باكستان تلوِّح لأمريكا بورقة الصين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • باكستان تلوِّح لأمريكا بورقة الصين




    أيا كان المشروب الصيني المشابه لمشروب كول إيد (الأمريكي)، يبدو أن يوسف رضا جيلاني، رئيس الوزراء الباكستاني، يشربه. فخلال زيارته الرسمية الأخيرة إلى بكين، التي عاد منها بوعد بـ 50 طائرة مقاتلة، أغدق الثناء على الصين وقال: ''نحن مثل أمة واحدة ودولتين''، مقارنا ''الاشتراكية الإسلامية'' في باكستان بأفكار ماو تسي تونج. وأضاف متحمسا أن الصين هي ''صوت العقل الوحيد في الشؤون الدولية''.

    تحب باكستان أن تصف الصين بأنها ''صديقة في السراء والضراء''. والمعنى الضمني واضح: الولايات المتحدة صديقة في الأوقات الجيدة فقط. ولم يسامح كثير من الباكستانيين الولايات المتحدة لتخليها عن بلادهم بعد أن رحل الاتحاد السوفياتي من أفغانستان عام 1989. إلا أن الصين، على النقيض منها، ظلت تزودها بالأسلحة، حتى حين فرضت الولايات المتحدة عقوبات في التسعينيات ردا على برنامج إسلام أباد النووي.

    وفقط في عام 2001، حين فجر الجهاديون في القاعدة برجي مركز التجارة العالمية، سعت واشنطن للحصول على تعاون إسلام أباد مرة أخرى. وتم منح تأكيدات بأن الولايات المتحدة ستظل هذه المرة لفترة طويلة، إلا أن الاعتقاد الشائع في إسلام أباد هو أن واشنطن ستتعب، عاجلا أم آجلا، من الحرب في أفغانستان. وسيترك انسحابها باكستان وحيدة مرة أخرى في منطقة عنيفة ومتقلبة.

    وربما تتحقق هذه المخاوف، فالولايات المتحدة تستعد لسحب قواتها من أفغانستان في تموز (يوليو) وتقول إنها تريد تسليم مسؤولية الأمن إلى كابول بحلول عام 2014. والأسوأ من ذلك أنه في أعقاب قتل أسامة بن لادن الذي تم اكتشاف مكانه قريبا من أكاديمية عسكرية في أبوت أباد، اندلع جدل في واشنطن حول ما إذا كان يجب قطع المساعدات عن إسلام أباد تماما.

    وتخشى الولايات المتحدة من أن وكالة الاستخبارات الباكستانية كانت تعلم بوجود ابن لادن في باكستان، أو أنها لم تكن تعلم. وكلا الأمرين يبدو سيئا. وأثار اكتشافه الشكوك بأن وكالة الاستخبارات الباكستانية تلعب ''لعبة مزدوجة'' - استخدام الأموال الأمريكية لمقاتلة بعض المتشددين الإسلاميين ورعاية بعض آخر في الوقت نفسه.

    قارن بين توجيه أصابع الاتهام من واشنطن مع اللهجة الاسترضائية من بكين. فقد أشاد مقال افتتاحي في ''جلوبال تايمز''، وهي صحيفة رسمية، بباكستان لقتالها الشجاع ضد الإرهاب. وفي الواقع، منذ عام 2001 قتل نحو 35 ألف باكستاني في هجمات محلية، أي ما يعادل 11/9 كل ثمانية أشهر. وقالت الصحيفة: ''تدل انتقادات الإعلام الأمريكي أنه لا يرى باكستان حليفة حقيقية تستحق الاحترام''. وعلى النقيض من ذلك ''تضرب الصين مثالا للغرب عن كيفية معاملة باكستان باعتبارها شريكاً مخلصاً ومتعاوناً''.

    ولا شك أن إسلام أباد شاكرة لذلك. ففي بكين طلب جيلاني من الصين تولي تشغيل ميناء جوادر، مشيرا إلى أنه يمكن أن يتم تحويله إلى قاعدة بحرية للاستخدام الصيني. ولم يؤد هذا إلا إلى زيادة مخاوف الهند من أن الصين تعتزم تطويقها بالموانئ الممتدة من بنجلاديش إلى سريلانكا. وتبلغ تجارة باكستان مع الصين 8.7 مليار دولار، مقابل 5.4 مليار دولار مع الولايات المتحدة. والآن تريد باكستان من بكين بناء محطات للطاقة النووية وسدود.

    وهذا شيء جديد. فإلى جانب الدول المنبوذة، مثل كوريا الشمالية وبورما، فإن قلة من الدولة تعتبر الصين قوية بما فيه الكفاية للعب ضد الولايات المتحدة. ولا شك أن كثيرا من الدول الآسيوية ربطت حظوظها بإحكام إلى عربة الصين الاقتصادية، لكن عمليا تسعى جميع الدول إلى موازنة العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة التي لا تزال قوة مهيمنة في المحيط الهادئ. وتلمح باكستان الآن إلى أن الصين، إضافة إلى كونها شريكاً اقتصادياً مفضلاً، ربما تكون أكثر موثوقية شريكا أمنيا أيضا.

    وبالطبع، ربما تكون إسلام أباد تخادع. وربما تتملق الصين من أجل تخويف الولايات المتحدة ودفعها لمواصلة إرسال المساعدات. وفي كلتا الحالتين هناك خيار مؤلم على واشنطن اتخاذه. وتوضح إيزوبيل كولمان، وهي زميل أول للسياسة الأمريكية الخارجية في مجلس العلاقات الخارجية، مخاطر الانسحاب. فآخر مرة قامت فيها الولايات المتحدة بذلك، في التسعينيات، كما تقول، سعت باكستان لإقامة علاقات مع طالبان الأفغانية وسمحت بانتشار التكنولوجيا النووية.

    ومن ناحية أخرى، إذا كانت واشنطن تعتقد حقا أن الجيش الباكستاني يرعى الإرهاب، سيكون هناك ضغوط هائلة لقطع المساعدات. وإذا كانت هذه الشكوك صحيحة، هذا يعني أن جزءاً من المليارات العشرين التي أعطتها واشنطن لإسلام أباد تم إنفاقه على قتل جنود أمريكيين في أفغانستان.

    وحتى بعض الباكستانيين يعتقدون أن على الولايات المتحدة إغلاق حنفيتها. ويقول محسن حامد، وهو مؤلف ومفكر في لاهور، إن الأموال الأمريكية غذت المؤسسة العسكرية المتضخمة، ما أوجد دولة داخل دولة ودمر أية فرصة للسيطرة المدنية الحقيقية. ومن دون التمويل الأمريكي، كما يقول ''سيضطر الباكستانيون إلى بناء مجتمع من مواردهم الخاصة.''

    ولكل هذه الأسباب، كما يجادل جيمس برازير، محلل شؤون آسيا في IHS Global Insight ''لا شك أن تأثير الصين على باكستان سيزيد مع تضاءل تأثير أمريكا''. ويتوقع ''بعد عشر سنوات من الآن، سيكون وجود الصين في باكستان أكبر بكثير من وجود الولايات المتحدة''.

    وإذا كان برازير على حق، ربما تصبح باكستان أول دولة محورية استراتيجيا تنتقل من الولايات المتحدة إلى المعسكر الصيني. والغريب أن هذا قد لا يناسب بكين التي لا تزال تشعر بالقلق من التورط كثيرا في الشؤون العالمية. وربما يتبين أن الصين جلبت المتاعب لنفسها من خلال صداقتها مع باكستان.

يعمل...
X