الجزء الثاني من كتاب (لماذا اعدمونى) لسيد قطب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الجزء الثاني من كتاب (لماذا اعدمونى) لسيد قطب

    خطة رد الاعتداء
    على الحركة الإسلامية
    كما تقدم كنا قد اتفقنا على مبدأ عدم استخدام القوة لقلب نظام الحكم، وفرض النظام الإسلامي من أعلى، واتفقنا في الوقت ذاته على مبدأ رد الاعتداء على الحركة الإسلامية التي هي منهجها إذا وقع الاعتداء عليها بالقوة.
    وكان أمامنا المبدأ الذي يقرره الله سبحانه: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" وكان الاعتداء قد وقع علينا بالفعل في سنة 1954 وفي سنة 1957 بالاعتقال والتعذيب وإهدار كل كرامة آدمية في أثناء التعذيب ثم بالقتل والتعذيب وإهدار كل كرامة آدمية في أثناء التعذيب ثم بالقتل وتخريب البيوت وتشريد الأطفال والنساء. ولكننا كنا قررنا أن هذا الماضي قد انتهى أمره فلا تفكر في رد الاعتداء الذي وقع علينا فيه، إنما المسألة هي مسألة الاعتداء علينا الآن. وهذا هو الذي تقرر الرد عليه إذا وقع .. وفي الوقت نفسه لم نكن نملك أن نرد بالمثل لأن الإسلام ذاته لا يبيح لمسلم أن يعذب أحداً، ولا أن يهدر كرامة الآدمية ولا أن يترك أطفاله ونساءه بالجوع، وحتى الذين تقام عليهم الحدود في الإسلام ويموتون تتكفل الدولة بنسائهم وأطفالهم، فلم يكن في أيدينا من وسائل رد الاعتداء التي يبيحها لنا ديننا إلا القتال والقتل: أولاً لرد الاعتداء حتى لا يصبح الاعتداء على الحركة الإسلامية وأهلها سهلاً يزاوله المعتدون في كل وقت. وثانياً لمحاولة إنقاذ وإفلات أكبر عدد ممكن من الشباب المسلم النظيف المتماسك الأخلاق في جيل كله إباحية وكله انحلال وكله انحراف في التعامل والسلوك كما هو دائر على السنة الناس وشائع لا يحتاج إلى كلام.
    لهذه الأسباب مجتمعة فكرنا في خطة ووسيلة ترد الاعتداء .. والذي قلته لهم ليفكروا في الخطة والوسيلة باعتبار أنهم هم الذين سيقومون بها بما في أيديهم من إمكانيات لا أملك أنا معرفتها بالضبط ولا تحديدها.. الذي قلته لهم: إننا إذا قمنا برد الاعتداء عند وقوعه فيجب أن يكون ذلك في ضربه راجعة توفق الاعتداء وتكفل سلامة أكبر عدد من الشباب المسلم.
    ووفقاً لهذا جاءوا في اللقاء التالي ومع أحمد عبد المجيد قائمة باقتراحات تتناول الأعمال التي تكفي لشل الجهاز الحكومي عن متابعة الأخوان في حالة ما إذا وقع الاعتداء عليهم كما وقع في المرات السابقة لأي سبب إما بتدبير حادث كحادث المنشية الذي كنا نعلم أن الأخوان لم يدبروه أو مذبحة طرة التي كنا على يقين أنها دبرت للأخوان تدبيراً، أو لأية أسباب أخرى تجهلها الدولة أو تدس عليها وتجيء نتيجة مؤامرة أجنبية أو محلية .. وهذه الأعمال هي الرد فور وقوع اعتقالات لأعضاء التنظيم بإزالة رؤوس في مقدمتها رئيس الجمهورية ورئيس الوزارة ومدير مكتب المشير ومدير المخابرات ومدير البوليس الحربي، ثم نسف لبعض المنشآت التي تشل حركة مواصلات القاهرة لضمان عدم تتبع بقية الإخوان فيها وفي خارجها كمحطة الكهرباء والكباري، وقد استبعدت فيما بعد نسف الكباري كما سيجيء.
    وقلت له: إن هذا إذا أمكن يكون كافياً كضربة رادعة رد على الاعتداء على الحركة وهو الاعتداء الذي يتمثل في الاعتقال والتعذيب والقتل والتشريد كما حدث من قبل- ولكن ما هي الإمكانيات العملية عندكم للتنفيذ ..
    وظهر من كلامهم أنه ليس لديهم الإمكانيات اللازمة، وأن بعض الشخصيات كرئيس الجمهورية ورئيس الوزارة –فيما يذكر- وربما غيرهما كذلك عليهم حراسة قوية لا تجعل التنفيذ ممكناً، فضلاً على أن ما لديهم من الرجال المدربين والأسلحة اللازمة غير كاف لمثل هذه العمليات .. وبناء على ذلك اتفق على الإسراع في التدريب بعدما كنت من قبل أرى تأجيله ولا أتحمس له باعتباره الخطوة الأخيرة في خط الحركة وليس الخطوة الأولى .. ذلك أنه كانت هناك نذر متعددة توحي بأن هناك ضربة للإخوان متوقعة، والضربة كما جربنا معناها التعذيب والقتل وخراب البيوت وتشرد الأطفال والنساء فقد أخذ الشيوعيون ينثرون الإشاعات في كل مكان بأن الإخوان المسلمين يعيدون تنظيم أنفسهم واختيار قيادة جديدة لهم وبلغتنا إشاعة أن الشيوعيين وضعوا منشورات في نقابة الصحفيين يبدو فيها طابع الإخوان للتحريض عليهم، ولم يكن هذا غريباً فقد سمعنا من قبل أنه ضبطت منشورات معدة للتوزيع في حقيبتي رجلين من رجال الدين المسيحي ماتا في حادث منذ سنوات وعليها توقيع الأخوان المسلمين بقصد الإيقاع بهم ..
    كذلك كان الأستاذ منير الدلة قد قال لي في أثناء تحذيره وتخوفه من شبان متهورين يقومون بتنظيم: أنه يعتقد أنهم دسيسة على الإخوان بمعرفة قلم مخابرات أخبار أمريكي عن طريق الحاجة زينب الغزالي وأن المخابرات "كاشفاهم" وأنهم يفكرون في مكتب المشير في التعجيل بضربهم أو في تركهم فترة .. كما قال لي من قبل قريباً من هذا الكلام الحاج عبد الرازق هويدي نقلاً عن الأستاذ مراد الزيات صهر الأستاذ فريد عبد الخالق والأستاذ منير وبينهما توافق في التفكير والاتجاه، وكان الحاج عبد الرازق هويدي قد ذكر لي كذلك أن هؤلاء الشبان متصلون بالأستاذ عبد العزيز علي (الوزير السابق) أو اتصلوا به وأنه يقال: أنه متصل بالأمريكان ومدسوس عليهم وكنت قد عرفت من الشبان أنهم فعلاً التقوا مع الأستاذ عبد العزيز علي والأستاذ فريد في بيت الحاجة زينب الغزالي في أثناء بحثهم عن قيادة، ولكنهم لم يستريحوا له، فلم يكاشفوه بأسرار تنظيمهم، وفي كلام الأستاذ فريد معي أشار إلى اتصالهم بأشخاص مشكوك فيهم وكنت أعرف أنه يشير إلى اتصالهم بالأستاذ عبد العزيز وبالحاجة زينب، ورأيه من رأي الأستاذ منير أنهما مدسوسان لعمل مذبحة للإخوان ..
    وكنت قد عرفت أن اتصالهم بالأستاذ عبد العزيز على منقطع، أما الحاجة زينب فكنت قد عرفت أنها قامت بمجهود كبير في السنوات الأخيرة في مساعدة البيوت، وأنها متصلة ببيت الأستاذ المرشد ومحل ثقتهم، وأن الشيخ عبد الفتاح هو وحده المتصل بها، ولم يكن عندي خوف من ناحية أن يستخدمها أي قلم مخابرات لأنها مكشوفة.
    المهم أن هذه كلها كانت تنذر بقرب ضربة واعتداء يقع على الإخوان وعلى هذا التنظيم بشكل خاص... فقررنا الإسراع في التدريب بقدر الإمكان، وانصرفنا على انه ليس لدينا الإمكانيات الآن.
    وأتذكر أن هذا كان آخر اجتماع للمجموعة، فلم التق بعد ذلك إلا بالشيخ عبد الفتاح وبالأخ علي العشماوي في رأس البر، ولم أتبين تفصيلات ما اتخذوه بينهم من إجراءات التدريب، ولا أية خطوات أخرى تنفيذية، ولا أذكر أنه جاء ذكر شيء من هذا سواء في مقابلتي مع الشيخ عبد الفتاح أو مع الأخ علي في رأس البر، إلى أن وقعت الاعتقالات الأولى للإخوان بالفعل، ولم يكن منهم أحد من أعضاء التنظيم بعد، وكانت المسافة قصيرة بين آخر اجتماع، والاعتقالات لا تمكنهم من تدريب حقيقي .. وهنا أرسلت إليهم عن طريق الحاجة زينب – في تعبيرات ملفوفة غير صريحة، أن يوقفوا نهائياً عملية السودان (أي الخاصة بالأسلحة) بأي شكل وأن يلغوا كل عملية أخرى (أي الخاصة برد الاعتداء) فجاءني استفهام من الأخ علي عن طريق الحاجة زينب كذلك عما إذا كانت هذه تعليمات نهائية حتى لو وقع التنظيم، فأجبته بأنه في هذه الحالة فقط وعند التأكد من إمكان أن تكون الضربة رادعة وشاملة يتخذ إجراء وإلا فصرف النظر عن كل شيء. وكنت أعلم أن ليس لديهم إمكانيات بالفعل وأنه لذلك لن يقع شيء.
    وكان قد جرى في أثناء المناقشات الأولية عن الإجراءات التي تتخذ للرد على الاعتداء إذا وقع على الإخوان اعتداء حديث غير تدمير القناطر الخيرية الجديدة وبعض الجسور والكباري كعملية تعويق، ولكن هذا التفكير استبعد لأنه تدمير لمنشآت ضرورية لحياة الشعب وتؤثر في اقتصاده، وجاء استبعاد هذه الفكرة بمناسبة حديث لي معهم عن أهداف الصهيونية في هذه المرحلة من تدمير المنطقة:
    أولاً: من ناحية العنصر البشري بإشاعة الانحلال العقيدي والأخلاقي..
    وثانياً: من ناحية تدمير الاقتصاد .. وأخيراً التدمير العسكري .. فقال الأخ علي عشماوي بهذه المناسبة: ألا يخشى أن نكون في حالة تدمير القناطر والجسور والكباري مساعدين على تنفيذ المخططات الصهيونية من حيث لا ندري ولا نريد؟
    ونبهتنا هذه الملاحظة إلى خطورة العملية فقررنا استبعادها والاكتفاء بأقل قدر ممكن من تدمير بعض المنشآت في القاهرة لشل حركة الأجهزة الحكومية عن المتابعة إذ أن هذا وحده هو الهدف من الخطة.. ولكن الأمر في هذا كله سواء في القضاء على أشخاص أو منشآت لم يتعد التفكير النظري كما تقدم .. ذلك أنه إلى آخر لحظة قبل اعتقالنا لم تكن لديهم إمكانيات فعلية للعمل – كما أخبروني من قبل – وكانت تعليماتي لهم ألا يقدموا على أي شيء إلا إذا كانت لديهم الإمكانيات الواسعة..
    وكانت هذه هي صورة الموقف إلى يوم اعتقالي ولا أعلم بطبيعة الحال ماذا حدث بعد ذلك، إلا أنه واضح أنه لم يقع شيء أصلاً.. وقد كانت لديهم فرصة ثلاثة أسابيع على الأقل لو كانوا يريدون القيام بأي عمل.




    اتصالاتنا بالإخوان في الخارج
    في العام الماضي ولا أتذكر التاريخ بالضبط أخبرني الأخ علي العشماوي أن أحد إخوان العراق يحب أن يقابلني وأنه هو ممثل إخوان العراق في مصر أو مندوبهم وكان يدرس في مصر وهو مسافر لأنه أتم دراسته وأخذ موعداً مني لمقابلته معي في منزلي، وكان ذلك .. واسمه حازم أو عاصم ولا أتذكر بالضبط.س
    ودار حديث لا أملك تذكر تفصيلاته ولكن موضوعه كان حول أوضاع الإخوان في البلاد المختلفة واختلاف ظروفهم حسب اختلاف الظروف حولهم. وأنهم يتطلعون إلى القيادة في مصر ولكن القيادة هنا لا تتصل بهم ولا توجههم ولذلك فإن كل مجموعة تتخذ لنفسها السياسة التي تراها باجتهادها. وأن الإخوان في العراق من أجل ذلك اتخذوا لأنفسهم قيادة مستقلة وخطة مستقلة يكيفونها هم بأنفسهم وفق ظروفهم، ولكنهم مع ذلك يحاولون الاتصال بالمجموعات الأخرى في البلاد المختلفة ولكن مجرد اتصال، ولا يطالعون أحداً من المجموعات الأخرى على تكوينهم ولا حتى على قيادتهم، وإنما يتصل مندوب فقط لمتابعة الأحوال-وأنه رغم أنه تكون مكتب في بيروت يمثل إخوان العراق والأردن وسورية والإخوان المصريين الذين في السعودية، فإن خطة إخوان العراق هي هذه التي ذكرها. لأن التشكيلات الأخرى ذات عقلية تقليدية ويحتاج الأمر إلى فترة حتى تتلاقى أفكارهم مع أفكارهم.
    حدثته أنا عن تفكيرنا الذي انتهينا إليه من ناحية منهج الحركة وضرورة بدئه من شرح حقيقة العقيدة قبل النظام والشريعة، ومن التكوين الفردي قبل التنظيم الجماعي، ومن عدم محاولة فرض النظام الإسلامي عن طريق إحداث انقلاب من القمة وبالذات عدم إضاعة الجهد بالتدخل في الأحداث السياسية المحلية الجارية إلى آخر ما سبق بيانه من منهجنا الجديد.
    وهنا قال: إنه على اتصال بالأستاذ فريد عبد الخالق باعتباره الممثل للإخوان هنا الذي له حق الاتصال به. وأنه يرى أن هناك اختلافاً في التفكير والمنهج بين ما أقوله وبين ما يعرفه من تفكير الأستاذ فريد ومنهج الجماعة كما يفهمه، وأنه لماذا لا يوجد التفكير في الجماعة؟ وقلت له: على كل حال هذا تفكيرنا نحن وفي الظروف الحاضرة لا نملك الحركة على نطاق واسع لتوحيد تفكير الجماعة، فهذه ثمرة التجربة التي مررنا بها، والزمن كفيل بها. ولم أخبره بشيء من التفصيلات عن تنظيمنا. ولكنه كان مستاء لأن يظهر الإخوان كأنهم فرقة أو فرقتان. وانصرف من عندي على أنه سيظل على اتصاله بالأستاذ فريد كممثل للجماعة وأنه في الوقت نفسه سيبلغ الإخوان في العراق ما سمعه مني والصورة التي عليها الحالة عندنا. وبعد اشهر عاد هذا الأخ من الخارج وقابلني مرة أخرى عن طريق الأخ علي أيضاً وكان معه أخ عراقي آخر، وأخبرني هو وزميله أنه عرض الصورة الواقعة في مصر على إخوانهم هناك، فكلفوه أن يكون الاتصال بنا لأن منهجنا وتفكيرنا أقرب إلى منهجهم وتفكيرهم، وإن لم يكن موحداً لاختلاف الظروف بيننا. وسلمني مبلغ مئتي جنيه هدية من إخوانه هناك للمساعدة على ظروفنا.. هكذا إجمالاً بدون تحديد..فسلمت المبلغ للأخ علي كما ذكرت من قبل ولم يتم اتصال آخر غير هذا في هذه المقابلة.
    * * *
    وفي مايو الماضي زارني بمفرده أحد إخوان الأردن. وهو طبيب اسمه عبد الرحمن .. أما بقية اسمه فلا أتذكرها، ومن السهل معرفة اسمه من الأستاذ فريد عبد الخالق، وذكر لي أنه منتدب من إخوان الأردن لمقابلة الإخوان هنا، وأنه حضر إلي لتهنئتي بالخروج من السجن باسم إخوان الأردن، وأبلغني تحيات مراقبهم العام الأستاذ عبد الرحمن خليفة. ثم تحدث حديثاً طويلاً عن المسألة التي يريد أخذ تعليمات فيها أو توجيهات، وهي مسألة علاقتهم بمنظمة التحرير وبالشقيري، وهي سرد طويل لعلاقتهم بالشقيري منذ بدأ التمهيد لتشكيل منظمة فلسطين وأحاديثهم معه وأحاديثه معهم، لا تسعفني ذاكرتي الآن باستحضاره لأني لم أكن أتتبعه باهتمام إلا في النقطة الأساسية فيه وهي تتلخص: في أن الشقيري طلب مساعدتهم في الدعوة للمنظمة وأنهم فهموا منه أنه جاد في قضية فلسطين فبذلوا له كل مساعدة. ولكن عند تشكيل الهيئة التنفيذية –أو ما يشبه هذا- وجدوا أنه استبعد الإخوان المسلمين منها، وأن أغلبية منها من المعروفين بميولهم الشيوعية، وأنهم راجعوه في هذا وكشفوا له عن حقيقة هؤلاء فوعد بالاهتمام بهذه المسألة وإعادة النظر في الموضوع، وأن المسألة بينهم وبينه عند هذا الحد.
    وشكا من أن القيادة في مصر لا تتصل بهم ولا تعطيهم أي توجيهات في حين أنهم يعتبرون أنفسهم مرتبطين بالقاهرة.. وذكر لي أن السفير المصري في وقت من الأوقات سأل الأستاذ عبد الرحمن خليفة عما إذا كان يلبي دعوة لو جاءته من القاهرة، فرد الأستاذ عبد الرحمن عليه قائلاً: إن لك قيادة وأنت تتبعها وتطيع أوامرها. فأنا كذلك لي قيادة، وسألبي الدعوة لو جاءت لي من الأستاذ المرشد أو بموافقته وأن السفير قال له: يجب أن تعلقوا مصيركم ولا علاقاتكم بمصير الإخوان في مصر. فقال له: إننا مرتبطون بمصر باعتبارها قطاعاً من قطاعات الإخوان. ثم طلب مني توجيهات في الموقف، فقلت له: إنني لا أملك أن أعطيكم توجيهات محددة في موقف داخلي: أولاً لأنني لست المرشد. وثانياً لأنكم أنتم أعرف بظروفكم، وأقرب إلى القضية الفلسطينية، وأقرب إلى المنظمة وأخبر بكل ما يحيط بها. فطلب مقابلة المرشد فقلت له كذلك: إنني لا أملك أن أوصله بالمرشد لأنني أعرف أن حالته الصحية لم تعد تمكنه من بذل جهد في مثل هذه المشاغل والمشاكل، ولأنني أعرف كذلك عدم رغبته في مثل هذه المقابلات، وكنت سمعت هذا فعلاً نقلاً عن أهل بيته.
    فقال لي: إنه سيقابل الأستاذ فريد فماذا انصح له هل يقابله أم يكتفي بمقابلتي؟ فقلت له: إنه يستطيع أن يقابل الأستاذ فريد بلا أي مانع.. وكان قد سألني قبل ذلك عن توجيهاتي العامة قبل سؤالي عن التوجيهات بخصوص منظمة فلسطين، فذكرت له أرائي في منهج الحركة الإسلامية على أنها مجرد آراء لي لا على أنها توجيهات لهم، لأني أعرف منذ سنة 1953 عندما كنت في الأردن أن إخوان الأردن منغمسون في الحركات السياسية المحلية، فلا يمكن أن أنصح لهم بالانسحاب منها وهم لا يستجيبون لهذا بحسب ظروفهم وتاريخهم في الحركة.
    وقد علمت من الأستاذ فريد في المقابلة التي كانت بيني وبينه بعد ذلك وهي المقابلة الوحيدة باستثناء حضوره لتهنئتي بعد خروجي في العام الماضي والتي اقتصرت على التهنئة.. علمت أن الأخ الأردني زاره وأنه قابل الأستاذ المرشد كذلك. وأنه لم يأخذ منهما أية توجيهات في مسألة المنظمة. وأن المرشد أبدى رغبته في عدم الحديث في مثل هذه المسائل. وكذلك عرفت هذا من المرشد عندما زرته للسؤال عنه في مرضه وللعزاء في ابن عمه وذكرت له طلب ذلك الأخ زيارته وردي عليه. كذلك كان مما قاله لي ذلك الأخ الأردني: إن القوميين العرب في سورية اتصلوا بالأستاذ عصام عطار ليتعاون معهم في صراعهم مع حزب البعث وأمين الحافظ باعتبار أن حزب البعث والحكومة السورية تطارد الإخوان كما تطارد القوميين العرب. فقال لهم الأستاذ عصام: إن هذا التعاون يكون منتقداً من إخوان سورية وجميع الإخوان في البلاد العربية الأخرى مع وجود إخواننا في مصر في المعتقلات والسجون، ومعروف أن حركة القوميين العرب متصلة بالقاهرة، فالوضع لا يكون سليماً في مثل هذه الظروف ويحسن إنهاء قضية الإخوان في مصر ليصبح لمثل هذا التعاون محل وفرصة.
    * * *
    وأذكر أن الأخ علي العشماوي أخبرني أن في مصر أخاً سودانياً زائراً وهو مندوب عن الإخوان هناك، وقد يزورني. ولكن لم يحدد موعد ولم تتم الزيارة، غير أني علمت من الأخ علي أنه قابله مرة أو مرتين في الغالب، وأنه وصف له حوادث السودان ودور الإخوان الأساسي فيها، مما أدى إلى إنهاء الحكم العسكري هناك على ما هو معروف. كما أبدى له تفاؤله الكبير بقرب قيام حكم إسلامي في السودان نتيجة للانتخابات التي كانت لم تجر بعد.
    وأذكر أنني علقت وقتها مع هذا كله إن قيام حكم إسلامي في أي بلد لن يجئ عن مثل هذه الطرق. وأنه لن يكون إلا بمنهج بطيء وطويل المدى، يستهدف القاعدة لا القمة، ويبدأ من غرس العقيدة من جديد، والتربية الإسلامية الأخلاقية. وأن هذا الطريق الذي يبدو بطيئاً وطويلاً جداً هو أقرب الطرق وأسرعها.
    وقلت له كذلكن إنه لم يمروا بعد بالتجارب التي مررنا بها في مصر، ولذلك لابد أن يتركوا ليجربوا غذ أنني أظن أنهم لن يقبلوا منا توجيهاً في فورة الحماسة والتفاؤل.
    ولما ظهرت نتيجة الانتخابات مخيبة لهذا التفاؤل تقابل مع الأخ علي فيما أذكر، وكانت صدمة له ظاهرة في حديثه كما نقل لي الأخ علي، ولا أذكر تفصيلات أخرى لأن المقابلة لم تكن معي على ما أتذكر.
    * * *
    وحضر من ليبيا لمقابلتي في أول أغسطس من هذا العام، وقبل اعتقالي بأسبوع واحد ثلاثة من إخوان ليبيا أحدهم اسمه (الفاتح) ولا أذكر أسماء الآخرين. وكان الأخ (الطيب الشين) قبل سفره أخبرني برغبة الأخ الفاتح في مقابلتي وأنها كانت أمنية له منذ زمن طويل وأنا في السجن وأنه قد يحضر في أواخر يوليو.
    وبالفعل كان ذلك. وكانت معهم الأخ المبروك. وقد قابلتهم مجتمعين في الفندق الذي كانوا نازلين به وهو فندق أطلس. وكان أول سؤال توجهوا إلي به الاستفسار عن حقيقة حادث المنشية في أكتوبر سنة 1954 وعدم تصديقهم بأنه عمل الإخوان لأنه ظاهر فيه من الوصف الذي سمعوه أنه لا يمكن لإنسان عاقل أن يحاول ارتكابه على هذا البعد بمسدس. وقد أخبرتهم بما بلغنا عن تدبيره بواسطة صلاح دسوقي واللواء الذي مات أخيراً في الأسكندرية وثالث لم نعرفه بعد.
    وكان أخي محمد قطب قد اعتقل قبل مقابلتي معهم بيومين أو ثلاثة، وقد سألوا عنه وعن مكان اعتقاله ولم أكن أعرف مكانه ولا سبب اعتقاله إذ أن علمي المؤكد عنه أنه لم ينضم في حياته إلى تنظيم أو هيئة أو حزب أو جماعة. كذلك أخبرتهم بتوقع اعتقالي لأن الاعتقالات كانت قد أخذت تتسع وتوحي بأنها ستشمل جميع الإخوان.
    وبمناسبة الحديث عن تدبير حادث 26 أكتوبر في المنشية بواسطة السيد صلاح دسوقي واللواء الذي توفي أخيراً في الإسكندرية وثالث، وأخذ الإخوان به، تحدثنا في التخوف من تكرار مثل هذا التدبير من أية جهة يهمها إغراء الحكومة بالإخوان وخاصة العناصر الشيوعية التي كان يشاع في وقتها أنها سترتكب بعض الحوادث بقصد نسبتها إلى الإخوان.
    وكان الأخ الفاتح سيسافر لزيارة لبنان والأردن، وقال: إنه سيقابل هناك الأستاذ عصام عطار والأستاذ عبد الرحمن خليفة وسينقل أخبار الاعتقالات وحادث المنشية والخوف من تدبير مثله. فلم أمانع في ذلك. ولكني قلت له: إن أسرار حادث المنشية تحتاج إلى بحث واستيفاء، فيحسن أن يعرف ولا يذاع عنه شيء حتى تكون لنا عنه بيانات كاملة، إلا إذا دبر للإخوان حادث مثله من أية جهة فيحسن عندئذ نشره. وكنت سمعت أن في النية مصادرة بعض كتبي وعدم إعادة طبعها. فقلت له: إنه إذا حدث هذا فهناك إذن مني لأي ناشر في الخارج بطبع هذه الكتب فلا يحتاج إلى إذن. وبهذه المناسبة ذكروا أن في نيتهم فتح مكتبة ومطبعة في ليبيا، وأنهم يعتبرون هذا إذناً لهم. وقد يجعلون لهم فرعاً في بيروت باعتبارها سوقاً حرة وليس فيها قيود تصدير ولا استيراد. فتركت الأمر كله في أيديهم إذا حدث ما كنت سمعته من بعض أصحاب المكتبات عن اتجاه النية لعدم طبع بعض كتبي.
    وقد عرضوا أن يدفعوا مقدماً مبلغاً من المال مقابل طبع الكتب كما هو المتبع مع الناشرين ولما كان هذا سابقاً لأوانه فقد شكرتهم. وتركنا مثل هذه الشؤون لحينها عندما يتخذ فيها إجراء عملي. ولكني قلت لهم: إنه إذا حدث هذا فتسلم أية حصيلة لأهلي. ولما كان محمد معتقلاً فقد ذكرت لهم اسم ابن أختي رفعت أو ابن أختي عزمي، على أن أي واحد منهما يتسلم بدلاً مني، ما يكون لي من حصيلة كتبي. وذلك ظناً مني أنهما لا يعتقلان لأنهما ليسا من التنظيم الجديد، ولم تكن لهما سابقة انتظام في جماعة الإخوان من قبل!
    * * *
    وهناك زيارة من أحد إخوان سوريا كانت بعد خروجي من السجن بقليل في العام الماضي. ولم يبق في ذاكرتي عنها إلا صورة باهتة جداً وقد تعبت في تذكرها، ولكن لعلني ذكرت عنها شيئاً فيما بعد للأخ علي العشماوي ولعله يذكر اسم الزائر فأظن أنه يعرفه ولكني غير متأكد من شيء عن هذا. والذي استطعت أن استجمعه في ذاكرتي الآن عنها أن هذا الأخ كان قادماً من سورية في طريقه إلى إنجلترا لاستكمال دراسته بها، وأنه من قبل كان يدرس في مصر وأتم دراسته.
    وقد أبلغني تحيات الأستاذ عصام العطار رئيس الإخوان المسلمين في سورية وتهنئته لي بالخروج من السجن. وذكر لي شيئاً عن موقف الإخوان في سورية وتوقعهم لضربة لهم من البعثيين. وسألني عما إذا كان لدي أية توجيهات؟ وأذكر أنني قلت له: إنني لا أملك إعطاء توجيهات محددة لموقف معين، فهذا متروك للمباشرين للأحداث والأوضاع وهم يكونون أعلم بها. ولكن لي فقط توجيهاً عاماً لكل الإخوان ولكل الحركات الإسلامية، وهو ألا تستغرقهم الأحداث الجارية، وألا ينغمسوا فيها وفي المناورات الحزبية والسياسية، فإن لهم حقلاً آخر أوسع وأبعد مدى وإن كان بطيئاً وطويل الأمد وهو حقل البعث الإسلامي للعقيدة وللقيم وللأخلاق وللتقاليد الإسلامية في صلب المجتمعات حتى يأذن الله- بالجهد الطويل والصبر- بقيام النظام الإسلامي.
    وإنني ألاحظ شدة انغماس إخوان سورية بالذات، ومنذ نشأة الجماعة هناك في الأحداث السياسية وقلة التفرغ للتربية. وأذكر كذلك أنه قال لي: إنا إذا لم نشارك في الأحداث وانعزلنا عن بقية القوى الشعبية يسهل على البعث ضربنا. وإنني قلت له: إني أعتقد باستقراء الأحداث الماضية أن ضرب الإخوان والحركات الإسلامية لا يتعلق فقط بعوامل محلية، ولكنه يتعلق بمخططات صهيونية وصليبية استعمارية مدربة على إنشاء الظروف وتكييف الأحداث بحيث تصبح الضربة كأنها بسبب عوامل محلية .. وإنه يجب أن يكون في حسابنا أن أعداءنا وأعداء هذا الدين وأعداء حركات البعث الإسلامية في الخارج أكثر مما هم في الداخل.
    وقد حدث بعد ذلك أن ترك الأستاذ عصام سورية إلى لبنان فيما أذكر. وأذكر كذلك انه حدثني عن الأستاذ سعيد رمضان، وأن الإخوان في سورية، وفي الأردن كذلك غير مستريحين لتصرفاته.. لأنه لا يستشيرهم فيها ويتصرف بمفرده حتى عندما يكون بينهم، فينزل في فنادق ويزور شخصيات لا يرغبون هم أن ينزل فيها أو أن يزورها باعتبارهم أدرى ببلدهم وما فيها ومن فيها، ولكنه هو لا يستمع لتوجيههم وفق تقاليد الإخوان في أن الزائر يكون في عهدة أهل البلد وقيادتهم المحلية.
    وأنهم كلما أخذوا عليه أشياء في تصرفاته قال لهم: إن عنده إذناً بالتصرف من الجماعة. وسألني عما إذا كان هنا تفويض فعلاً للأستاذ سعيد بأن يتصرف من نفسه؟ وقد أجبته بأنه لا علم لي كلية بمثل هذه الشؤون-وهذا هو الواقع فعلاً- وأنني خارج حديثاً من السجن وأنني بطبيعتي لا أحب الدخول في هذه المسائل.. وبهذه المناسبة أذكر أن الأخ الأردني (الدكتور عبد الرحمن ..) الذي ذكرت زيارته من قبل تحدث معي بمثل هذا عن الأستاذ سعيد رمضان وأنني أجبته نفس الإجابة.
    * * *
    وعقب خروجي من السجن في العام الماضي حضرت إلي السيدة خيرية الزهاوي بنت أخي الأستاذ الشيخ الزهاوي كبير علماء العراق للاستشفاء واستشارة الأطباء. وقد حضرت عندنا تحمل إلي تحيات وتهنئة فضيلة عمها الأستاذ أمجد، وفرحه بخروجي بعد قلقه عما كان يترامى إليه من أخبار سوء صحتي في السجن وإشاعات موتي أحياناً. وأنه تحدث بشأني مع سيادة الرئيس عبد السلام عارف، ووجد عنده كل استعداد للتوسط لدى سيادة الرئيس جمال عبد الناصر. بل إنه فكر في ذلك من نفسه فقد كان كتابي "في ظلال القرآن" هو أنيسه في فترة اعتقاله. وبالعل قام بهذه الوساطة ونجحت والحمد لله. وأنه بعد عودته من القاهرة كلف من يذهب إلى فضيلة الشيخ أمجد ليبشره بنجاح وساطته فور نزوله من الطائرة في المطار، وأن الشيخ فرح بهذا هو وجميع إخوانه وأبنائه في جمعية علماء العراق. وقد شكرتها على زيارتها وطلبت منها شكر فضيلة الشيخ والسؤال عن صحته فقد علمت منها أنه لم يعد يستطيع الخروج من البيت لثقل المرض عليه. وقد أقامت معنا يومين ولما سافرت بعثت إلى أختي أمينة قطب برسالة بعد فترة طويلة من سفرها تتضمن تحياتها وتحيات بنت عمها الشيخ وكذلك خبراً بأن عمها يشتد عليه المرض، وأنه يبلغنا تحياته ودعواته.
    * * *
    كذلك زارني عقب خروجي سيادة سفير العراق في الجمهورية العربية المتحدة وأبلغني تحيات سيادة الرئيس عبد السلام عارف، كما أخبرني السفير أن الرئيس سعيد بنجاح وساطته لدى سيادة الرئيس جمال عبد الناصر، وهو يسأل عن صحتي وعما إذا كانت لي أية طلبات يملك إجابتها. وذكر لي كذلك أن كتاب "في ظلال القرآن" كان أنيسه في فترة اعتقاله أيام عبد الكريم قاسم، وقد شكرته على زيارته وطلبت إليه تبليغ شكري لسيادة الرئيس العراقي، وأنه ليس لي طلبات سوى أنه إذا رأى سيادته أن يواصل مساعيه الحميدة لأنها قضية الإخوان بجملتها فلعل الله أن يوفقه إلى ذلك. ووعد السفير بحمل هذه الرغبة إلى الرئيس العراقي.
    وعندما حضر الرئيس عبد السلام عارف إلى مؤتمر القمة أرسلت له برقية شكر وتحية، وقد رد علي برسالة لم تصلني ولكني عرفت فيما بعد بخبرها. فقد حضر السفير لزيارتي مرة أخرى في هذا العام وكان قد صار وزيراً للتربية والتعليم – قبيل أن يكون وزيراً في المجلس المشترك للوحدة مع الجمهورية العربية – ومعه هدية لي من الرئيس عارف معها بطاقته. وفي أثناء الحديث العابر فهمت أن الرئيس كان قد بعث برد على برقيتي، ولم أقل له طبعاً، ان الرد لم يصلني!
    وقد أرسلت بمجموعة كتبي مجلدة هدية للرئيس عارف وبمجموعة أخرى للوزير وذلك عن طريق السفارة العراقية في القاهرة، وكانا لوزير قد اتفق معي على أنه عند إتمام تجليدها أرسلها للسفارة وهي تتولى إرسالها.
    * * *
    كذلك زارني بعد خروجي السيد ضياء شيت خطاب المستشار بمحكمة التمييز العراقية للتهنئة .. وأخبرني كذلك بوساطة الرئيس عبد السلام عارف في شأني، وفرحه أصدقائي الكثيرين في العراق الذين لا أعرفهم من رجال الدين والفكر والعلم بنبأ خروجي الذي نشر في صحف العراق كلها. وتحدث عن الرئيس عبد السلام عارف بأنه رجل متدين ووالده قبله وعائلته كلها.. ثم زارني ابن أخته واسمه فيما أذكر (حازم) وأبلغني تحيات خاله الثاني اللواء محمود شيت خطاب ومعه كتاب له بعنوان "محمد القائد" هدية منه لي، وقد طلبت منه أن يسكره عني وأهديت له بعض كتبي.
    ومن نحو ستة أشهر وردت إلي رسالة مسجلة من دار الإذاعة السعودية مرفق بها تحويل بمبلغ 143 جنيهاً (مئة وثلاثة وأربعين جنيهاً) على بنك بورسعيد وذكر في الرسالة أن هذا المبلغ هو قيمة ما أذاعته الإذاعة السعودية من أحاديث مقتبسة من كتابي "في ظلال القرآن" في شهري شعبان ورمضان سنة 1385. وكنت قد علمت أن الإذاعة السعودية تذيع أحاديث منتظمة مقتبسة من كتابي منذ سنوات، وأنها مستمرة في إذاعتها. فلما قررت هي مكافأة معينة عن فترة معينة رأيت أن أطالبها بقيمة السابق واللاحق من الإذاعات وهذا حقي الطبيعي كمؤلف.
    ولكني قبل تسلم المبلغ وقبل المطالبة ببقية المستحقات رأيت إطلاع المباحث العامة على الموضوع حتى لا يساء تأويله في وقت من الأوقات. وبالفعل قابلت السيد المقدم محمود الغمراوي، وأطلعته على الرسالة والتحويل وعلى نيتي في المطالبة بمستحقاتي. فرأي أن أكتب مذكرة بالموضوع لتحفظ في سجلاتهم بدل الحديث الشفوي الذي لا يمكن الرجوع إليه عند اللزوم. فكتبت له هذه المذكرة وتركتها له، مع موافقته على أن أتسلم المبلغ وأن أطالب بالباقي.
    وقد تسلمت المبلغ وكتب رسالة إلى السيد وزير الإعلام السعودي فصلت له فيها موضوع الأحاديث وطالبت بصرف بقية المستحقات ما دامت الإذاعة هي التي قررت مبدأ دفع مكافأة عن فترة ليس هناك ما يميزها عن بقية الفترات. وصورة الرسالة قد اطلعت عليها المباحث العامة كذلك ولكني لم أتسلم رداً رسمياً من وزارة الإعلام السعودية ولا من محطة الإذاعة غير أني عرفت من الأخ عبد الفتاح إسماعيل ومن الحاجة زينب الغزالي نقلاً عن بعض العائدين من الحج في هذا العام-ولا أعرف من هم- أنه تقرر هناك تخصيص مكافأة عن هذه الإذاعات السابقة تودع تحت تصرفي مع الاستمرار في إرسال المكافآت التي تستجد بالطريقة التي أرسل بها المبلغ السابق.. إلا أن شيئاً من هذا لم يتحقق.
    * * *
    وفي أثناء انعقاد مؤتمر علماء المسلمين في القاهرة في هذا العام زارني مندوب الجزائر في المؤتمر واسمه الشيخ .. (لا أتذكر الاسم ولكن الحاجة زينب الغزالي تعرفه لأنه كلمني تليفونياً من عندها للاتفاق على موعد الزيارة) وقد تحدث معي عن الأحوال والأوضاع فيا لجزائر من ناحية التيارات العقيدية. يقول إن قاعدة الثورة إسلامية لا شك في ذلك، واتجاه الشعب كله إلى الإسلام وإن كان البعض لا يعرف حقيقته، لأن الاستعمار الفرنسي الطويل حرص على تجهيل الشعب بدينه غير أنه توجد الآن عند القمة تيارات شيوعية فكرية منظمة تعمل على نشر الأفكار الشيوعية تحت اسم الاشتراكية وتحت ستار الثقافة الاجتماعية والاقتصادية وليس هناك ما يقابلها من ناحية الفكر الإسلامي، لأن المشايخ والوعاظ يتجهون اتجاهاً تقليدياً لا يكافئ تلك التيارات ولذلك فالخوف شديد من تضليل الشعب بهذه الوسيلة. وكان هذا قبل الانقلاب الجزائري الأخير. ثم طلب مني أن أكتب له بياناً مختصراً عن النظام الاجتماعي الإسلامي ووسائله في تحقيق العدالة الاجتماعية ليساعده هو وإخوانه هناك على مقابلة التيارات الشيوعية. فقلت له: إن لي ثلاثة كتب في هذا الموضوع هي: العدالة الاجتماعية في الإسلام، والسلام العالمي والإسلام، ومعركة الإسلام والرأسمالية. وأن للأستاذ المودودي كذلك كتباً في الموضوع سميتها له. فقال: إن هذا ليس ما يطلبه، إنه يطلب مختصراً يستطيع أن يقرأه من يستطيعون قراءة العربية ثم يترجم إلى الفرنسية لأن معظم المثقفين عندهم لا يقرأ إلا بالفرنسية، أما هذه الكتب فلا يستطيع قراءتها إلا المثقفون ثقافة عربية كاملة وهم قليلون جداً. ووعدته أن أكتب هذا المختصر، ولكني علمت أنه سافر سريعاً قبل أن أكتب له شيئاً في الموضوع الذي يريده.
    * * *
    وزارني مفتي طرابلس بلبنان ولا أتذكر اسمه ولعله (جو زو) بصحبة اللواء سعد (وأظنه السكرتير المساعد للمؤتمر الإسلامي) والأستاذ جمال السنهوري وتحدث معي في ضرورة العمل على إحياء المؤتمر الإسلامي بكامل نشاطه، والبعد به عن تيارات الخلافات السياسية بين البلاد العربية، وأنهم جاءوا إليّ لأنهم في حاجة إلى جهدي ورأيي في هذا الموضوع.
    وكان معهم مشروع إنشاء مجلة للمؤتمر مطبوع ومبين فيه أهدافها وأبوابها فاطلعت عليه، وأبديت ما عنَّ لي من ملاحظات واقتراحات وافقوا عليها. وانصرفوا على أنهم عند إتمام الإجراءات لإصدار المجلة ولاستئناف النشاط الفعلي للمؤتمر سيعودون إلي. وكان هذا آخر ما هنالك ..
    وأذكر من هذه الاتصالات عدة رسائل تهنئة بالخروج من السجن من أعضاء ندوة العلماء بالهند ومن الجماعة الإسلامية بباكستان، كلها باللغة الإنجليزية. ولا أذكر الآن من مرسليها إلا واحداً اسمه (غلام أحمد) أظنه رئيس الجماعة الإسلامية بكراتشي (وكان الأستاذ المودودي أمير الجماعة معتقلاً)، وواحد اسمه (الصديقي) وثالث من ندوة العلماء بالهند أظنه وكيل الندوة.
    ومما جاء في الرسالة الأولى على ما أتذكر أو في إحدى الرسائل الأخرى من باكستان بعد التهنئة بخروجي وخروج من معي (فقد كان يظن أنه عفو شامل عن جميع الأخوان المسلمين) إن هذا الخروج جاء بعد عشر سنوات في حين أن نهرو الهندي وهو من أمة وثنية مثلثة (يقصد أنها تعتقد أن الإله ثلاثة في واحد قريباً من عقيدة المسيحيين) وأقوام منها يعبدون البقر، إلا أنه أصدر عفواً عن الذين اعتدوا عليه فعلاً وأصابوه ولم يسجنهم. ولكن الحكام في البلاد الإسلامية لا يتسامحون هذا التسامح، ثم يكرر تهنئته على كل حال. وإن كان المسلم في رعاية الله سواء كان سجيناً أو طليقاً.
    ومما جاء في الرسالة الثانية (رسالة صديقي) بعد التهنئة أن كتابين من كتبي في طريقهما إلى المطبعة بعد مراجعة ترجمتهما إلى اللغة الأوردية (وكان من قبل قد ترجم لي كتاب العدالة في الإسلام للأوردية ونشره في باكستان) وأن هناك تفكيراً في ترجمة هذين الكتابين إلى اللغة الإنجليزية التي يتحدث بها ويقرأ معظم المثقفين في باكستان والهند. ثم قال: إنه يأسف لأنه لم يرسل لي حتى الآن نصيب المؤلف من حصيلة كتاب العدالة الاجتماعية الذي نشر منذ سنوات، لأنها حصيلة غير مناسبة وذلك نظراً لأنهم يحرصون على بيع الكتاب بسعر زهيد لا يزيد كثيراً على سعر التكلفة رغبة في سعة نشره، ولكن بعد نشر الكتابين الجديدين ستكون مجموعة الحصيلة لائقة وسيرسلها.. ولم يفع هذا بعد.
    ومما جاء في الرسالة الثالثة الآتية من ندوة العلماء بالهند بعد التهنئة الرغبة في تبادل المؤلفات والأفكار بيني وبينهم، لأن المسلمين في أنحاء الأرض ينبغي أن يتبادلوا أفكارهم بقصد توحيدها وتنقيتها من الأخطاء والانحرافات.
    ولم أجد وقتاً للرد على هذه الرسائل وغيرها من الهند وباكستان لأنها جاءت متأخرة ولم يقع بيني وبينهم اتصال آخر غير هذه الرسائل من جانبهم ولم احتفظ بها.
    ولا أتذكر أنه كانت هناك اتصالات أخرى غير ما سردته في الصفحات السابقة.

    [color="rgb(244, 164, 96)"]الإسلام نظام حياة كامل[/color]
    الحمدلله

  • #2
    رد: الجزء الثاني من كتاب (لماذا اعدمونى) لسيد قطب

    شكرا لك يا أخي

    تعليق

    يعمل...
    X