يمكن للحماقة الأمريكية أن تدمر باكستان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يمكن للحماقة الأمريكية أن تدمر باكستان

    الأسابيع الأخيرة زادت من سوء الوضع المعقد والمأساوي لدرجة الغرابة، الذي تجد باكستان نفسها فيه. فمن ناحية، يصب كثير من وسائل الإعلام والنخب السياسية في الولايات المتحدة لعنتهم على باكستان بسبب إيوائها أسامة بن لادن وقادة طالبان أفغانستان - ويهدد الرئيس بارك أوباما بشن مزيد من الغارات لإلقاء القبض على هؤلاء القادة أو قتلهم. ومن ناحية أخرى، كما تظهر الهجمات التي وقعت عقب مقتل ابن لادن، ما زالت باكستان نفسها تعاني واحدة من أسوأ مشاكل ''الإرهاب'' في العالم.

    فقد قتل أكثر من 30 ألف شخص في هجمات إرهابية وفي معارك مع الإرهابيين، ومن ضمن هؤلاء أكثر من 3600 جندي وشرطي منذ 11/9. وحتى وكالة الاستخبارات المركزية الباكستانية التي ينحى عليها باللائمة بسبب علاقاتها مع أعضاء الميليشيات، عانت وفقدت أكثر من 80 من ضباطها. وبلغ الهجوم الأخير على إحدى القواعد البحرية في كراتشي أخيرا، من الجرأة درجة زادت المخاوف من أن تكون باكستان نفسها في طريقها إلى الانهيار.


    لكن ما زال هذا بعيداً عن أن يكون القضية، ما لم تشترك الولايات المتحدة في تدمير باكستان. لقد جلبت الأحداث الأخيرة النقد لعدم كفاءة الجيش الباكستاني وتسلل أعضاء الميليشيات المسلحة إلى صفوفه. لكن بطرق أخرى، فإن الجيش يحارب الجماعات المسلحة بنجاح. ففي آذار (مارس)، زرت مقاطعة سوات الشمالية التي كانت حتى ربيع عام 2009 واقعة إلى حد كبير تحت سيطرة طالبان باكستان، إلى أن تمت استعادتها عبر هجوم مضاد شنه الجيش.


    إن جهود إعادة بناء الجيش تثير الدهشة، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار الضرر الذي تسببت فيه فيضانات العام الماضي. صحيح أن الحملة التي شنها كانت بلا رحمة أيضاً، حيث قام بتنفيذ عديد من عمليات الإعدام دون محاكمة. لكنني اطلعت على برنامج يثير الإعجاب لإعادة تأهيل مقاتلي طالبان من المستويات الدنيا، بينما نجح الجيش في دحر المتمردين في المناطق القبلية.


    لفهم هذه الصورة التي تتسم بتناقض واضح لسلوك الجيش الباكستاني، يلزم فهم أن الغالبية العظمى من الجنود سيقاتلون بشراسة للدفاع عن باكستان ضد أي هجوم يشن عليها من الداخل أو الخارج، لكنهم يمقتون تماماً أن يعتبر أنهم يفعلون ذلك من أجل الولايات المتحدة. إن الجنود الباكستانيين يعتبرون أنفسهم طبقة متفوقة، لكنهم يتحدرون من السكان ويشاركونهم عداءهم للولايات المتحدة ولتحالف الولايات المتحدة مع الهند.


    في الأعوام السابقة لسنة 2009، سببت هذه المشاعر مشاكل معنوية خطرة في القتال ضد الجماعات المسلحة. فقد كان يتم سؤال الجنود الذين يقضون إجازات في بيوتهم من قبل الجيران لماذا يأخذون الأموال الأمريكية ليقتلوا المسلمين - وهذه ضربة قوية لاحترامهم لأنفسهم. وقد فضل عدد من الضباط الاستقالة على قتال إخوانهم الباكستانيين، وكانت هناك أمثلة على وحدات كاملة رفضت القتال وسلمت نفسها.


    لكن بعد أن ظهرت حركة طالبان باكستان كتهديد حقيقي للدولة الباكستانية، تغير الموقف تغيراً كبيراً. وساعد في ذلك الأعمال الوحشية التي كانت ترتكبها طالبان ضد المدنيين والجنود، كما ساعدت الدعاية التي بثها الجيش بأن الهند تساعد حركة طالبان باكستان كي تدمر باكستان. ولا يوجد أدنى دليل على ذلك، لكنه فعل الأعاجيب على صعيد المعنويات.


    هذا الاستعداد للقتال ينطبق على طالبان باكستان وليس على طالبان أفغانستان. والمأوى الذي أعطي للأخيرة لا يعكس الحسابات الاستراتيجية للقيادة العليا بشأن أفغانستان فحسب، لكنه يعكس أيضاً إيمان الباكستانيين بأن حركة طالبان أفغانستان داخلة في صراع مشروع ضد احتلال أجنبي. ولا يعني هذا أن معظم الجنود الباكستانيين يرغبون في أن يروا طالبان تحكم باكستان - لا لشيء إلا لأنهم يعلمون أن هذا يعني تمزيق البلد وانتصار الهند.


    لكن بالقدر نفسه، سيشعر الجنود الباكستانيون بأنه يتعين عليهم أن يقاوموا مزيداً من الغارات التي تشنها الولايات المتحدة. إن غارة واحدة لإلقاء القبض على الرجل المسؤول عن هجمات 11/9 كانت مبررة، رغم خطورتها. لكن جنرالاً باكستانياً متقاعداً أوضح لي ما الذي سيحدث إذا أصبحت هذه الغارات نمطاً. وقال إن الهجمات التي تشنها الطائرات من دون طيار على الأراضي الباكستانية ليست بالغة الأهمية، لأن الجنود العاديين لا يستطيعون عمل الكثير بشأنها، لكن وجود قوات برية أمريكية داخل باكستان مسألة مختلفة، لأن الجنود يستطيعون أن يفعلوا شيئاً بشأنها ''يمكن أن يقاتلوا. وإذا طلب منهم الجنرالات عدم القتال، فإن كثيرا منهم سيتمردون عليهم''.


    يجب ألا تغترَّ واشنطن بقتل ابن لادن. فالشخصية الوحيدة التي تستحق مخاطر شن غارة أخرى هو نائب ابن لادن، أيمن الظواهري. إن قتل قادة طالبان أفغانستان سيكون ضرباً من الجنون، إذا وضعنا في الاعتبار أن واشنطن يجب أن تتحدث معهم عن التوصل إلى تسوية. وبدلا من ذلك، ينبغي للولايات المتحدة أن تطمئن شعباً باكستانياً مستثاراً ومعادياً لها تماماً، بشكل جزئي عبر وقف الهجمات بالطائرات من دون طيار. ومكمن الخطر هو أن تؤدي غارة تشنها الولايات المتحدة مستقبلاً إلى نشوب قتال أمريكي باكستاني، أو إلى وقوع تمرد باكستاني. وعندها يمكن أن تسهم واشنطن على نحو غريب، في تدمير الدولة الباكستانية التي تحاول أن تنقذها، وتسهم في تحقيق نصر تاريخي للتطرف الإسلامي. وسوف تصبح مأساة باكستان عندها مأساة للعالم بأكمله.




    صدر للكاتب في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هذا الشهر كتاب بعنوان''باكستان: بلد صعب'' Pakistan: A Hard Country.
يعمل...
X