يحدث خلال الثلاثين عاما الماضية عندما كان الناس يتوقعون أن تزيد عائدات بورصة الأوراق المالية على 10%. وسيتباطأ معدل النمو، ولكن بالرغم من أنه لن يشهد ارتفاعا كبيرا، فإنه لن يشهد انخفاضا كبيرا كذلك.
    وسيكون الاقتصاد في تلك المرحلة اقتصادا جمعيا، حيث ستضطلع الحكومة بدور أكبر في مجالات الرعاية الصحية (بالإضافة إلى البنوك وشركات السيارات) ومن ثم، تقل القيود على تدخل الدولة في القطاع الخاص. وسيصبح توزيع الدخل أكثر عدالة مع توفير حماية أكبر للفقراء ووضع المزيد من القيود على الأثرياء. وسوف يقول المحافظون إن هذه التغيرات سوف تجعل أميركا دولة اشتراكية ولكن في الحقيقة، تلك التغيرات هي نتاج للأنماط الاقتصادية التي سادت معظم القرن العشرين.
    فإذا أردت تصورا لمستقبل أميركا، تأمل تطور الرسوم البيانية لمؤشر داو جونز الصناعي؛ فمنذ بداية الخمسينات وحتى بداية الثمانينات، ظل المؤشر يتحرك في نطاق ضيق صعودا وهبوطا بين 750 و 1000، ولم تحدث الطفرة إلا لاحقا.
    وليس عالم تباطؤ النمو ذلك في مجمله سيئا: فالناس يتذكرون بحنين مرحلة الانتعاش التي أعقبت الحرب في أواخر الخمسينات. وبالنسبة للمواطن الأميركي العادي، كانت تلك هي الفترة التي أصبح فيها ظهور فئة جديدة من فئات الطبقة الوسطى ممكنا. وكان ذلك في أوج ما أطلق عليه جون كينيث جالبريث «الدولة الصناعية الجديدة»، فكانت النقابات العمالية قوية، وكانت إدارات الشركات قوية وفي بعض الأحيان بلا مشاعر، وقد تجسدت تلك الحالة في فيلم «الرجل ذو البذلة الرمادية»، ولم يكن العمال والمديرون يعيشون إلى هذا الحد على حافة سكين السوق.
    وكانت المخاطر في ذلك العالم المريح البطيء النمو تكمن في أنه لم يكن يكافئ الإبداع والمخاطرة. وهذا هو ما يقلقني بشأن إعادة تأهيل اقتصادنا. حسنا، هل سيأتي المخترعون بأفكار جديدة تغير العالم من دون حوافز كبيرة، وهل ستكون الأسواق مرنة بما يكفي لتمويلها؟
    من النصائح المفيدة للغاية؛ ألا تقامر أبدا على خسارة أميركا، حيث إنها ستجدد حتما في الجولة الأخيرة وتنمو وتزدهر. ولكن خلال السنوات القليلة المقبلة، ستواجه أميركا معدلات مرتفعة وعنيدة من البطالة مما يؤدي إلى رفع معدلات الفائدة ويقلل عائدات الاستثمار في العديد من القطاعات.
    دائما ما أذكر نفسي بأن إعادة تأهيل الاقتصاد هو أمر مفيد بالنسبة لنا: مدخرات أكثر، ديون أقل، استيراد أقل، وبالتالي ممارسات مالية أقل مخاطرة. ولكن يجب أن نكون صادقين حيال عواقب ذلك النموذج الجديد ونقومه إذا أمكن.
    فقد ساعد اقتصادنا المشابه لحرف (l) في انتخاب باراك أوباما، حيث كان أوباما يؤكد وجوده في الوقت الذي تعاني فيه الأسواق من الانهيار المدوي، ولكن الوقت قد حان لكي نواجه نتائج تصرفاتنا. وستكون مهمة أوباما هي أن يدعو إلى الصبر والتضحية، وهما رسالتان لا تحظيان بالطبع بالشعبية.
    تيسير هشام سمكة
    ->< ابو باسل ><-
يعمل...
X