وصفة لطريقة جديدة تستهدف تطوير أدوية أرخص ثمناً

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وصفة لطريقة جديدة تستهدف تطوير أدوية أرخص ثمناً

    حين يجفل الأطفال في بوركينا فاسو لفترة وجيزة لدى تلقيهم الوخزات الأولى في حملة تطعيم شاملة ورائدة خلال هذا الأسبوع، سيراقب مارك لافورس ذلك برضا مطول.

    بعد أقل من عشر سنوات من توليه مسؤولية مشروع اللقاح ضد التهاب السحايا، سيشهد لافورس تحقيق حلمه: الإطلاق السريع للقاح قوي جديد ومتدني التكلفة لمعالجة مرض ذي تأثير مدمر في البلدان النامية.

    تعطي قصة اللقاح، مينأفريفاك MenAfriVac، والذي سيتم توفيره قريباُ في النيجر ومالي، الأمل إلى ملايين الأشخاص المهددين سنوياً بمرض التهاب السحايا، أيه. ويأمل داعموه كذلك أن تطلق الطريقة التي تم بواسطتها تطوير اللقاح، نقاشاًً أوسع نطاقاً حول النموذج المستخدم لتطوير أدوية وعلاجات جديدة من شأنه أن يتحدى الأسلوب التقليدي لصناعة المنتجات الدوائية، ويمكن إنتاج أدوية جديدة بشكل أسرع، وتكلفة أدنى.

    يقول راي بوروز، رئيس وحدت تقييم اللقاح التابعة لوكالة حماية الصحة في المملكة المتحدة التي كان لها دور مهم في المشروع: ''يعتبر الانتقال من مجرد كوننا متفرجين إلى المشاركة الفعلية في الحدث في غضون عقد من الزمن نصراً مذهلاً''.

    كانت شركات المنتجات الدوائية الكبيرة في السنوات الأخيرة تطور بشكل رئيس لقاحات تستهدف البلدان الأغنى، حيث بمقدورها أن تتقاضى أسعاراً عالية لاستعادة التكاليف التي تزعم أنها تصل إلى مليار دولار لكل دواء يتم تطويره. وبعد بضع سنوات، ربما توفر لقاحات للبلدان الأفقر بأسعار منخفضة.

    يدفع بعض المجموعات مثل ''فايزر''، و''جلاكسوسميثكلاين''، باتجاه نموذج مختلف من تطوير الأدوية للبلدان الفقيرة، عن طريق لجنة السوق المتقدمة. وهذه عملية تتعهد بها الحكومات المانحة بتقديم دفعة مباشرة من الأموال، بحيث تضمن الشركات وجود سوق كافية لتغطية تكاليف الإنتاج أو الأبحاث.

    في المقابل، قام مشروع اللقاح ضد التهاب السحايا بتصميم لقاح ''من الأسفل إلى الأعلى''، وبهندسة تلبي احتياجات الفقراء. ويقول مؤيدوه إن لقاح مينأفريفاك يمثل نموذجاً لتطوير اللقاحات التي تؤدي فعلياً إلى نسخة أقل تكلفة من المنتجات التي طورتها الصناعة. وعلى أية حال، يقول المتشككون إنه يبقى في أفضل الأحوال أمراً استثنائياً، وفي أسوأها علاجاً غير مثبت، حتى بالنسبة لمرض التهاب السحايا (أيه).

    في العام الماضي، قضى الالتهاب البكتيري ـ الذي يسبب التهاب الغشاء المحيط بالدماغ، والحبل الشوكي، وينتج عنه فقدان السمع، ومرض في الدماغ، والموت ـ على نحو أربعة آلاف شخص، وأصاب 70 ألف شخص آخر في ''حزام التهاب السحايا'' في إفريقيا. وهي منطقة تنتشر عبر 450 مليون نسمة بين السنغال وإثيوبيا.

    يقول لافورس في هذا الصدد: ''إن هذه أوبئة شديدة. وكل شيء يؤول إلى توقف مؤلم إلى أن تجد الحكومة مبلغاً يراوح بين مليونين إلى ثلاثة ملايين دولار للقاح الذي يتم إعطاؤه بشكل متأخر للغاية''.

    تعطي اللقاحات الموجودة فعالية محدودة، ولفترات قصيرة، وتعطى بشكل متأخر لتوفر بعض الحماية. ولكن بعد الانتشار الأكثر خطورة للمرض في عام 1996 الذي أودى بحياة 20 ألف شخص، بدأت الحكومات ووكالات الصحة البحث عن حل أكثر استراتيجية.

    أصبح ذلك الأساس لتأسيس مشروع اللقاح ضد التهاب السحايا، وهو منظمة تنطوي تحت ظل منظمة باث ـ غير ربحية ـ ومقرها مدينة سياتل في ولاية واشنطن الأمريكية، حيث تعمل على تطوير منتجات الرعاية الصحية للفقراء.

    كان أول عنصر من العملية هو الحصول على التمويل المباشر. وفي هذه الحالة، كان التمويل عبارة عن منحة مبدئية بنحو 70 مليون دولار من مؤسسة بيل وميلندا جيتس التي حفزت الأبحاث، وابتكرت الحوافز على الرغم من عدم وجود سوق مهمة. وبعد عقد من الزمن، لم يتم إنفاق جميع هذه الأموال.

    كان العامل الثاني هو التركيز على قدرة أفقر البلدان على الدفع منذ البداية. ويقول لافورس: ''توسلت إلينا الحكومات الإفريقية لكي لا نصنع لقاحاً ليس بمقدورها أن تدفع ثمنه''. وكان السقف الأعلى للسعر الذي وضعته الحكومات هو 50 سنتاً للجرعة، والذي يعتقد أن بإمكان الشركات الكبيرة أن تحققه كذلك. ويضيف: ''إن تكلفة السلع أمر حسابي. والتسعير عبارة عن استراتيجية''.

    كان العنصر الثالث إنتاج لقاح يستهدف بقوة قلق الإفريقيين ـ التهاب السحايا (أيه) – بدلاً من إنتاج لقاح في سوق أكبر محتملة، بتقديم فعالية أوسع نطاقاً ضد أنواع أكثر صلة في المناطق الأغنى.

    كانت الناحية الرابعة بناء شراكات ابتكارية. وتحدث لافورس مع شركات الأدوية الكبيرة لتطوير لقاحات ضد التهاب السحايا، والأمراض الأخرى. ولم ترغب أي منها، على أية حال، في المشاركة: السوق المتواضعة، والتسعير المتدني، وإنتاج لقاح يستهدف تحديداً إفريقيا، وكان إغراء التخلي عن أولوياتها الخاصة بها محدوداً بالنسبة إليها.

    فشلت المناقشات كذلك مع الباحثين الإيطاليين للحصول مجاناً على حقوق ملكيتهم الفكرية بشأن الاقتران، وهو أسلوب لتعزيز فعالية أي لقاح بربط المولد المضاد ببروتين ناقل.

    بدلاً من ذلك، جمع مشروع اللقاح ضد التهاب السحايا شبكة يشترك فيها متعاقدون من فئة التكلفة المتدنية، بمن فيهم شركة سينكو بيوبارتنرز في هولندا لتوريد المولد المضاد، ومعهد سيروم في الهند، وهو شركة للتصنيع تركز على اللقاحات متدنية التكلفة، ومركز التقييم والأبحاث البيولوجية في إدارة الأغذية والدواء الأمريكية الذي قدم ترخيصاً مجانياً لعملية الاقتران.

    أجرى مشروع اللقاح ضد التهاب السحايا تجارب عيادية في إفريقيا، وعمل مع وكالة حماية الصحة في المملكة المتحدة لاختبار فعالية اللقاح، وسعت إلى الحصول على الموافقة التنظيمية في الهند قبل أن تحصل على المصادقة من منظمة الصحة العالمية، الأمر الذي فتح الطريق أمام شراء اللقاح بواسطة الوكالات الدولية بدعم من المانحين.

    يقول سوريش جادهاف، مدير ضمان الجودة في معهد سيروم، الشركة التي تنتج لقاحات متدنية التكلفة، واستثمرت 20 مليون دولار في إنتاج لقاح مينأفريفاك: ''إذا كان بإمكانك تطوير منتج، وجعله جاهزاً للسوق مقابل 70 مليون دولار، فإن ثمة علامة استفهام كبيرة حول ما إذا كنت في حاجة إلى مليار دولار (المبلغ الذي تحتاج إليه شركات المنتجات الدوائية الكبيرة). وأعتقد شخصياً أن من الممكن استخدام هذا الأسلوب في المشاريع الأخرى''.

    الشركات الأخرى أكثر حذراً إزاء قابلية تطبيق تلك العملية على اللقاحات الأخرى، لأنه في هذه الحالة تم تطبيق جانب كبير من العلوم الأساسية فعلياً. وكان لقاح مينأفريفاك قادراً على استغلال لقاح ضد التهاب السحايا سي الذي تم تطويره في المملكة المتحدة خلال تسعينيات القرن الماضي، فضلاً عن عمليات الاقتران القائمة.

    يقول كريس إلياس، رئيس باث: ''كان المشروع يتمحور في البداية حول أخذ العلوم المثبتة واستخدامها في تصميم لقاح رخيص الثمن للغاية، باستخدام المكونات الأقل تكلفة، وعملية اقتران فعالة للغاية''.

    يعتقد البعض أنه في الحالات التي ينبغي فيها تنفيذ جانب كبير من المراحل المبكرة للأبحاث والتطوير، فإن الآفاق أكثر صعوبة.

    يحذر بيل هاسدورف، نائب الرئيس في مجموعة جلاكسوسميثكلاين الدوائية، المسؤول عن لقاح ذات الرئة الذي تنتجه الشركة، من أن ''الطريق محفوف بالمهالك''. وذكر لقاحات تجريبية ضد أنواع متعددة فشلت في شركة ميرك، وشركة سانفوي ـ أفنتس، وشركة ويث، الشركة التي عمل فيها سابقاً التي أرادت أن يحمي منتجها من مرض التهاب السحايا لدى الأطفال الصغار ـ ولكنها وجدت أن اثنين من اللقاحات لم ينجحا مطلقاً.

    في المقابل، فإن لقاحاً ضد التهاب السحايا (أيه)، أمر بسيط نسبياً. ويركز اللقاح على هدف وحيد، ويستخدم لدى الأطفال الأكبر سناً الذين يعد تفاعلهم مع اللقاحات الأخرى أقل سبباً للمشكلات.

    من شأن ذلك أن يترك عامل عدم يقين وحيد غاية في الأهمية: ما إذا كانت الحكومات الإفريقية ستشتريه بكميات كبيرة. و''صادق'' التحالف العالمي للقاحات والمناعة الذي يوجه الأموال الممنوحة على مبلغ 370 مليون دولار لاستخدامه. ولكنه قام حتى الآن بتوزيع 85 مليون دولار فقط، ويعتمد الباقي على البلدان أو المانحين الذين ما زال ينبغي إيجادهم.

    يقول جادهاف إن معهد سيروم كان متحمساً لأن يكون الإنتاج مستداماً، وحتى التمويل الحالي لنحو 25 مليون جرعة سنوياً سيكون كافياً لتغطية تكاليفه. ولكنه يضيف قائلاً إنه إذا لم يكن كافياً، فبإمكانه تحويل الإنتاج إلى لقاح الحصبة والنكاف المنافس.

    من شأن ذلك أن يعطي شركته طريقة للخروج، ولكن ليس ضمانة للحماية لمعظم السكان المهددين بمرض التهاب السحايا (أيه)، ناهيك عن مدى قابلية تطبيق نموذج مشروع اللقاح ضد التهاب السحايا.




يعمل...
X