آن الأوان لاحتضان العالم العربي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • آن الأوان لاحتضان العالم العربي

    كنت في إسطنبول أمس الأول. الشعور المهيمن بين النخب التركية في أعقاب الانتفاضات العربية هو الابتهاج، والتناقض مع المزاج السائد في أوروبا القديمة ملموس. وفي مقار الاتحاد الأوروبي لا يزال الترحيب بحركات المعارضة يصطدم مع نذر الشر. يحرص الوزراء في حكومة رجب طيب أردوغان على نفي ما يقال إن تركيا ترى نفسها ''أنموذجا'' للشرق الأوسط في مزاوجتها بين الإسلام والديمقراطية العلمانية. وانطلاقاً من وعي هؤلاء الوزراء بتلك الذكريات الخاصة بالحكم العثماني التي لا تزال حية في كثير من الأذهان العربية، فإنهم يختارون كلماتهم بعناية. لكن، وهذا ما اكتشفته في مؤتمر لصانعي السياسات عقده معهد أسبن الإيطالي، لا يمكن للعين أن تخطئ ذلك المزيج المؤلف من الافتخار والطموح. وإذا قبلنا بالقول إن تركيا ليست أنموذجاً، فقد سمعت ملاحظة لأحد كبار المسؤولين الأتراك لا ينفي فيها أن تركيا تنظر إلى نفسها باعتبارها ''ملهمة'' للمنطقة. وكان الرئيس التركي، عبد الله غول، ووزير الخارجية، أحمد داود أوغلو، في القاهرة بالأمس، يقدمان النصيحة إلى أولئك الذين يخططون للانتخابات المصرية. إن استجابة الاتحاد الأوروبي المدروسة لهذه الثورات كانت موجودة على جدول قمة زعماء دوله الـ 27 يوم الجمعة في بروكسل. ومصدر القلق الأكبر في القمة كان ليبيا. لكن الصحوة الديمقراطية في هذه المنطقة تتطلب كذلك استجابة أعمق. فالشرق الأوسط يقدم في الوقت الراهن اختباراً عميقاً وعاماً لنوايا أوروبا تجاه العالم الإسلامي. لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يفعل سوى القليل للإطاحة بمعمر القذافي، على الرغم من أن على زعمائه، على الأقل، فرض عقوبات شاملة. وتتزايد الدعوات إلى تدخل عسكري بينما يستخدم الزعيم الليبي الدبابات والمقاتلات النفاثة ضد شعبه. لكن كما قالت هيلاري كلينتون هذا الأسبوع، أي إجراء من هذا القبيل يتطلب التوصل إلى توافق يتجاوز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وبصفتي ليبرالياً دولياً – شخص يعتقد أن لدى المجتمع الدولي مسؤولية لحماية حقوق الإنسان ـ فإنني أشارك في تبني غريزة التدخل هذه. ولا بد من الثناء، على زعماء مثل رئيس وزراء بريطانيا، ديفيد كاميرون، لرفضه ما يسمى بالواقعية التي تقول إن العالم العربي ليس مؤهلا للديمقراطية. ومع ذلك، فإن مبرر استخدام القوة العسكرية الغربية في أمر يبدو كحرب أهلية، لا لبس فيه.

    بقدر أهمية كلمات القمة المتعلقة بليبيا، تأتي الرسالة التي يبعث بها الزعماء الأوروبيون إلى المنطقة. ولا يمكن للحركات المؤيدة للديمقراطية أن تأمل في إرسال بروكسل مبعوثين يحملون حقائب مليئة بأوراق نقدية لا تربطها خيوط مقيدة لها. ويمكن لتلك الحركات أن تتوقع من الحكومات الأوروبية إرسال إشارة نوايا قوية ـ وينبغي لها أن تتوقع ذلك. وتتم في هذه الشأن الموازنة بين النبضة الأخلاقية والضرورات السياسية والاقتصادية. وهذا يحدث في الساحة الخلفية الأوروبية. والأوروبيون أكثر من غيرهم حاجة إلى نجاح هذه الثورات لحماية أمنهم ورخائهم الخاص بهم. ومن المؤسف القول إن مثل هذه المصلحة الذاتية المستنيرة ليست، على أية حال، سلعة متوافرة بكثرة. كان الحديث غير المعلن في العواصم الأوروبية أقرب إلى أن يكون حول التهديدات منه إلى الفرص. فهل تثير أسعار النفط المرتفعة انكماشاً جديداً؟ وهل تسفر الفوضى في شمالي إفريقيا عن ملايين المهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط؟ وكيف يمكن للزرّاع في جنوبي أوروبا ومنتجي المنسوجات مجاراة فتح أسواقهم أمام المنتجات العربية؟ إن المقارنات مع استجابة أوروبا لسقوط جدار برلين ليست دقيقة بالضرورة. كما أنه يتم في الغالب نسيان أن الاستجابة لانهيار الشيوعية كانت متعثرة، إذ نجد أن مارجريت تاتشر في بريطانيا وفرانسوا ميتران في فرنسا تآمرا، في البداية، ضد توحيد ألمانيا. ولكل هذه الأشياء، تعد هذه اللحظة مهمة لأوروبا أهمية أي لحظة منذ عام 1989 – إنها بمثابة اختبار لما إذا كانت القارة تفهم أنه لا يمكن فصل مستقبلها عن أحداث الجوار القريب. وأن أولئك الذين نزلوا إلى الشوارع في تونس والقاهرة وغيرهم ممن يحاولون تقليدهم – يراقبون عن كثب كي يرو ما إذا كانت أوروبا تتبع أقوالها بالأفعال. إن أول خطوة أمام الدول الـ 27 هي وضع استراتيجية تجمع بين المساعدة العاجلة والالتزام طويل الأجل: صفقة لإقناع أولئك الذين يتطلعون إلى الديمقراطية بأن أوروبا لن تفقد اهتمامها بمجرد انتهاء الأزمة الفورية. وإحدى نقاط البداية الواضحة هي التخلي عن اتحاد المتوسط المحتضر لصالح مؤسسة مفصلة لتقديم مساعدة عملية وخبرات في إقامة المؤسسات الديمقراطية لدعم التحول السياسي. وعلى الجانب الاقتصادي، بإمكان بنك الاستثمار الأوروبي وبنك الإعمار والتنمية الأوروبي توجيه تمويل جديد مفيد للمنطقة. ويمكن أن يكون أحد الخيارات الأفضل في الأجل المتوسط الاستفادة من خبرة هاتين المؤسستين لإنشاء بنك استثمار جديد للشرق الأوسط، يجمع الموارد من دول الخليج ومن أماكن أخرى للإضافة إلى موارد الاتحاد الأوروبي وخبراته. أياً كان التصميم الخاص بالمساعدة، فإن الأمر الضروري للغاية هو أن تظهر أوروبا أنها موجودة لفترة طويلة وأنها لن تفقد الاهتمام بمجرد مرور الأزمات الفورية. والفرق هنا هو بين أوروبا تنظر إلى الثورات باعتبارها مشاكل تحتاج إلى حل، وأوروبا أخرى حريصة على احتضان شركاء جدد من العرب. إن السياسيين الأتراك الذين قابلتهم في إسطنبول متشككون على نحو يمكن تفهمه، في نوايا الاتحاد الأوروبي. وأقول على نحو مفهوم لأن تركيا ظلت على مدى عدة سنوات منخرطة في مفاوضات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وخلال تلك الفترة تراجعت فرص انضمامها أكثر مما تقدمت. ورفض الاتحاد الأوروبي في الشهر الماضي حتى بدء محادثات بخصوص تسهيل شروط النظام المتشدد لمنح تأشيرات الدخول إلى المواطنين الأتراك. لا بد من القول إن تركيا ليست على الدوام أفضل من يدافع عن قضيتها الخاصة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. فحزب العدالة والتنمية الإسلامي برئاسة أردوغان كان في الفترة الأخيرة غير مبال تماماً بالإرث العلماني لمصطفى كمال أتاتورك. وحكومته التي تتقدم بقوة في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات العامة في الصيف، شنت هجوماً على الصحافة، كما استخدمت المحاكم لتخويف خصومها. ويلاحظ كمال كليتتشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب المعارض، المفارقة الساخرة في هذه السياسات في لحظة يعتنق فيها العالم العربي الديمقراطية. لكل هذه الأسباب، وبينما تتطلع أوروبا إلى الشرق باتجاه تركيا وإلى الجنوب باتجاه المغرب، عليها مواجهة عفاريتها الخاصة بها. لقد آن الأوان لمصافحة الديمقراطيات الإسلامية.
يعمل...
X