هل من حماقة ايرانية في احتجاز البحّارة البريطانيين؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هل من حماقة ايرانية في احتجاز البحّارة البريطانيين؟

    قامت إيران في الأسبوع الماضي باعتقال 15 بحّارا بريطانيا خلال دورة تفتيشية كانوا يقومون بها في مياه الخليج العربي. الرواية الرسمية الإيرانية تقول انّ البحّارة البريطانيين قد دخلوا المياه الإقليمية الإيرانية و هو الأمر الذي استدعى اعتقالهم و نقلهم على الفور, و قد قامت إيران بتدعيم روايتها عبر بث مقابلات متلفزة للبحارة المعتقلين لديها يقّرون فيها بدخول المياه الإيرانية و يعتذرون عن ذلك.
    أمّا الرواية الرسمية البريطانية, فتقول انّ البحّارة تمّ اسرهم في المياه الاقليمية العراقية على بعد 1.7 ميل من المياه الايرانية و تمّ اقتيادهم اليها فيما بعد عبر زوارق الحرس الثوري التي دخلت المياه الاقليمية العراقية. و قد قامت الحكومة البريطانية بعد هذه الحادثة بالتريث للتأكد من انّ بحّارتها لم يدخلوا المياه الايرانية, و من ثمّ بعد عدّة ايام تأكدت من ذلك عبر عرض خرائط تحديد المواقع "الجي بي اس" في الوقت الذين تمّ اسرهم فيه و هي تظهر انّهم كانوا داخل المياه الاقليمية العراقية.
    و اذا ما تفحصنا الروايتين سنجد انّ الرواية البريطانية اقرب الى الحقيقة من الرواية الايرانية, و السبب في ذلك يعود الى عدد من النقاط منها:
    1- أنّ للبريطانيين خبرة طويلة و كبيرة في المنطقة الممتدة من البصرة و نزولا حتى مياه الخليج العربي مرورا بالمياه الاقليمية العراقية, فهم يعرفون هذه المنطقة جيدا و من غير المعقول أنّهم وجدوا أنفسهم فجأة في المياه الإقليمية الإيرانية.
    2- أنّ البريطانيين أذكى من أن يقدموا أنفسهم لقمة سائغة للإيرانيين من خلال دخول مياههم الإقليمية, خاصّة بعد ان صرّح مصدر في الحرس الثوري مؤخرا من انّ إيران تمتلك القدرة على اختطاف جنود "بعيون زرق و شعر اشقر", بعدما قامت الولايات المتّحدة بأسر عدد من ضباط الحرس الثوري الإيراني في العراق و عدد آخر من عملائها في الداخل, إضافة إلى اختفاء الجنرال "علي رضا عسكري" في ظروف غامضة.
    3- انّ هذه العملية ترافقت مع التهديدات الإيرانية باتخاذ عمل مضاد إزاء تشديد مجلس الأمن العقوبات المفروضة عليها بسبب الأزمة النووية, و هذا ما يفترض انّ عملية الاحتجاز هي رد الفعل الاول على ذلك.

    لكن التساؤلات تدور حول عدد من النقاط منها ما يتعلق بطبيعة هذه العملية, و لماذا تلجأ إيران الى عملية الاحتجاز؟ و ما الهدف منها؟ و لماذا البحارة البريطانيين بالذات؟
    تعتبر وسائل الاحتجاز و الخطف من اشهر الوسائل التي تعتمدها ايران لفتح باب التفاوض مع خصومها او للضغط عليهم , فهي تتمتع بخبرة كبيرة في هذا الاطار و هناك سوابق عديدة في هذا المجال سواءا من خلال رهائن العام 1979 او من خلال العمليات التي قام الايرانيون عبرها باختطاف العديد من الدبلوماسيين و الغربيين في لبنان ابّان الحرب اللبنانية في الثمانينات. لقد استطاعت ايران من خلال الحالات السابقة تحقيق عدد من الأهداف التي كانت تصبو اليها و منها فتح بوابة تفاوض مباشرة مع الأطراف المعنيّة, ضغط الخصم و ارباكه و تحديد خياراته, التمهيد لمساومات ثنائية في مسائل متعلقة بالموضوع مباشرة في بعض الحالات او لا تمت بصلة اليها في حالات اخرى.
    يغلب اعتقاد سائد فيما يتعلق بعملية البحارة البريطانيين هذه, أنّ ايران لم تستطع الرد على العمليات الامريكية الاخيرة ضدها في العراق منذ ان اعطى الرئيس الامريكي جورج بوش -قبل أكثر من شهر- الضوء الأخضر لقواته هناك بملاحقة و قتل أي عنصر ايراني داخل العراق سواءا من الحرس الثوري او من الاستخبارات او الأجهزة التابعة لهما "كفيلق القدس". لقد كانت الخيارات الايرانية محدودة جدا في هذه المرحلة, خاصة بعد ان تم اذلالها فيما قيل انها عملية اختطاق لنائب وزير الدفاع الايراني السابق, بالاضافة الى عمليات اعتقال و اغتيال عدد من مسؤولي الحرس الثوري العامل في العراق.
    من هذا المنطلق, فقد ارتأت ايران ان تحتجز البريطانيين و بذلك تكون ردّت على امريكا بطريقة غير مباشرة من دون ان يؤدي ذلك الى مواجهة مباشرة معها. فهي تعلم انّ ردّة فعل بريطانيا لن تكون كردّة فعل أمريكا فيما لم تمّ خطف 15 بحّارا أمريكيا او حتى جنديا عاملا في العراق.و هناك احتمال في أن تكون ايران قد وصلت الى معلومات مفادها انّ جنرالها –المختفي- موجود عند بريطانيا, و انّ مثل هذه العملية قد تمكّنها من استرجاعه, او على الأقل التأكد من المعلومات المتوافرة حول القضية أو الحصول على اخرى جديدة غير متوافرة.
    لقد قامت ايران بتجربة مماثلة في العام 2004, و اقتادت عددا من البريطانيين عبر عملية مشابهة و صوّرتهم و هم معصوبي الأعين, لكنّ تلك الأزمة لم تدم طويلا, و تمّ الافراج عنهم سريعا حينها. امّا الآن, فالغالب انّ ايران تريد من الموضوع ان يطول قدر الامكان, فكلما طال كلما كان الوضع افضل بالنسبة للتفاوض, و طالما انّ البحّارة ليسوا أمريكيين فليس هناك من خوف من ان يتم شن حرب على ايران بسببهم. هذه هي الحسابات الايرانية في المسألة كما نعتقد.
    اعتدنا على الحسابات الايرانية الدقيقة في هكذا مسائل ,لكن هناك مشكلة مستجدة على الخط تكمن في التهور الايراني الذي بدأ يظهر مؤخرا بشكل كبير, اذ انّ استخفاف ايراني بنتائج أي خطوة مثل هذه قد تؤدي فعلا الى حرب كارثية, فاذا كان هناك من حرب ستشن على ايران, فايران توفّر الظروف و المناخ الملائم لها. لقد كتب أحد الخبراء الأمريكين من فترة قصيرة عشر ذرائع مهمة قد تستغل من قبل أمريكا للهجوم على ايران كسبب غير مباشر, و قد ورد ضمن القائمة اصابة صاروخ ايراني -بالخطأ- لزورق او سفينة امريكية في الخليج. بطبيعة الحال هذا سيناريو محتمل, لكن ماذا لو كان ضمن قائمة الـ15 بريطانيا , بعض البحارة الأمريكيين , هل كانت الحسابات الايرانية لتكون صحيحة و دقيقة!!
    من هذا المنطلق, فمن الواجب التذكير أنّ ايران ستكون في غاية الغباء اذا راهنت على أنّ وضع أمريكا الحالي الغارق في العراق و أفغانستان و وضع الادارة الأمريكية الضعيف جماهيريا في الداخل و ارتفاع اسعار النفط و غيرها من العوامل قد تحول دون تمكين امريكا من شن هجوم عليها. لا يمكن المراهنة على هذا التصوّر و ذلك لانّ القيادة الأمريكية الحالية و الادارة المساندة لها هي قيادة (غير عقلانية) في مفهوم العلاقات الدولية, بمعنى انّها اذا ارادت القيام بالعمل فانها لن تقيم وزنا لهذه القيود خاصّة انها ترى أنّ الله قد وكّلها القيام بمهامها كما فعلت في العراق!!
    فالقيادة الغير عقلانية تكون خطيرة جدا و الأخطر ان يقوم خصمها ببناء خطواته على اساس اعتبار انّ القيادة الأولى ستقوم بردود فعل عادية او خطوات عقلانية مدروسة كما جرت العادة, و هنا يكون الخطر مضاعفا و النتائج أكثر كارثية.
    في المقابل, هناك من يرى أيضا انّ إيران تريد الحرب من خلال القيادة الايرانية التابعة للرئيس احمدي نجاد التي تحمل رؤيا دينية خاصة تتعلق بالحرب الأخيرة بين الخير و الشر ايضا او بظهور المهدي المنتظر. فهي تسعى إلى الحرب إن لم يكن من خلال نزع فتيل الأزمة, فمن خلال تهيئة الأجواء المناسبة لها عبر الدور التخريبي في العراق أو الاستفزازي الميداني و الإعلامي, او عبر الانزلاق في خطأ حسابات قاتل قد لا يترك للمساعي الدبلوماسية أي فرصة خاصة و انّ المجتمع الدولي قد امهل ايران وقتا كبيرا و وجّه اليها رسائل متعددة متدرجة في القوة فيما يتعلق بالأزمة النووية و هو الأمر الذي لم يمنحه لأي دولة, و أزمة البرنامج النووي العراقي مثال على ذلك.
    الملفات المرفقة
    اللَّهُمَّ فَارِجَ الْهَمِّ ، كَاشِفَ الْغَمِّ ، مُجِيبَ دَعْوَةِ المُضطَرِّينَ ، رَحْمنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا أَنْتَ تَرْحَمُنا فَارْحَمْنِا بِرَحْمَةٍ تُغْنِينا بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ
    Arabic Broker
    المتابعه عبر توينر
    https://twitter.com/usamafayyad
يعمل...
X